23 ديسمبر، 2024 7:05 ص

زيارة الوفد الكوردستاني .. حقائق تقتضي الاستدراك

زيارة الوفد الكوردستاني .. حقائق تقتضي الاستدراك

جاءت زيارة الوفد الكوردستاني الرفيع المستوى في ظروف محلية واقليمية دقيقة وحساسة ومعقدة.. وسط مخاطر تحديات جاثمة كثيرة داخلية وخارجية. وهو ما يستدعي مضاعفة الجهود المشتركة للقوى والاحزاب في محاولة تطويقها ودرء مخاطرها ، والتهيؤ لاحقا لفهم حقائق البلاد الموضوعية بشكل جدّي يستدعي معه المرتكزات الاساسية للبناء السياسي الديمقراطي في التوافق والمشاركة ومواصلة الحوار البناء والالتزام بالاتفاقيات والتعهدات . من الاهمية الاستمرار بالاحتكام الى مبدأ التوافق والحوار بتعقل ومنطق هادي كلما حصلت أزمة ، فالازمات التي تثار بشأن أية قضية ومن اي نوع انما هي امتحان جديد لمدى مكانه الالتزام بالعهدة الوطنية على اساس التوافق.
الزيارة خطوة ايجابية مهمة سياسيا ومعنويا ونأمل ان تفسح اللقاءات مجالا رحبا يسهم في تعزيز العلائق دستورياً وسياسياً وميدانياً ومن شأن ذلك توطيّد المسيرة السياسية وتعضّيد تجربتها الديمقراطية ، خاصة وان مشهد البلاد السياسي يعتوره الكثير من فقدان التوزان في صعد مختلفة أسهم في ثقل نتائجها السياسات الحكومية السابقة التي ابتعدت كثيرة عن حقائق البلاد وتوازناتها ولم تتفهم بوعي حقائق مشكلاته وتناقضاته بل لم تقدم مشروعاً سياسياً ناضجاً يستطيع ان يحل ولو جزءا بسيطاً من تلك المشكلات ، لتتفاقم يوم بعد آخر وتتعقّد ظواهرها بشكل بات تحدياً جديّا آخر يضاف الى سلسلة التحديات القائمة . وبلا شك فأن تفاقم الاوضاع الداخلية أكثر سوءا من مواجهة اي حرب خارجية.ان حكومة الاقليم عبّرت عن حرصها غير ذي مرّة عبر متعدد زياراتها على ديمومة العلاقة مع الحكومة الاتحادية وعلى وفق المبادئ الدستورية في الشراكة والتوافق، التي من شأنها ان تشّكل دعامة قوية لمجمل العملية السياسية ، لأن كوردستان مفتاح التوازن والسلام .
ان صناعة السلام والاستقرار في البلاد ، تنبع من أرادة حقيقة واعية لمستلزمات بناءه على قاعدة استحقاقاته الوطنية والدستورية ، بعيداً عن اشكالات التفكير وذهنية السلطة ، التي لاتعني أكثر من الاستحواذ على مقدرات البلاد المالية والبشرية وحرمان الاخرين منها بمختلف مكوناته وطوائفه وفئاته ، وفتح سجلات الانتهاك المتخمة في تاريخ البلاد الحديث وهو مايخلف الدستور والواقع والعصر .
إن استقرار البلاد وأمنها يتحمل وزرها الجميع ، وقد أثبتت التجارب إن ثمرة هذه الثنائية الاساسية للحياة وديمومتها ، تنبع من بناء الثقة والأطمئنان بين مختلف القوى التي اتفقت قليلاً وافترقت كثيراً جراء عوامل متداخلة اهمها سياسات وسلوكيات الحكومات السابقة ، التي لم تحرص على البناء ، مقدار حرصها على تجديد ثوابت نزعة السلطة وفرديتها بما تجلبه من ثروات لطبقة السلطة وحرمان الآخرين منها ، برغم تغير العصر والحقائق والمعادلات في العالم من حولنا.
إحدى المشكلات الفكرية الاساسية المنعكسة على السلوك والسياسات والممارسات ، هي ان بعضنا غير مستعد لتغيير نظرته الى نفسه ، والى العراق في عصره الحالي ، والى تطور الفكر السياسي في العالم ، وتطور العلوم والاكتشافات ، فيصّر هؤلاء على بقاء القديم على قدمه ، والتسلط على تسلطه ، والتحكم بالقدرات والمصائر على ما كان عليه ، لذلك يعجزون عن ادراك مغزى اهم تطور في الفكر البشري خلال القرون الاخيرة ، وهو الانتخاب السلمي الحر، وبناء السلطات التشاركية بروح
جماعية سليمة ، وتعزيز البناء السليم ، لدرء مخاطر المشكلات . وبلا شك فأن هذا النوع من الأنظمة هي اقرب الى الفطرة البشرية والى دورة الحياة في الطبيعة وهي عامل ذاتي يدفع الى التقليل من المشكلات والتفاعل الايجابي في الازمات.
تواجه البلاد حرباً ضروساً ضد الارهاب الداعشي وعلى أمتداد جبهتين اساسيتين ، جبهة التصدي الوطني الاولى تتمثل في تصدي قوات الجيش والقوات الامنية والعسكرية وفصائل الحشد الشعبي في مناطق شمالي تكريت والفلوجة وهيت وغيرها وهي تحقق تقدما يوم بعد آخر.
الجبهة الوطنية الثانية تصدي قوات بيشمركة اقليم كوردستان الابطال للأرهاب الداعشي والحاق هزائم منكرة بفلوله اطاحت بالاساطير الداعشية وصمودها.
ولا ريب ، بأن معركة بهذا الحجم والمساحة تتطلب استكمالاً عسكرياً في التخطيط والتوجيه والتنسيق ، ولعل تحرير مدينة الموصل ، سيشكل مقدمة بارزة لألحاق الهزيمة النهائية لداعش الارهابي في وجوده على أراضي البلاد ، ومهمة التحرير هذه ليست نزهة في ظل الاوضاع الحالية التي تعاني منها البلاد ، فضلا عن التداعيات الاقليمية حيث أزمات المنطقة وصراعاتها تلقي بظلالها على ما يجري، فأن ضرورات التنسيق العسكري الاستراتيجي بين حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية ، تعّد من اولى الضرورات ، وهي ما يوجّب تنسيق عسكري عال المستوى ، وغرفة عمليات مشتركة . لأن ازالة الارهاب اصبح الشرط التاريخي المحتم لخلق حالة الاستقرار في البلاد وتوطيد الامن ، وهي ما يلقي بالمسؤولية على الحكومة الاتحادية في الايفاء بألتزاماتها ازاء قوات البيشمركة ، التي تؤدي دوراً تاريخياً وطنياً كبيراً في محاولة بسط الامان في ربوع البلاد، وقد قدمت تضحيات كبيرة ، محل
فخر واعتزاز الشعب الكوردستاني ، كما هي محل فخر واعتزاز كل القوى المحبة للخير والسلام والتقدم محليا ودوليا.
من الضروري الأنتباه الى ما لحق الاقليم من اضرار اقتصادية ومعيشية ، تدعو الى الاسف جراء قطع حصة الاقليم من الموازنة الوطنية ، وقطع رواتب موظفي الاقليم ، إن استمرار هذا الوضع في ظل التحديات التي تواجه البلاد امر مخالف لطبيعة المواجهة المشتركة ، مثلما هي مخالفة للدستور. فالحكومة الاتحادية تتحمل مسؤولية اخلاقية وقانونية ازاء مواطني الاقليم ، الذي اسيء الى مشاعره ومواقفه نتيجة هذه السياسات ، التي لا تؤسس لارساء علاقات شراكة قوية وعميقة تبعث على المزيد من الثقة والاعتماد.
وعلى صعيد تشكيل الحكومة المقبلة تحت تنامي الضغط والاستياء الشعبي ، نظراً لطغيان الفساد والمفسدين ، وفشل الدولة في إداء دورها ، واهمالها محاسبة المفسدين ، فطوال سنوات اثر اخرى ، تفاقمت ملفات الفساد فيما الصمت الحكومي كان مطبقا ومتجاهلا الاصوات المنددة ، ومع لعبة التناقض التاريخي في ادواره المختلفة ،الذي وجد صورته في هبوط اسعار المحروقات ، كشف المستور وبان الحجم الحقيقي للفساد ، الذي ضرب باطنان تربة البلاد وأفقر جماهيرها الواسعة ، التي هبت غاضبة تريد تغيير هذه الاوضاع ، التي تعني في قواميس الأشياء مصادرة الحاضر والمستقبل. فمن أين البداية؟!.
إن الفساد في البلاد، يقوم على قاعدة بنيوية ، تحتاج معالجتها الى خطط وهيكلة بناّءة تقتضي سنوات من المعالجة ، لكن المعالجة لا تتم بكسر قواعد اللعبة الديمقراطية في البلاد القائمة على التوازن ، لابد من محددات في العمل والاداء الحكومي ، ولابد من برامج لأية وزارة قائمة ، وتثبيت احكام قبضة الهيئات الرقابية
وعدم تسييسها لتحيد عن أهدافها. وثمة اشكال اخرى يمكن التعاطي معها لارساء حكومة فعّالة تعمل على خدمة الناس وتحسين احوالهم وتقدم البلاد. فلقد قدمت حتى الان صفحة مشوهة من الاداة الحكومي ، هي موضع ادانة من قبل الرأي العام والشارع العراقي، ويكمن السبب في عدم الالتزام بالبرامج وتنفيذها، وضياع المال العام بالتنكر بالجلباب الحكومي اي بالمناصب المختلفة، وضعف الرقابة وتحجيم دورها.
فهل تكفي تغيير قاعدة التوازن لخروج حكومة نزيّهة ان الجواب في طي الغد وان الغد لناظره قريب.