26 نوفمبر، 2024 3:38 م
Search
Close this search box.

زيارة المالكي .. واشنطن وبغداد .. من يحتاج من؟

زيارة المالكي .. واشنطن وبغداد .. من يحتاج من؟

تثير زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للولايات المتحدة الاميركية  في هذا الوقت بالذات قدرا غير قليل من الجدل في كلا العاصمتين، بغداد وواشنطن، بعض ذلك الجدل ربما كان معقولا ومقبولا لانه يرتبط بقراءات سياسية معينة للواقع القائم، وينطوي على البحث عن معطيات ونتائج ايجابية مثمرة، والبعض الاخر من ذلك الجدل ربما يرتبط بطبيعة الحراك السياسي بأطاره التنافسي في كل من بغداد وواشنطن.
   ذهب المالكي الى الولايات المتحدة الاميركية بناء على دعوة رسمية من جو بايدن نائب الرئيس الاميركي، وعموم الاجواء والمناخات السياسية في العراق ليست على مايرام، فمن الخلافات والتقاطعات الحادة بين الكتل السياسية المختلفة تحت قبة البرلمان بشأن جملة من القضايا  الحساسة، التي من بينها اقرار قانون الانتخابات الجديد، الذي يفترض ان تجري على ضوئه الانتخابات البرلمانية المقبلة في شهر نيسان-ابريل القادم، الى جانب تصاعد وتيرة المواجهات الاعلامية بين الفرقاء، والتي بدت وكأنها انطلاقة مبكرة للحملات الانتخابية، علما بأن المالكي وكتلته البرلمانية –ائتلاف دولة القانون-من ابرز المستهدفين من قبل اطراف عديدة، وهو ما اشار اليه المالكي صراحة في كلمة له قبل بضعة ايام في احتفالية نظمتها هيئة النزاهة بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد، الى جانب ذلك فأن الاوضاع الامنية القلقة الى حد كبير في العاصمة بغداد ومدن ومناطق اخرى عديدة تعكس صورة قاتمة في الكثير من جوانبها وابعادها والوانها وملامحها.
   ومجمل الاوضاع السياسية والامنية العامة في العراق، ليست بعيدة عن الاوضاع والمؤثرات الاقليمية وربما الدولية، ولعل معظم محركات الاشكاليات السياسية والامنية تتمركز في عواصم عربية واقليمية  ودولية.
   واستقبلت واشنطن المالكي، وهي الاخرى تعيش ظروفا واوضاعا قلقة ومربكة الى حد كبير، ويبدو الرئيس الاميركي باراك اوباما يواجه تحديات كبرى لاتقل خطورة وحساسية وحراجة عن التحديات التي يواجهها المالكي، فخصومه الجمهوريين وضعوه في زاوية حرجة  وضيقة جدا، حينما بدوا مصرين على رفض مشروع رفع سقف الديون الذي يراهن عليه اوباما لتجنيب الاقتصاد الاميركي مخاطر ازمة حقيقية قد تكون اكبر من ازمة الاعوام القليلة الماضية، ولم تقف الامور عند هذا الحد، بل ان خبير الاتصالات، والموظف السابق في وكالة الامن القومي الاميركي الهارب من الولايات المتحدة جون سنودن فتح ملفات حساسة ومحرجة جدا للادارة الاميركية، من بينها التجسس على عدد غير قليل من زعماء العالم، من بينهم زعماء دول حليفة وصديقة.
  يضاف الى ذلك ان الازمة السورية، بتفاعلاتها التي خيبت امال واشنطن واظهرتها بمظهر العاجز امام قوى اخرى مثل روسيا والصين وايران، اضعفت الولايات المتحدة واربكت حساباتها على الصعيدين الداخلي والخارجي.
   واذا كان العراق، او المالكي تحديدا، يواجه مشاكل وتحديات، تحتم عليه البحث عن مساحات اوسع للتحرك، فأنه ليس بالضرورة ان تكون واشنطن ضمن تلك المساحات، وقد يكون ربط البعض تلك الزيارة بالانتخابات البرلمانية المقبلة بعد ستة شهور، والظروف الحرجة التي تحيط بالمالكي، امر بعيد عن الواقع نوعا ما، لاسيما من خلال استحضار توقيت اول زيارة قام بها للولايات المتحدة في تشرين الاول-اكتوبر من عام 2009، اي قبل الانتخابات البرلمانية السابقة ربيع عام 2010 بستة شهور ايضا.
   وللعلم فأن المالكي جوبه بحملة انتقادات حادة ولاذعة من قبل عدد من قيادات الحزب الجمهوري في الكونجرس، معتبرين ان سياساته الداخلية هي السبب الرئيسي وراء الاوضاع التي يعيشها العراق، وقد اكد نائب الرئيس جو بايدن ان تلك الانتقادات تأتي في اطار الصراع السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين. 
   بيد ان طبيعة الدور الاميركي في صياغة مجمل الواقع السياسي العراقي بعد الاطاحة بنظام صدام، يقتضي وجود تواصل، خصوصا ان انسحاب القوات الاميركية من العراق نهاية عام 2011، ارتبط بأبرام اتفاقية امنية، واتفاقية اطار استراتيجي رتبت التزامات على واشنطن لاتقتصر على الجوانب الامنية فحسب، وانما تمتد لجوانب اقتصادية وسياسية وعملية وفنية مختلفة، ولذلك فأنه من الطبيعي جدا ان تكون اتفاقية الاطار الاستراتيجي واحدا من ابرز الموضوعات التي بحثها المالكي في واشنطن مع كبار صناع القرار فيها.
   الى جانب ذلك فأن الازمة السورية، التي تمتلك بغداد رؤية واضحة وواقعية لحلها او حلحلتها، في مقابل فشل الرؤية الاميركية، من الطبيعي ان تكون هي الاخرى احد ابرز موضوعات البحث والنقاش بين بغداد وواشنطن.
   ولاتخرج الازمة السورية، عن مجمل الترتيبات في المنطقة، ان لم تكن تمثل اليوم المحور الاساس لها، فالعلاقات الايرانية-الاميركية في مساراتها المختلفة، يمكن ان تحددها سبل واليات التعاطي مع الازمة السورية، وكذلك مسار العلاقات الاميركية-السعودية، والايرانية-السعودية. وفي كل ذلك فأن العراق يعد من اكثر الاطراف المعنية بذلك، فالانفراجات، وفك العقد المستعصية، وتحقيق تفاهمات معينة، لابد ان ينتهي الى انفراجات سياسية وامنية في المشهد العراقي العام، ويكون اثرها اكبر بكثير مما يمكن ان يحصل عليه العراق من اسلحة من الولايات المتحدة الاميركية، لاسيما طائرات اف 16. 
  بقدر ما تحتاج بغداد الى واشنطن فأن الاخيرة تحتاج الاولى، فالعراق ان لم يكن طرفا اساسيا في اية ترتيبات للملف السوري، فأنه بلا شك لن يكون طرفا هامشيا، وكذلك فأن العراق، المعني الى حد كبير بتحقيق انفراجات في مسار العلاقات الايرانية-الاميركية، لن يكون بعيدا عن اي حراك من شأنه فك بعض العقد وتجاوز جزء من العقبات بين واشنطن وطهران.
   ولان واشنطن وجهت دعوات مماثلة لدعوة المالكي، لكل من رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي، ورئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني، فأن الحديث عن ان زيارة المالكي لواشنطن في هذا الوقت ستؤدي الى اتساع الهوة  بين الفرقاء وستزيد الطين بله، يبدو بعيدا عن الواقع، وفي نفس الوقت فأن التعويل عليها الى حد كبير في معالجة اشكاليات الواقع السياسي العراقي يمثل استغراقا في تفاؤل يفتقر الى الارضيات المناسبة، فواشنطن ليست بالطرف الذي يمتلك كل ادوات القوة والتأثير الايجابي في المشهد العراقي، هذا في حال توفرت النوايا الحسنة والارادات الصادقة، وهي تواجه مشاكل وتحديات داخلية، وهزات عنيفة في علاقاتها مع الكثير من حلفائها وشركائها في العالم والمنطقة.
 
 [email protected]

أحدث المقالات