23 ديسمبر، 2024 11:00 ص

زيارة النجيفي الى طهران – تحليل وتقييم

زيارة النجيفي الى طهران – تحليل وتقييم

هل تستطيع البوصلة العراقية المحضة تحديد مسارات العملية السياسية الملتبسة مع نفسها ومع الاخر في انقاذ العراق من مأزقه الراهن؟
هذا سؤال سنحاول الاجابة عليه في ضوء التهاتر الذي صحب زيارة رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي لايران.
مع انهيار الاتحاد السوفيتي بدأ عالم جديد يتشكل من اهم ملامحه إضعاف المؤسسات الدولية والاقليمية لتأمين بسط السيطرة الاحادية الجديدة،وانعكس هذا في إتمام السيطرة الاميركية على الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي ومؤسساتهما.وانتقل المبدأ الى المؤسسات الاقليمية حتى حرمت جامعة الدول العربية من لعب دور وساطة شكلي في مسألة الانسحاب العراقي من الكويت .
وجاء الحضور العسكري الاميركي في المنطقة عبر إحتلال العراق ليطرح اسئلة شائكة تتعلق بجغرافيا السياسة في العالم وفي المنطقة، وكان من بين الاسئلة هل من الضروري التخلص من هذه المؤسسات ومعها إنهاء اية سيطرة للقوى الاقليمية ام من الضروري استمرارها للحفاظ على استقرار بدرجة باقل درجة ممكنة من القلق؟.
امام هذا السؤال كانت المنطقة تمور بجملة هائلة من المتغيرات، فثمة تهديدات بتقسيم السعودية وقرارات أممية بالانسحاب السوري من لبنان وفتح الملف النووي الايراني ، وشغل اميركي مبرمج لتقليم اظفار السعودية في الخليج عبر اقامة واشنطن لعلاقات ثنائية مباشرة مع دوله. حيث تم تحويل البحرين الى مملكة مقابل قاعدة للأسطول الاميركي الخامس، مع إستضافة قطر قاعدة العيديد الاميركية مقابل حمايتها من السعودية وغيرها.
ومنح تعقد الوضع في العراق فرصا مثالية للسعودية لاسترداد بعض نفوذها تدريجياً عبر التبني الاميركي لزعامتها لماسمي بمجموعة الاعتدال العربي عبر دعم نفوذها في لبنان والعراق وفلسطين مقابل النفوذ الايراني.
وفي هذا الوقت تم تدجين الجامعة العربية بعد تحجيم الدور المصري الاقليمي. في حين تصاعدت الضغوط الاميركية والاقليمية ضد المحور السوري الايراني. وهكذا فان قرار الانسحاب الاميركي ،ولنقل التراجع، في العراق استتبع اعادة الامور الى نصابها ما قبل احتلال العراق. وهو ما يعني عودة المؤسسات الاقليمية ولكن وفق معادلة التدجين الجديدة. وكذلك عودة القوى الاقليمية وفق المعادلة نفسها. وهو ما امكن السعي اليه بعقد صفقات اميركية منفردة مع القوى الاقليمية. وان كان هذا السعي يتعرقل بعدم امكانية فك التحالف السوري الايراني.
ومع هذا المسار تنامى وعلى نحو خطير إعتماد الحرب السرية والحرب بالنيابة حيث فوجئت المنطقة والعراق في بؤرتها بنمط جديد من الحروب باغطية طائفية وجهوية وجاهلية، تعددت وسائلها، واختلفت اهدافها، لكن وقائعها ذهبت الى هدف يتيم هو ابقاء المنطقة فوق صفيح ملتهب.
وكان ان افضت هذه الحروب الى ولادة عمليات قذرة اما من نوع الجرائم المبتكرة وإما من نوع الجرائم البدائية. وكانت ان ادت الى ابقاء اميركا قادرة على اشعال النزاعات الاهلية في المناطق الحساسة بما يعطيها ورقة اضافية بالمساومة على اشعالها.
وفي هذه الحروب تورطت ايران بشكل مباشر حينا وبالنيابة حينا اخر، كما تورطت السعودية ودول خليجية اخرى.
وللخروج من المآزق هذه تداعت اطراف عراقية الى طرح بديل الاقلمة المفضي لاحقا الى الانفصال الذي لم يحظ بقبول شعبي سواء في الجنوب العراقي ام في الوسط.
في هذا الخضم الاقليمي والدولي الملتبس كان العراق يمر باشد حالات مأزقه تعقيدا، فالخلاف وليس الاختلاف صار القاعدة بين اطراف العملية السياسية، والاتفاق استثناء، ورياح العنف والعنف المضاد في سورية تضرب بسخونتها جبهة العراق وتترك آثارا على التفاعل بين الاطراف السياسية العراقي.
وفي هذا الخضم جاءت زيارة السيد رئيس مجلس النواب الاستاذ اسامة النجيفي الى تركيا وايران.
فما هي اهداف الزيارة؟
المتتبع لتفاصيل الزيارة يجد انها استهدفت ايجاد حلولاللاشكاليات التالية:
ـ بحث المبادرة العراقية لحل الازمة السورية التي بات تفاقمها يهدد بحرب عنيفة لايسلم من آثارها أي احد في المنطقة, لا سيما بعد ان نمت الانقسامات الطائفية واصبحت اكثر عمقا وحدة بين المتطرفين السنة والشيعة معا واخذت تشق مسارها نحو المعتدلين.
ـ محاولة لرأب الصدع بين طهران وانقرة في مايتعلق بموقفيهما من احداث العراق واحداث سورية.
ـ تجنيب العراق آثار النزاع السياسي والحرب بالنيابة بين ايران والمنظومة الخليجية من جهة وبين ايران وتركيا من جهة اخرى.
وقد افضت الحوارات الى قبول تركيا بالمبادرة العراقية كقاعدة لحل الازمة السورية وتجنيب المنطقة شرورها، ووعدت القيادات الايرانية باستمرار الحوار حول المبادرة وصولا الى قواسم مشتركة.
كما اسهمت الزيارة في تذويب ما امكن تذويبه من جبال الجليد بين طهران وانقرة وهو ما يندرج تحت خانة فن الممكن السياسي.
اذن فان اهداف الزيارة تحمل هما عراقيا محضا من جهة وهما اقليميا من جهة اخرى وقد تصدى السيد النجيفي لها انطلاقا من مسؤوليته الوطنية والدستورية وليس لاسباب انتخابية كما تروج بعض النفوس الممتلئة بقيح الريبة والتشكيك وتحميل الاشياء على غير محاملها تنفيسا عن فشل راكس في النفس وعقد مريضة.
واذا عرفنا ان الزيارة لطهران جاءت بدعوة رسمية قديمة من الطرف الايراني حالت دون تنفيذها في الفترة السابقة الظروف العراقية والاقليمية والدولية المعروفة، وليست بطلب من النجيفي نفسه، مع انه اراد من خلال هذه الزيارة تبني الحوار الاقليمي مع دول المنطقة بشأن المبادرة العراقية، فان الالسن التي اعتادت الخوض في المياه الاسنة ستتخشب.
ان من يظن ان العملية السياسية في العراق تبلغ نهاياتها الناجحة او تنمو على نحو صحيح دون وضع حد للتدخلات الاجنبية يقع في وهم كبير وخطير، فالعراق حاله حال اية دولة في العالم، كبيرة وصغيرة، ليس بمنجاة من اصابع التدخل بهذا الكيف او ذاك. والقائد الناجح من يستطيع الامساك بكل اوراق الاصابع المتدخلة ويجنب بلاده وشعبه الضرر الذي فيها ويفيد بلاده وشعبه مما هو ايجابي فيها.
لم يمثل النجيفي عند زيارته طهران نفسه ولا كتلته ولا حزبه انما مثل الشعب العراقي والحكومة العراقية، وكان صريحا جدا في تشخيص سيئات التدخل الايراني فدعا الى تجاوزها، وفي تشخيص علل المنطقة التي تعتريها موجة الارهاب الطائفي العنيف ودعا الى التعاون من اجل القضاء عليها لانها لا تهدد العراق فقط بل تهدد المنطقة كلها ومن ضمنها ايران.
ومن هذا نجد ان النجيفي مارس دور المسؤول الذي يعي خطورة المرحلة، ويعي ايضا ان ايران رقم في معادلة الالتهاب الاقليمية لا يمكن تجاوزه، وان شجاعة المسؤول القدير بمسؤوليته ان يلجأ الى اهم عنوانات الشجاعة وهو الرأي والحوار فالحوار اشد وقعا وتأثيرا واسرع وصولا الى النتائج المرجوة من قعقعات السيوف ولعلعة البارود.
اليس من المعيب حقا ان يلجأ البعض ممن فشل في اشغال حيزه السياسي الى اثارة البلبلة على زيارة مهمة وذات هدفي وطني وانساني؟
اليست اثارة البلبلة تعني ضمنا ان مثيرها يرغب في استمرار التطاحن الخليجي الايراني والتركي الايراني على ارض العراق ولا يدفع فاتورة هذا التطاحن غير العراقيين الابرياء الذي لايتجولون بسيارات مصفحة ولا تحميهم فصائل مدججة بالسلاح ولا اسيجة من الخرسانة الضخمة.
نظن ان الادعى بمن يثير البلبلة ان يقدم للعراقيين الذين تنزف دماؤهم على مدار الساعة نظريته في الانقاذ لا ان يستمر في نوبات الهذر والهذيان؟
لكن، لقد قيل قديما: ان لم تستح فافعل ماشئت.
لقد اعاب بعضهم على السيد النجيفي تقديمه العزاء لقاسم سليماني بوفاة والدته زاعمين ان سليماني ضالع في سفك دم العراقيين، وهنا ينبجس سؤال خطير هو: اذا كان هؤلاء الزاعمون صادقين في مزاعمهم فلم لم يرفعوا دعاوى ضد سليماني في المحاكم العراقية او المحاكم الدولية؟؟ ولم لم يقدموا ادلتهم ووثائقهم وقرائنهم الى مجلس النواب كي يروا ان هذا المجلس سيتعاطى معها بما تستحق من اهتمام وجدية ام لا؟
لانهم ادمنوا الظهور في الاعلام فقد تحولوا الى ببغاوات حقيقية تنعق وراء من يقف خلف هذه الوسيلة الاعلامية او تلك خاصة وان الكثير من وسائل الاعلام اصبحت تبيع مواقفها لمن يدفع اكثر.
ان من المستغرب حقا ان يعاب على السيد النجيفي وهو مسؤول عراقي تقديم العزاء لمسؤول ايراني توفيت امه ابان زيارته وهو تقليد عربي واسلامي معروف لا شائبة فيه او عليه، ولم يعب على مسؤولين عديدين ركبوا طائرات خاصة وذهبوا لتقديم العزاء في هذه الدولة او تلك.
اليس هذا الكيل بمكيالين مدعاة للتشكيك في المنظومة الاخلاقية لاصحابه؟
وليعلم هؤلاء ان نمط العمل السياسي قد تغير وتحول من اسلوب السجالات والمواجهات الحادة الى مخاطبة العقول من خلال القلوب لتحقيق اهداف وغايات سياسية لاجل الوصول الى المجتمعات الاخرى.
هذه ادوات جديدة تستخدم عوضا عن المجابهات وكيل الاتهامات, وهي جزء من عناصر القوة الانسانية التي تهدف الى التخفيف عن التعصب والتطرف في المواقف والاراء والسلوكيات حتى ولو بعد حين…
وفي الختام حسبنا ان نقول:
خلق الله للمعالي رجالا
ورجالا لقصعة وثريد