عادةً ما ارتبط الذهاب الى الطبيب النفسي في المجتمعات العربية تحديداً بأفكار ومعتقدات غريبة ونظرة سلبية لمن يحاول الإقدام على هذه الخطوة و وصمة عار لمن خطاها. فيقع المريض ضحية صراع مابين الاضطرابات التي يواجهها و بين خوفه من نظرة الآخرين ونبذ المجتمع له.
يؤكد اطباء ومختصون أنَّ ابرز التحديات التي تواجه عمل الطبيب او المعالج النفسي تتمثل في إحجام المريض عن العلاج و اكمال جلساته , خوفاً من نظرة المجتمع و الاعتقاد السائد بأنَّ الطب النفسي يتعامل مع الجنون فقط . وقد أشار الدكتور وليد سرحان مستشار الطب النفسي , في مقاله(التردد في زيارة الطبيب النفسي..لماذا؟) الذي نشره في صحيفة الدستور الاردنية , الى مجموعة من العوائق التي تمنع الشخص من اللجوء الى الطبيب النفسي . حيث يظن اغلب الناس بأنَّ الطب النفسي ماهو الا فلسفة نظرية لا تقوم على اي اسس من البحث والتجربة والاطلاع وبالتالي لا يتم اعتباره كأحد فروع الطب الجادة . و أشار كذلك الى عدم الوعي والمعرفة بالامراض و التفرعات التي يحتويها الطب النفسي و الى عدم المعرفة بالسرية المطلقة التي يحملها هذا الفرع من الطب , اضافةً الى الخوف من تأثير زيارة الطبيب النفسي على اهليّة الفرد للعمل او الزواج. فيما تسعى الحملة العالمية في العاشر من اكتوبر/تشرين الاول من كل عام , باعتباره اليوم العالمي للصحة النفسية , الى بث اهدافها المتمثلة بخلق مجتمع سوي خالي من التعقيدات , والعمل على زيادة الوعي بالرعاية النفسية و دورها المهم في بناء المجتمع , والسعي لإنقاذ كل من يُعاني وقد توصله معاناته الى الانتحار . وبحسب ارقام وردت في اليوم العالمي للصحة النفسية للعام 2021 , ان 75% من المصابين بامراض نفسية لا يتلقون علاجهم في الدول منخفضة الدخل , و ان هنالك مليار مصاب بالاضطرابات النفسية حول العالم , كما تقع حالة انتحار كل 40 ثانية . و تحت شعار(الرعاية النفسية للجميع لنجعل هذا الشعار واقعاً) الذي اطلقته الحملة العالمية في اليوم العالمي للصحة النفسية , يُعد الذهاب الى الطبيب النفسي هنا بمثابة انقاذ روح بشرية من احتمالية الموت المحقق . وبحسب الدليل التشخيصي و الاحصائي للاضطرابات النفسية الخامس DSM-V وهو اهم الكتب الارشادية لمعايير التشخيص وفهم الامراض , يعتبر وجود احد العوامل الاربعة على الاقل لدى الشخص شرط اساسي لزيارة الطبيب النفسي . وهذه العوامل متمثلة بالتعطل العام او تدهور حياة الشخص و ادواره ووظائفه الاعتيادية , الشعور بضيق او معاناة لا يستطيع التعامل او التأقلم معها داخلياً , مشكلة في علاقة الشخص مع الاخرين او انحراف شديد عن عُرف المجتمع المحيط , وآخراً تشكيله خطراً على نفسه او على الاخرين.
ومن الجدير بالذكر ان الاهتمام بالصحة النفسية قد بدأ بعد الاحصاءات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية في عام 2002 , و التي اشارات الى أنَّ 154 مليون نسمة يعانون من الاكتئاب في جميع انحاء العالم . فالذهاب الى الطبيب النفسي عند الحاجة و إن كان ذلك غريباً و لا يألفه المجتمع فهو نضال للوصول الى نفسٍ بشرية سوية . ومع الاقدام على هذه الخطوة وتطبيقها امام المجتمع و اعتباره امراً عادياً سيؤدي ذلك لتقبله مع الزمن, والى تشجيع الاخرين على فعل هذا الامر , وتقليل الوصمة السلبية الجاثمة امامهم , و بالتالي سيسهم ذلك في التخفيف من معاناة البشر بشكل عام.