إستُقبل الزعيم كما يُستقبل رؤساء الدول حين نزل من طائرته الخاصة في مطار بغداد الدولي، فُرشت له السجادة الحمراء وكان في إستقباله كبار الشخصيات من الوزراء والقادة ورجال السلطة.
بعد قطيعة أكثر من ستة سنوات كان الشعب يسمع ويشاهد خلافات بغداد وأربيل التي وصلت إلى إتهام الإقليم بجرائم تصل عقوبتها إلى الخيانة العظمى، لكن هاهي طائرة الزعيم أو الرئيس مسعود بارزاني تحط في مطار بغداد.
صحيح إننا تعوّدنا من حكومات بغداد المتعاقبة تغيير مواقفها حسب ما تقتضيه المصلحة والمنفعة لكن أن يكون التغيير إلى درجة إتهام الإقليم الكردي بالخيانة والعمالة وصلت إلى قصفه بالمُسيّرات والصواريخ من قِبل بعض الفصائل المسلحة حين إتُّهم الشمال العراقي بإيوائه أوكاراً للتجسس والتخابر الإسرائيلي لتأتي بعدها صفحة إستقبال الزعيم بارزاني في بغداد مثل إستقبال الرؤساء، فهو واقع لحال يعكس الإنهيار الأخلاقي قبل أن يكون السياسي لنخب لا تفرّق بين السياسة وألعاب خُدع البصر.
إستقبله الجميع في المنطقة الخضراء بقصورهم الوارفة حيث لم تخلُ لقاءات الرئيس من مصافحة بعض قادة الفصائل المسلحة الذين كانوا إلى وقت قريب يتّهمون الإقليم بتهريبه النفط إلى إسرائيل.
إنشغل الرأي العام قبل مدة بقرارات المحكمة الإتحادية التي أفضت إلى إتساع الشرخ بين بغداد والإقليم وصلت إلى حد إتهام الهيئة القضائية في المركز بعدم دستوريتها.
لا أدري بماذا كان يفكر هؤلاء القوم وهم يصافحون بارزاني، وأي تبرير سيُقنعون به جمهورهم بعد قطيعة وصلت إلى حد التهديد بإستخدام السلاح ضد الإقليم في زمن حكومات سابقة.
نعترف إن الساسة الكرد يُجيدون لعبة السياسة ويتّقنون تحريك البيادق وفق ما تقتضيه مصالحهم، فهم بيضة القبّان في التحالفات السياسية التي تؤسس لحكومات جديدة في بغداد، والأهم هي تلك اللوبيات التي يديرونها في أمريكا والغرب لإستخدامها وقت الحاجة إلى قرار دولي يعزز نفوذ الإقليم للتخلص من سيطرة بغداد على القرار الكردي.
لا يُستبعد بل الأرجح وصول رسائل سياسية “تحذيرية” من خلال ذلك اللوبي إلى القيادة الكردية إن العراق مقبل على زلزال سياسي فيما إذا تم إقحامه في الحرب التي توشك أن تندلع بين حزب الله وإسرائيل وإحتمالية دخول الفصائل المسلحة العراقية طرفاً في النزاع إلى جانب حزب الله، وقد يطال الغضب الأمريكي للإقتصاد العراقي من خلال قطع الدولار عن مصارفه وتعريض العراق إلى حصار إقتصادي مشابه لما حدث في التسعينيات.
لازال المواطن العربي وحتى الكردي يسأل إذا كان في نهاية المطاف سيجلس الجميع على مائدة الحوار فلماذا كان كل ذلك الصراع والتراشق؟ وهل تنتهي الأزمة بين بغداد والإقليم الكردي بعد زيارة الزعيم مسعود بارزاني إلى بغداد؟ سنكون متفائلين إن إعتقدنا بسيناريو تصفير الأزمات، فقد تعوّدنا في العراق إن الحلول آنية وفق المصالح والأهواء ومن يدري ربما يتفاجئ جمهور السلطة بقرار في المستقبل حسب مزاج الحاكم يقلب كل الموازين والإتفاقات.
يومان في بغداد قضاها الزعيم وهو يتنقل كرئيس دولة يزور بغداد من قصر إلى آخر تستقبله حفاوة وبذخ أعداء الأمس أصدقاء اليوم في لعبة يعتقدون إنها سياسة، لكنها في واقع الحال فصل من فصول مسرحية كوميدية لإشغال الرأي العام بأوقات مستقطعة من الصلح والتفاهم بعد أن أشغلوهم بأوقات الحرب والقطيعة وهكذا هو حال العراق والعراقيين، كل يوم هم في شأن.