23 ديسمبر، 2024 6:51 ص

زيارة السيد نيجيرفان بارزاني ….

زيارة السيد نيجيرفان بارزاني ….

هل تسهم بحل العقد والمشكلات بين اقليم كوردستان والحكومة الاتحادية؟
تكتسب زيارة السيد نيجيرفان بارزاني رئيس وزراء حكومة اقليم كوردستان الى بغداد اهميتها التاريخية، ولاسيما في مثل هذه الظروف المعقدة والمتشابكة على اكثر من محور وصعيد، فضلا على جملة المشكلات والتحديات وهذه تتطلب رؤية موضوعية مشتركة ملزمة، لبناء مسار اتفاقي تنجم عنه حلحلة المشكلات والتصدي للتحديات، واقامة علائق جادة قادرة على السير بديناميكية الثقة والتواصل والتشاور، وصولا الى مرتكزات تفاهم تكفي المؤمنين شر الجدل والجدال بما لا ينفع، فضلا عن جملة اسباب سنذكرها، ولكن قبل العروج على طبيعة الزيارة والتوقيت والظروف والنتائج، لا بدّ اولا من توضيح امر في غاية الدقة ولا يقل اهمية عما تم ذكره، وهو ان ثمة اطرافا تريد تعكير الاجواء وتحاول منذ زمن غير قصير دس السم بالعسل ووضع العصا في العجلة والتحريض والتآمر على اقليم كوردستان، لتعويق العلاقة مع الحكومة الاتحادية، وهي اطراف بقدر ما تسعى لتحقيق مصالح اجندة خارجية والاسهام في ضياع الوطن بهذه الدرجة او تلك وسن الفساد بشكل فعّال داخل العراق الفدرالي، بقدّر ما تريد تحطيم وشائج التآخي المجتمعي وتنامي لغة الحوار والمفاهمات وتعزير العلائق الاخوية، الذي نحن بمنأى عنه بعد نكبات السياسات الحكومية السابقة. على اية حال، هي اطراف واضحة للقاصي والداني ولا تتمتع بأدنى مزايا المواطنة الصالحة، اذ تحاول عبر ابواقها المأجورة ان تدق اسفين التزييف بين اطراف العلاقة وتختلق وتستغل ظروفا شتى لتسيس كل شيء كما حصل في تسييس مجلس النواب مؤخرا، مع تأكيدنا اننا من اول المدافعين عن كفاءة السلطة التشريعية وضرورة ان تأخذ زمام المبادرة في الرقابة والمحاسبة والمراقبة،

وهذا من صميم عملها لكن بشرط حيوي جدا ومهم لتطور العملية السياسية، وهو ان تكون أية خطوات لاستجواب السلطة التنفيذية خالية من أي بعد سياسي، يراد به اخضاع الآخر او اقصاءه كما حدث مع وزير الدفاع في ظل لحظة تاريخية حساسة وحرجة تمر بها البلاد خاصة والمنطقة عامة. كما إن البرلمان لم يستجوب طوال السنوات الماضية الكثير من الوزراء الفاسدين، الذين تملصّوا من التهم وهربوا وتم المرور عليهم مرور الكرام، فأين البرلمان الاتحادي من كل ذلك وكثيرون هم الذين تناوبوا لأكثر من دورة، لماذا صمتوا دهورا أمام موجات الفساد الذي لو وجد رادعا لما تطاول ليشمل جسد الحكومة بهذا الشكل المهدد والمخيف؟.
إن زيارة الوفد الكوردستاني، تأتي في ظروف دولية وإقليمية عاصفة تشتد فيها المواجهات على أكثر من صعيد وجبهة وتتداخل فيها مصالح ومطامح كثير من القوى القريبة والبعيدة، وما جرى ويجري وينفذ من سيناريوهات وخطط برهنت بشكل أكيد لما سوف تتركه حاضرا ومستقبلا برهن الحاضر والمستقبل، ومن المهم الأخذ بالمبادرات الايجابية بهذا الشأن.

إن طبيعة المواجهة تحمل سمّات تاريخية حبلى بتوجهات المنطقة بقوى نفوذها ومصالحها، وهي كثيرة تحتاج الى فكر تأملي أعمق وهو ما يتطلب الاستفادة من دروس الماضي الحديث والمعاصر للتحرر من براثن الرواسب السابقة وتأثيراتها، التي لم تعد باي حال كما نعتقد قادرة على الاستجابة لمتطلبات الظروف والتحديات التي يمر بها العراق ودول المنطقة لاختلاف المرحلة التاريخية وأدوارها وأطوارها بمن فيهم اللاعبون والمخرجون فضلا عن حقائق الاوضاع الجديدة، وما ستولده هذه المعادلات بعد المخاض من قضايا وما سيترتب عليها من نتائج على الصعيد الدولي.

إن التفاهمات العقلانية ووضع الاسس الواقعية للحوار والتحاور والتواصل واستحضار منطق الحلول، تسهم بحلحلة العُقد التي تسعى الى بنائها بعض الاطراف، لان الاوضاع لم تعد تتحكم فيها الارادات بحسابات راهنية الموقع والسيطرة والاتفاقيات لأنها بدأت تنطلق من حسابات اخرى ربما يجهلها ذاك البعض.

واذا كانت المنطقة تضم ملفات صراع كانت حاضرة على ساحة الصراعات الحالية وبعضها مؤجل بحكم الظروف، لهذا لابد من رسم خارطة طريق جديدة ترسم افاقاً جديدة للمنطقة وشعوبها وإبعاد شبح الصراعات العبثية، التي تعيد المنطقة الى حضانة التخلف والفقر والضياع والتخلف التي ترتفع معدلاتها فيها بما لا يقارن مع الاخرين في عصرنا الحاضر وكله زمن مهدور على حساب مستقبل المنطقة وازدهارها.

واذا كان الامن والسلام الاقليمي يهم الجميع وحفظ التوازن يتم عن طريق حفظ مصالح التوازن، بما يزيل احتكاك القوة لاية جهة ومن شأن ذلك تقوية الروابط الايجابية ودعم قدرات التعاون بما يخدم الجميع.

ولهذا يأتي توقيت هذه الزيارة في ظرف تخوض البلاد فيه صراعا مريرا لدحر الارهاب الداعشي، وهو ما يتطلب اعلى درجات التنسيق والمبادرة بين اقليم كوردستان والحكومة الاتحادية، لان التحديات كثيرة ورهان النجاح والانتصار مرتهن بمقادير هذه الجهود وجديتها وابعادها التي تضمن ترسيخ استقرار المرحلة الآنية وبعدها الاخر المستقبلي في البناء والمشاركة والتنمية وبعد الانتصارات المهمة التي تحققت على ايدي ابطال القوات المسلحة والبيشمركة والحشد، التي وضعت الارهاب في زاوية يواجه فيها اخر انفاسه القذرة في كل محاور المواجهة في طول البلاد وعرضها، فقد تحرّرت مدن عديدة وحوصرت اخرى وتتجه الجهود العسكرية

واللوجستية صوب الموصل لتحريرها من دنس الارهاب الغاصب وهي مهمة كبيرة تتطلب جهوداً حثيثة ومشاركة فعالة من لدن اقليم كوردستان والحكومة الاتحادية، كما أكدنا مرارا وتكرارا، ومن الطبيعي ان يفرض مثل هذا الوضع تفاهمات عديدة بخصوص قضايا كثيرة تهم الطرفين من اجل وضع النقاط على الحروف لقراءة وطنية غير قابلة للتأويل والتأجيل للعديد من القضايا والحقوق، تضمّنها الدستور واخرتها طبائع السلطة في دورانها الجديد إثر انطلاقة التجربة الجديدة بعد نيسان 2003 . ان طبيعة المتغيرات سواء على المستوى التاريخي للاحداث ام التوجهات السياسية الجديدة وميادينها، تفرض بالضرورة صياغة مواقف واتفاقيات جديدة من اجل خلق مناخ ملائم لشتى المفاهمات وهذا المناخ الايجابي يجب أن يكون بعيدا عن اشكال الاستهلاك الاعلامي والعملي . وان تحرير الموصل سيعطي زخما كبيرا لانطلاقة البلاد ولابد لحجم كهذا من تأطير عقلاني يجد الجميع انفسهم فيه. وتشير الحقائق اللوجستية والموقعية الى ان اسهام قوات البيشمركة سيسهل كثيرا دحر الارهاب وتحرير الموصل لما لقوات البيشمركة البطلة من دور في الاحكام والسيطرة.

إن الاتفاق على جملة مهمات يكون اساساً لبناء علاقات مستقبلية مهما كان نوعها ودرجتها يضمن استمرار استقرارها وتعايشها ولاسيما وضع المنطقة بعد تحريرها من الارهاب الداعشي، ولابد من وضع سياسات جديدة تتناسب والخراب الذي حدث. ان ابناء محافظة الموصل ليسوا كلهم ارهابيون او متعاونون مع الارهاب ولذلك ينبغي ان تكون الحسابات دقيقة. ان كل المكونات الاجتماعية دينية او عرقية تشعر بفقدان الثقة فيما بينها ولم يعد بإمكان المسيحي الذي استبيح ماله من جاره ان يفكر بمد يد الصفح، علاوة على الايزيدي الذي سلب ماله وعرضه من جيرانه فكيف سيكون له النظر مجددا الى ذلك الجار؟!. ومن الضروري أن تتضمن هذه المفاهمات تبيان الحقوق الكوردية فهناك مواد دستورية متعلقة بصلب هذه الحقوق التي جرى تسويفها

من دون وجه حق خاصة المادة 140، فضلا عن قطع الرواتب والاجور وحقوق البيشمركة وغيرها، ورهنها بخيوط سياسية واهنة بالانقلاب على الحلف والحلفاء وهي بلا شك تراجعات كبيرة في ميدان بناء التجربة الجديدة ونخر في اركانها، فالتضحيات الكبيرة التي قدمها ابناء كوردستان لم تكن لإعادة تأهيل ماض مؤسف وبناء سياسي متآكل، وتؤدي بلا شك الى تراجعات وانتكاسات خطيرة وترشح وسائل عمل سياسية متهرئة لا تليق بكرامة أي بلد يسعى للتقدم وتشييد نظام ديمقراطي مثلما، لا تصب في مصلحة مجمل العملية السياسية. ان الاوضاع التي يعيشها العراق والفشل المتحقق على كل الاصعدة طوال الاعوام الثلاثة عشر والانتقال من السيئ الى الأسوأ وبالشكل الذي اضحت فيه البلاد في اذيال قوائم التأخر والتخلف تبدو غير طبيعية، فضلا عن فشل بناء المجتمع والدولة وما يثيره كل ذلك من ازمات بنيوية عاصفة.

من المؤمل، ان تسفر زيارة الوفد الكوردستاني عن جملة اتفاقيات يأتي الاتفاق النفطي في الصدارة منها، بعد سلسلة اتفاقيات سابقة مجهضة تملصّت منها الحكومة الاتحادية، مثل أتفاق نيسان عام 2007 الذي نص على ضرورة استصدار قانون النفط والغاز، وبخلافه فالحكومتين الاتحادية والاقليمية حقهما في التصرف بما فيه حق التصدير . ومن غير المعقول إن بلدا ريعيّا كالعراق يعتمد جل اقتصاده على النفط أن يظل بلا قانون ينظم هذه الثروة . وكذلك الاتفاق مع الحكومة الحالية عبر وزير النفط السابق على تصدير كمية من النفط تبلغ خمسة مئة ألف برميل يوميا من حقول كركوك والاقليم، وقد برّ الاقليم بوعده عبر تأكيد لجنة الطاقة النيابية ذلك لأكثر من مرةّ وفي اوقات مختلفة، وعلى أية حال فأن الاتفاق أفضل من الاختلاف ويؤكد التقارب بما يحقق مصلحة البلاد .

الزيارة نفسها، بادرة لوضع الحلول قبل استدامة الخراب الذي يسعى الى تأجيجه عيال السياسة عندنا من أجل حفنة أموال. إن الأصوات النشاز التي ترتفع بين الحين والآخر لتخريب العلائق بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية، ينبغي لها ان تقطع بحذوة حصان، فضلا عن موجات الاستعداء والاستكراه ضد الكورد، التي تنبعث من ابواق السموم وجوقتها على الطريقة القديمة التي يراد من ورائها جرّ البلاد الى ظروف التوتر والاضطراب، لإتاحة الفرص لنهب البلاد والعباد واعادة مسلسلات الضحك على ذقون الاخرين بالشعارات والهتافات، فها قد مضى اكثر من عقد فاين تلك الشعارات من الناس وحياتهم وراحتهم ووسائلهم . ان هذا السلوك السياسي كلف البلاد أكلافا باهظة ذهب ضحيته الملايين من الابرياء، الذين حلموا بوطن سعيد ونسوا دروس (ايها الناس اسمعوا وعوا وان سمعتم فانتفعوا).

لذا فان زيارة السيد نيجيرفان بارزاني ستكون بداية الفصل التام لمرحلة ما بعد داعش الارهابي، لخطورة المستقبل لما تمر به المنطقة من مخاضات تنبئ بمتغيرات لن يوقفها طرف من الاطراف مهما حاول ان يفعل. ان اللعب بالنار يفقد الانسان قدرته احيانا على حاسة اللمس.