أشارت مصادرة مطلعة نقلا عن وزارة النفط , بان نقص انتاج المشتقات النفطية بسبب توقف مصفى بيجي عن العمل للظروف الامنية التي يعيشها , ستدفع باتجاه رفع اسعار المنتجات النفطية ولكن الحكومة ليست لها النية في رفع كامل الدعم عن اسعار تلك المشتقات , باعتبار ان البنزين والكاز والنفط الابيض والغاز المنزلي يباع بأسعار مدعومة , وفي الوقت نفسه اعلنت شخصيات برلمانية في اللجان المختصة في مجلس النواب انها ستعارض اي مقترح يقدم من الحكومة لرفع اسعار المنتجات النفطية , نظرا للوضع المعاشي الصعب الذي تعيشه اغلب العوائل العراقية , وتلمح تصريحات وزارة النفط الى وجود نيات لرفع اسعار المنتجات النفطية , كما انها قد تشير الى ان الوقود المجاني الذي يجهز خلال اشهر الصيف لتشغيل المولدات الكهربائية في المناطق السكنية ربما سيتوقف هذا العام , ومعروف ان العراق يستورد المنتجات النفطية بعد عجزه عن تغطية كامل احتياجاته من المشتقات النفطية رغم انها صناعة غير معقدة التقنيات .
ونظرا لأهمية وحساسية هذا الموضوع , نود التذكير ان القرارات التي صدرت لرفع اسعار المنتجات النفطية في السنوات السابقة ( بعد 2003 ) تحت ضغط صندوق النقد الدولي وغيرها من الحجج التي جرى تبريرها وتمريرها في غفلة من الزمن , كانت من اسوأ وأعقد القرارات كونها جعلت العراق من الدول مرتفعة الاسعار في حين ان العراق كان من الدول التي تتمتع بمستوى مناسب من اسعار السلع والخدمات في المنطقة والعالم , ومن ايد ارتفاع اسعار المنتجات النفطية في حينها قد خدع العراقيين وكذب عليهم ولم تتم محاسبتهم قط , لأنهم وعدوا ان تذهب فروقات رفع الاسعار الى صندوق لدعم الفقر والفقراء , كما انهم وعدوا بان يتم النظر في الاسعار لخفضها عند زيادة الطاقات الانتاجية المحلية , وان تتخذ اجراءات عاجلة لرفع الطاقات المحلية من انتاج المحروقات لإعادة النظر في اسعارها , وبذلك ارتفعت اسعار الطماطة والبطاطا والطحين والرز والخبز وأجور النقل وجميع الاسعار بدون استثناء , بما في ذلك اسعار العقارات والسلع المعمرة وأجور العمل وأخذت معدلات التضخم ترتفع يوما بعد يوم , ولم يزيد الانتاج المحلي من المشتقات النفطية .
ان بلدنا ( العراق ) الذي يسمونه من البلدان الغنية لأنه يحتفظ بثاني او ثالث اكبر احتياطي مؤكد للنفط عالميا , ووصلت ايراداته النفطية لأكثر من 100 مليار دولار سنويا , يعيش شعبه في ظل ارتفاع كبير في اسعار المنتجات النفطية وهو واحدا من اكبر ظلم يصيب العراقيين جميعا , فهم لم يهنئوا من ايرادات النفط كما انهم لم يحظوا بميزة تفضيلية في مجال اسعار المحروقات , فسعر لتر البنزين في العراق حاليا هو 450 دينار للنوع العادي او الرديء و 900 دينار للممتاز عالي الاوكتان , في حين ان سعر لتر البنزين يعادل 35 دينار عراقي في فنزويلا التي تعيش في نظام دكتاتوري ويبلغ السعر 175 دينار في السعودية و 195 في ليبيا التي تعيش اسوأ حالة فوضى و222 دينار في تركمانستان التي تمنح 120 لترا مجانيا لكل مواطن شهريا , والسعر يعادل 234 دينار عراقي في البحرين و 257 في الكويت و280 في قطر , والسعر في امريكا 608 دينار وان اعلى سعر بنزين في العالم هو في النرويج فسعر اللتر 2,67 دولار علما بان متوسط اجر العامل في النرويج هو 272 دولار امريكي في اليوم .
ويعد العراق من الدول الاكثر اسعار للمنتجات النفطية من بين الدول المنتجة للنفط , رغم ان معدلات دخل المواطن العراقي هي اقل بكثير عن مثلها في بقية الدول المنتجة للنفط , والسبب هو ان من يضع سياسات وأسعار المنتجات لم يدفع يوما اجورا عن استخدام تلك المنتجات وربما لم يعرف اسعارها في الاسواق وتأثيرها على معيشة المواطن الذي يدفع ( قسرا ) اجور المولدات وخدمات الموبايل والانترنيت ويشتري الصمون 8 بألف دينار , لأنهم من متخذي القرارات الذين يسكنون المنطقة الخضراء ويستخدمون السيارات الحكومية , كما ان رواتبهم ليست عالية فحسب وإنما فلكية رغم انهم لا يحتاجون للرواتب بالأساس , لان اغلب المناصب الحكومية توفر سبل المعيشة لمن يشغلها مع افراد عائلته اذا كانت وافدة الى داخل العراق , وقد لا يعلم من يدعوا لرفع اسعار المنتجات النفطية بحجة تغطية العجز في ايرادات الموازنة , بان العديد من العوائل العراقية قد عجزت عن استلام حصتها النفطية البالغة 50 لتر شهريا خلال الشتاء , لا بسبب عدم الحاجة لها وإنما لعدم توفر الامكانية المالية للذهاب الى محطة التعبئة ودفع قيمة حصته من النفط وأجور ألنقل , ومثلهم تدفئوا داخل فراشهم طيلة الشتاء .
ولكي لا نطيل الحديث في هذا الموضوع , فان من وجهة نظر اغلب العراقيين ان اية إضافة في اسعار المنتجات النفطية تعد خيانة للمسؤولية التي يضطلع بها من يروج لهذه الافكار , لان اية زيادة ستفجر اسعار السلع والخدمات بدون استثناء , وبشكل يؤدي الى زيادة تجويع الفقراء وزيادة نسبة الفقر التي وصلت الى 30% التي اعلنها وزير التخطيط والتعاون الانمائي , وعلى من يفكر ولو للحظة بزيادة الاسعار عليه ان يستحضر حالة المتقاعد الذي يعيش براتب 400 الف دينار ورواتب الحماية الاجتماعية التي لا تصل الى 100 الف دينار والى العاطلين بدون اي دخل , كما عليه ان يستذكر دماء الشهداء وتضحيات شعبنا التي جاءوا لتعويضها , ووجود اكثر من 4 ملايين نازح داخل العراق يسكنون تحت الجسور وفي الهياكل او في الخيم في احسن الاحوال , ولا نعلم اي ضمير يستخدمه من يريد تعويض عجز الموازنة بزيادة اسعار المنتجات النفطية , وبلدنا فيه ثروات هائلة تم اهمالها وإهدارها بتقصير وقصور لحرمان شعبنا من نعمها لخدمة الدول الاخرى من خلال إغراق الاسواق بالاستيراد , ولعنة الله على كل من يريد تجويع شعبنا بأي مسوغ وتحت أي عنوان .