بينما تتردد شائعات حول تهديد عبد المهدي بالإستقالة أمام عقبات إستكمال كابينته الوزارية بين شد الفرقاء وجذبهم في سبيل الإستحواذ على هذه الحقيبة أو تلك أو منعها عن هذه الجهة أو تلك، والتي، ان صحت ووقعت لغرقت البلاد في فوضى سياسية غير مسبوقة. وبينما يشتد صراعهم على الهيئات المستقلة التي يأتي البنك المركزي على رأسها واختلافهم على إعادة تصدير نفط كركوك عن طريق كوردستان وحيرتهم وتناحرهم حول نفوق الأسماك وتنابزهم حول استحقاقات البصريين ومطاردة نشطائها واغتيال بعضهم، بالأخص، أولئك المتهمون بحرق قنصلية السيد، وتدافعهم على ماكول مخصصات سكن البرلمانيين ومذمومها وتداعيات حصار إيران ومماحكات تنشير بن سلمان لأحد مواطنيه، بين كل هذا وذاك نرى السيد رئيس الجمهورية ينط من عاصمة الى أخرى وكأنه ينتمي الى عالم آخر، غير آبه بكل تلك الدوامة التي أصبحت “ماصخة” بسبب تكرارها واستمراريتها.
نلاحظ كثيرا ان رؤساء الدول أو مسؤوليها الموجودين على رأس هرم السلطة يؤجلون زيارتهم، وربما قطعوها اذا احتدت أزمة أو حدثت أزمة، وعادوا الى ديارهم ليساهموا في حلها أو التخفيف من اثارها، أو على الأقل لكي يجبوا الغيبة عن أنفسهم ويدفعوا عنها تهمة اللامبالاة وعدم الإحساس بالمسؤولية.
أزمة تشكيل الحكومة وصلت الى ذروة التوتر . عادة، في الدورات السابقات، كان هناك تعطيل تسمية وزير أو وزيرين على ابعد تقدير وكنا نتهم الحكومة المشكلة بالناقصة وتدور حولها شبهة دستورية وكان الخبراء القانونين التلفزيونيين يتبارون في تفسير الفقرة الرابعة من المادة ٧٦ من الدستور التي تقول: يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف، أسماء أعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب ويعد حائزاً ثقتها، عند الموافقة على الوزراء منفردين، والمنهاج الوزاري، بالأغلبية المطلقة، وفيما اذا كانت تعني كامل أعضاء الوزارة أو بعضهم. طبعا السادة الخبراء تماشياً بالإكراه أو الإختيار أو الإنتهازية، كانو يرتكزون على عدم ورود كلمة كاملة في المادة المعنية ويجيزون تمرير الحكومة بلا وزير أو وزيرين. الآن هناك نقص ثمانية وزراء ورئيس مجلس الوزراء يلوح بالإستقالة والرئيس كأن الأمر لا يعنيه ومستمر في جولته المكوكية.
يوم الأحد ١١ ت٢، وصل الى الكويت. الإثنين ١٢ ت٢ غادر الى ابو ظبي.الخميس ١٥ ت٢ وصل الى الأردن. السبت ١٧ ت٢ زار طهران. الأحد ١٨ ت٢ وصل الى الرياض. طار الرئيس يوماً بعد يوم وكأن الرئيس خاضع لجدول واجب بيتي عليه الإلتزام به. الناطق بإسم الرئيس قال ان زيارات الرئيس محددة بيوم واحد، بمعنى ان الزيارة ستقتصر على المجاملات البروتوكولية والولائم الأخوية فقط وهي مظاهر لا تخدم البلد في شيء. الوفد الرئاسي كما هو واضح يقتصر على الرئيس وحاشيته الوظيفية دون وزراء أو مدراء شركات أو رجال أعمال لبحث الخطط الإستثمارية أو التبادلات التجارية أو التنسيقات الأمنية وما الى ذلك من الشؤون التنموية والتكاملية بين العراق وبلدان الجوار هذه وكأن الدنيا ربيع والجو بديع فقفل الرئيس على كل المواضيع.
في الكويت فقط وردت إشارة الى مرافقة وزير الخارجية ووزير الصناعة للرئيس دون غيرها من الزيارات، غير انه لم يرد أي ذكر لاجتماعات مهنية أو لقاءات بين رجال أعمال أو مدراء شركات من الوفد العراقي وأي من نظرائهم في تلكم الدول. وكادت لغة الحديث الإعلامي عن الزيارات ان تكون واحدة تتمثل في قولهم الشائع وركزت المحادثات على سبل تعزيز التعاون إضافة إلى تطورات الأحداث في المنطقة واستعراض العلاقات الوثيقة والسبل الكفيلة بتعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات، وكل ذلك إنشاء لا قيمة له دون مباحثات حقيقية بين النظراء المختصين والمؤسسات التنفيذية المتبادلة. في الحقيقة كان يمكن لبيان تبثه اجهزة الإعلام ان توصل نفس الرسالة لولا ان تكون لدى الرئيس دوافع أخرى يعلمها هو