بلا شك لايمكن اعتبار القطيعة السياسية بين طرفين سياسين بانها قطيعة بلا نهاية ، فالسياسة بالأساس مبنية على نظرية محددة بان القطيعة نفسها هي جزء من العمل السياسي ,وهي الوسيلة الوحيدة التي يكسر بها السياسي لغة المجاملة مع طرفه المقابل ، ويكشف الستار عن خفاياه خصوصا حين يتسع رقعة الخلافات ، ويبدأ كل طرف بتبادل الاتهامات وكشف الملفات عن بعضهما البعض …
لذا فحين اشتد الخلاف بين حكومة المركز وحكومة اقليم كوردستان كانت الانظار كلها متجهة الى اربيل وبغداد تترقب نتائج هذا الخلاف الذي تحول بمرور الوقت الى تحشيد للجيوش ، وتهديدات بالمواجهة العسكرية لولا تدخل اكثر من طرف بغية نزع فتيل الازمة وتهدئة الاجواء المتوترة ، وقطع الطريق امام محاولات جر الطرفين الى ساحة مفتوحة للحرب ، ثمنها الفشل الاكيد للعملية السياسية …
زيارة السيد نوري المالكي الى اقليم كوردستان جاءت لتؤكد ان الطرفين يدركان خطورة الوضع السياسي في العراق ، ويدركان حجم الزلزال التي تهدد المنطقة في وقت والولايات المتحدة الامريكية عزمت على تزويد المعارضة السورية بالأسلحة المتقدمة التي من شانها ان يحسم الملف السوري الذي بات يشكل خطرا حقيقيا على مصالحها نتيجة للدعم اللوجستي الايراني لبشار اسد الذي مكنه من الوقوف بوجه المعارضة السنية المسلحة التي يحظى بدعم دولي واقلمي ، وهذا يعني ان مخاوف المالكي من ان ينقلب الاوضاع عليه واردة تماما ، وان استمراره في مقاطعة شركائه الكورد لا يخدم برامجه السياسية ، فاختار بعقليته السياسية ان يفاجأ اصدقائه بهذه الزيارة لكوردستان ، ويبرهن انه لايزال يمتلك زمام المبادرة التي يكشف بها قوته ونفوذه السياسي الذي يمكنه من فرض سلطته السياسية باعتبار انه رئيس لمجلس الوزراء العراقي ، وأربيل لا يشكل لدية سوى مدينة عراقية ، وله الحق القانوني في زيارتها متى شاء ، وعقد اجتماعاته الدورية فيها …
التوقيت الزمني للزيارة كانت لها مغزى آخر حين استطاع ان يستغل اجواء الجدل الدائر بين حكومة الاقليم والقوى المعارضة الكوردستانية حول الدستور ، واستطاع المالكي ان يشغل الساحة الكوردستانية بمزيد الجدل حول تصريحاته التي سبقت الزيارة بخصوص تقرير المصير ، والذي اثار حفيظة القوى المعارضة في كوردستان مما تركت انطباعا سائدا بان نوري المالكي قد اجاد فن صب الزيت على النار واستغل فجوة الخلاف الكوردية بشان الدستور باتجاه المزيد من التباعد السياسي بين الاطراف في كوردستان ، فضلا من تصريحات صالح المطلك حول انسحاب البيشمركة من المناطق المتنازع عليها ، الذي اراد بهذا التصريح ان يعيد بعضا من بريقه السياسي داخل طائفته السنية الذي فقده مرات ومرات ، وكانت اخرها محاولة الهجوم علية من قبل المتظاهرين في الرمادي …
وهذا يعني ان السباق المحموم بين حكومة المركزبرئاسة نوري المالكي وبين رئاسة اقليم كوردستان هو سباق له اكثر من جانب وسط ظهور معالم البركان الثائرة في تركيا ، والتي تشكل من حيث اعتقادنا دعما معنويا لنوري المالكي باعتبارها صحوة ((علوية)) لسحب البساط من تحت اقدام حكومة رجب طيب اوردغان السنيةالذي يتمتع حكومته بعلاقات سياسية واقتصادية وتجارية طيبة مع الاقليم ، وحصر دوره داخل المربع التركي خصوصا بعد ان تحولت تركيا برئاسته الى اللاعب اكثر قدرة على الحركة في عموم المنطقة بما في ذلك اقليم كوردستان العراق ، ناهيك عن وقوفه بالند السياسي القوي للمد الشيعي الزاحف نحو الظهور، بعد حرمان تام لدوره في المنطقة دامت لقرون عديدة بسبب الهيمنة السنية على مقاليد الحكم في كل ارجاء المعمورة …
ولهذا نعتقد ان ما يجري في تركيا لا يمكن اعتبارها بحالة سياسية طبيعة ، وان الاحداث تلك لها اكثر من هدف الذي ينتظره ايران ليتفرغ كليا لدوره المرسوم في المنطقة ، وان الايادي الخفية التي تعمل على اثارة الاوضاع باتجاه المزيد من اعمل العنف في تركيا ، تدرك جيدا ان الوقوف بوجه الانفتاح التركي على اكثر من محور تقلل من شان تأثيراته السياسية على المنطقة ، خصوصا ان رجب اوردغان عازم على حل المسالة الكوردية هناك بالطرق السلمية التي تفتح الابواب جميعها امام الاقليات الدينية والقومية في تركيا لتطالب بحقوقها المشروعة،وهي من المسائل التي تفسرها الدوائر العسكرتارية التركية بان حلها على اسلوب اوردغان هي مؤامرة بحق وحدة الشعب التركي ن وتمهد السبيل لدولة كوردية كبرى التي تشكل خطرا على تركيا في المستقبل…
ومن هنا فان الاحداث الجارية لايمكن استثناء حكومة المركز و اقليم كوردستان من اثارها وتداعياتها المستقبلية ، وان اي انتصار سياسي للقوى المناهضة لسياسة اوردغان ينعكس سلبا على الاقليم من الناحية الاقتصادية والتجارية وحجم الاستثمارات التركية لشركاتها في كوردستان ، وتحفز في ذات الوقت حكومة نوري المالكي على فرض اراداتها السياسية على الاقليم من جهة ، وحصر المظاهرات والاحتجاجات السنية في المناطق الغربية من العراق بشكل يتناسب مع خطابه السياسي بهذا الشان من جهة اخرى …
لذلك فان حكومة الاقليم ينبغي ان تنهي خلافاتها بشان الدستور ، وتنصرف كليا لدراسة كل الاحتمالات الواردة وتجمع بيتها الكوردي باتجاه ما يضمن سلامتها من الكوارث العاتية التي تزحف صوب كل الاتجاهات ، لكي لاتكون ضحية الوعودات والمجاملات السياسية والمرونة التي ابداها نوري المالكي خلال زيارته لأربيل التي لم تقتصر سوى على استعراض قوته السياسية ، وهذا يعني ان زيارة نوري المالكي لإقليم كوردستان تبقى تحمل في مضمونها هدفا سياسيا لا علاقة له بالخلاف القائم بين الطرفين ، الذي لا يمكن حلحلته ببضعة ساعات من زيارة خاطفة ولقاءات اجتمعا بطريق الصدفة……..
[email protected]