أعلنت وزارة النفط إن مجموع الإيرادات المتحققة من تصدير النفط لشهر كانون الثاني الماضي بلغت (8.27) مليار دولار ، بحسب الإحصائية الأولية الصادرة عن شركة تسويق النفط العراقية سومو، وقالت الوزارة في بيان أعلنته امس ( الثلاثاء ) إن كمية الصادرات من النفط الخام بلغت (99) مليونا (286) ألفا و(78) برميلاً بمعدل تصدير بلغ (3,203) مليون برميل يوميا وبمتوسط سعري بلغ (83.246) دولار للبرميل .
وهذه الأرقام غالبا ما تثير تساؤل العديد من المواطنين عن مصير تلك الإيرادات والحكومة تعلن بين الحين والأخر عن معاناتها من نقص الأموال ، كما يتم التساؤل هل من الممكن أن تكون إيرادات شهر واحد من بيع النفط ( فقط ) بما يعادل موازنات دول أخرى لمدة عام وهي نشهد تطور واضح ، بلدنا يعاني من ارتفاع نسبة الفقر والبطالة ونقص الخدمات ، وهي تساؤلات يجدها الكثير بأنها مشروعة من خلال المعايشة الفعلية لحياة المواطن والتي تبرز العديد من القصور والتقصير في الكهرباء والماء والمجاري والسكن والصحة والبطالة والحصول على ابسط المستلزمات من متطلبات التدفئة والتبريد او غيرها من المفردات التي تشكل قوائم لا حدود لها والتي بدأت منذ عقود ولم تنتهي معاناتها بعد ، بل إنها تزداد يوما بعد اليوم لما يشهده البلد من ارتفاع لنسب التضخم الشهري والسنوي حسب البيانات التي تعلنها الجهات الرسمية في وزارة التخطيط .
ومما يثير الغرابة في موضوع زيادة الإيرادات ، فان اغلب المواطنين لا يعبرون عن فرحهم وتفاؤلهم وسعادتهم بزيادة الإيرادات ، إذ إنهم يبدون القلق والخوف من زيادة حالات الفساد الذي ينتشر بالبلاد بدون معالجات بالشكل المطلوب ، ويعزي البعض أسباب التشاؤم من زيادة الإيرادات بأنها ستنعكس سلبا على حياتهم اليومية ، لان هذه الزيادة لا تأتي من خلال زيادة الناتج المحلي للفقرات غير النفطية وإنما نتيجة ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية ، وهذا الارتفاع له تداعيات على الأسعار المحلية لان أكثر من 90% من احتياجات الشعب يتم توفيرها من خلال الاستيراد الذي يمول من مبيعات البنك المركزي للدولار ، والارتفاع في الأسعار العالمية للسلع والخدمات يؤدي إلى زيادة الأسعار السائدة في الأسواق المحلية بما لا يناسب معدلات الدخل للمواطن العراقي التي لا ترتفع بارتفاع أسعار النفط وما يلحق به من أضرار ، فالرواتب التي تمول أكثر من 5 مليون موظف حكومي لا تزداد بارتفاع الإيرادات كما إن مخصصات الرعاية الاجتماعية التي تمول مليوني عراقي لا تكفي إلا لجزء بسيط جدا من متطلبات الحياة وهي لا تزداد إلا بشكل بسيط جدا ودون الحد الأدنى من الكفاف ، كما إن الإنتاج المحلي من الزراعة والصناعة والسياحة وغيرها تتضرر من ارتفاع أسعار النفط عالميا ، لان تكاليف الإنتاج المكونة من مواد وأجهزة ومكائن ومستلزمات مستوردة او محلية ترتفع بما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف وعدم استطاعة المنتج المحلي من مواكبة المستورد من الخارج الذي يغزو الأسواق المحلية بأسعار تقل كثيرا عن تكاليف الإنتاج المحلية ، ولعل الفئة الأكثر استفادة من زيادة الإيرادات النفطية هم من التجار وممن يستحوذون على مبيعات البنك المركزي من الدولار التي تزداد بزيادة إيرادات النفط تحت مسوغ تغطية الاحتياجات بالاستيراد .
ان حالة الارتفاع في إيرادات النفط خلال كانون الثاني الماضي التي اشرنا لتفاصيلها في أعلاه ليست حالة نادرة ، وإنما هي حالة موجودة منذ سنوات وقد أخذت معدلاتها بالانخفاض خلال السبع سنوات الماضية ولكنها أخذت تنتعش وتتعافى قبل شهور بعد الاستقرار النسبي في الأسواق وزوال جزءا من الانكماش الذي عانته الدول في العالم بعد انتشار جائحة كورونا ، ولكن الحالة المستمرة في العراق هي عدم الاستفادة من تلك الإيرادات في إصلاح او ترقيع الاقتصاد المحلي بشكل يضمن حياة كريمة لأغلب المواطنين ويفتح آفاقا لضمان مستقبل الأجيال ، فاغلب ما يجري هو بعكس الأمنيات والمخاطر التي يمر بها البلد في اعتماد الاقتصاد ألريعي القابل للتأثر سلبا بأي من المتغيرات العالمية في الأسواق ، حيث تنعدم وسائل الوقاية والأمان من تعريض شعب بعدد 40 مليون للكثير من الاحتمالات رغم إن بلدنا يعد من البلدان الغنية ( نظريا ) كوننا نمتلك خامس احتياطي نفطي عالمي على الأقل ، والنفط لايزال تجارة رائجة ومربحة لغاية اليوم ولعدد قادم ومحدود من السنين ، وهذه الاحتمالات والأخطار قابلة للتعاظم والزيادة عاما بعد عام إذا لم تتخذ إجراءات فعلية لمعالجات وإصلاحات في الاقتصاد ، والتي لم تتحول للواقع الفعلي كونها شعارات نرفع في الانتخابات وتحترق بعد تشكيل الحكومات ، والشعب على معرفة كاملة بهذه الأمور لذا يزداد قلقا على معيشته وعلى مستقبل الأجيال من زيادة أسعار النفط والإيرادات في ظل غياب الإرادة والإدارة التي تحول ذلك إلى مصدر للسعادة والأمل والشعور بالأمن والاستقرار ، بما يجعل حاجات العراقيين تتحقق في المستوى الأول من سلم ( ماسلو Maslow ) من الحاجات في نظريته التي اكتشفها عام 1943 ولم تتحقق للكثير من العراقيين لغاية اليوم .