23 ديسمبر، 2024 3:32 م

زهور بغداد.. تتحدى الارهاب

زهور بغداد.. تتحدى الارهاب

كانت ومازالت زهور بغداد تتحدى الارهاب ، فما من عاصمة في العالم واجهت طغيان الارهاب كما واجهت مدينة بغداد .. هذه المدينة التي مضى على انشائها 1300 عام شهدت على مدى تاريخها الطويل انواعا مختلفة من الارهاب .. تمثل بارهاب الغزاة ، المحتلين وارهاب السلطة .. وارهاب الخارجين عن القانون وقطاع الطرق .. وكان لهذا المشهد المتواصل على مدى تاريخها اثر كبير على كنيتها وكيانها وبنيتها كمدينة وعاصمة تكاد تكون من اروع المدن والعواصم ، التي بقيت مؤثرة الى يومنا هذا .. وبغداد التي يموت فيها الناس كل يوم بفعل العمليات الارهابية ، لاتغلق متاجرها واسواقها ، ولاتعطل مدارسها ومعاهدها وكلياتها ، ويستمر العمل في مؤسساتها وتزدحم شوارعها .. ويبتسم اطفالها وهم يلعبون الكرة ، رغم ان القاتل يتربصهم ويقف لهم بالمرصاد لسرقة الحياة من نفوسهم البريئة ، واجسادهم الغضة الطرية .. وبغداد التي تزدان بكل شيء لم يستطع الارهاب وقف بيع ادوات الزينة في متاجرها ، رغم انه استهدف اهم اسواقها ، ولم تتوقف حركة مطاعمها في استقبال الباحثين عن الافطار الشهي من الاكلات الشعبية وما تنتجه المطابخ العالمية ، ولا تبخل متنزهاتها باستقبال الاطفال ليلا وبعد غياب شمسها المحرقة ، ولم يتوقف انسياب شعرها ، وأدبها وثقافتها وامسياتها ، ومعارضها ومهرجاناتها وموتمراتها وندواتها ، وسفر أبنائها وحركة السياحة فيها وزيارة الاولياء الذين احتضنهم ثراها..

ولم تبالي بغداد من اقامة صلواتها رغم استهداف مساجدها وحسينياتها ومزاراتها … فاية مدينة في العالم تتعرض الى كل هذا الارهاب في مجالات الحياة كافة دون ان تنثني او تتعطل الحياة فيها ..؟؟ اي مدينة اخرى سوى بغداد مسها الضر من الارهاب ومن ابنائها وابناء عمومتها .. وهي ما زالت عزيزة منيعة ورمزا لكل محبيها ومحبي هذا البلد الذي ابتلي بعراقته وبتروله وتكالب الناس عليه … بغداد اليوم تشهد تحديا اخر ، حيث تشير المعلومات الى ان الارهاب خلف عام 2013 (7818) شهيدا و (17981) جريحا .. لكن ذلك لم يثنيها عن خوض تحديا اخر لعله الاكثر جمالا بين جميع اشكال التحدي التي دابت بغداد ان تمارسها عندما

تتعرض الى غاز او معتد او عصابة او فتنة .. فقد اقامت مهرجانا للزهور للاحتفال بربيعها في نيسان الماضي ، شاركت فيه 30 مؤسسة معنية بالزهور من مختلف انحاء العالم … انها تتحدى العالم بالزهور وبشذاها والوانها وعبقها وانواعها وجمالها ، لتقول لكل اللذين ساهموا في آلامها وجراحاتها وتدمير معالمها ، اني اتحداكم بالزهور فكيف تقاومون ؟؟ زهور بغداد فاح شذاها ، وادرك العالم ان هذه المدينة باقية ابدا ، لا يهدا لها بال حتى تعود احدى اجمل المدن ، وواحدة من كبريات العواصم ذات الاهميه السياسية والاقتصادية .. ان زهور بغداد في مهرجانها السادس الذي اقيم في اوائل نيسان الماضي ايذانا بقدوم الربيع كان له مداليل عدة ، لعل اهمها ان بغداد تتحدى البشاعة بالجمال .. وانها تقابل المفخخات بباقات الزهور ، وانها تستبدل رائحة البارود بعطر الرازقي والياسمين والشبوي وزهرة الكاردينيا .. وان وجهها المبتسم ابدا يستطيع ان يغير ما في الاذهان ، بان بغداد يمكن ان تزول في يوم ما ، او يخفت فوحان عطرها ، او يسرق احد ازهارها ، او يعمد اخر الى سرقة سر وجودها وكينونتها . فهي تستقبل اليوم زهورا من نوع اخر حيث تحتضن مجموعة من شبابها ممن غادروها لظروف ما ، وعادو اليوم ليعلنوا عن عزمهم التطوع دفاعا عنها .. انهم نخبة من الجالية العراقية في السويد ، تركوا رغد العيش ومغريات الحياة هناك ، واتوا الى هنا ليرخصوا الدماء من اجل العراق .. لعل الذين زاروا معرض بغداد السادس للزهور وقفوا على اهمية ان تقيم امانه بغداد مثل هذا الكرنفال الذي يليق ببغداد واهلها .. فهو تقليد سنوي يقام على ارض زورائها ، خارطة من الازهار لا تقاوم ، صممت بشكل رائع يسر الناظرين ، وقد نقل اولئك صورا اخرى عن بغداد صورتها كامراتهم .. لم تنقلها وسائل الإعلام ، ان لبغداد وازهارها من القوة والمنعة ما تقف متحدية بوجه اعتى هجمات الارهاب ، التي حاولت وتحاول ان تحد من جمالها وتصيبها باليأس وتوقف الحياة فيها … وستنقل كاميرات الجالية العراقية في السويد صورا عن بغداد لاتقل جمالا عن صور ازهارها ، فهو تحد من نوع اخر يفشل مخططات قوى الارهاب ، لانها لا تحب الجمال والازهار والحياة ، واخيرا لابد من الاشارة الى ان زهور بغداد قد ذبلت بسبب ارتفاع درجات الحرارة واهمال السقاة ، فهل يعيدون اليها نضارتها وبهاءها.