طوال الطريق وهو يتسائل مع نفسه ماالذي شدني إليها ، ليست هي الفتاة التي أحلم بها . هي سمراء والحبيبة التي أتمناها بيضاء ، هي رشيقة جداً والتي إفضلها اكثر ليونة ، لون عينيها بلون العسل الطبيعي والمضمخ بلون العشب الأخضر والطري، والتي أحلم بها لون عينيها بلون القهوة ، حتى فمها أكثر إستدارة ، إنه كالخاتم وشفتيها مثل زهرة لا تريد أن تتفتح وحبيبة أحلامي زهرة تفتحت وهي تنتظر من يلثم وريقاتها النديه .
المهندسة سهاد هي التي عرفته بها ، كانت تتندر عليها حين قالت :
ــ إقدم لك المهندس الجديد عمار ، فهو الأخر مغرم بزراعة الزهور .
ــ لايحلو خضار الحدائق إذا لم تأطره الزهور ومن كل الألوان . هكذا ردت .
في البداية لم يتقبل إسمها عندما ذكرته سهاد ( أفنان ) . لكن عندما ردده مع نفسه وتمعن معانيه أدرك قيمة الأغصان وجمال تدليها على جانبي كل شجرة مثمره . وأدرك أهمية الظل وقت الصيف وكيف تحمي هذه الإفنان كل الزهور التي تتظلل بها من حر الصيف ومن قسوة المطر .
كانوا مجموعة من المهندسين في طريقهم لزيارة أفنان في المستشفى، فقد أعياها المرض وأقعدها هناك ، كان وحده يفكر ماذا سيقول لها ومعرفته بها تجاوزت الشهر بقليل ؟ صحيح هو دائم التفكير بها منذ أن رأها لأول مره . وكثيراً ما تحدث معها حول جمال الحدائق وروعة الزهور ويصغي لها كثيراً وهي تردد : ــ الزهور كائنات رقيقه خلقت حتى يشعرالإنسان بأهمية الجمال وروعة مافيه وهي تعطر أنفاسه بشذى عبيقها الذي لاينتهي ، لولا الزهور لما كانت هناك روائح تعطر الأرض والبشر، حتى ان تنوع الزهورمن تنوع البشر، كالحة هي الأرض بدون الزهور وتعدد الوانها .
أثناء العمل شاركها الزراعة وكثيراً ما كان يراقبها وهي تزرع الورود برقة متناهيه ، ويتسائل دائماً : أي قلب تملك هذه الإنثى وهي بكامل كيانها
مثل عصفورة تتنقل بين شجيرات الزهور والنبتات الصغيره ؟ حتماً هي لاتعرف ماذا يدور في البلد ولافي العالم . عالمها لايتجاوز زراعة الزهور هذه .
مرة سألها عن دورها ومكانتها في الحياة ، فأجابته إنها خلقت لتزرع وستبقى تزرع الى ان تموت وهي بين الزهور والرياحيين .وكثيراً ما حاول أن يصارحها بما في قلبه ، لكنها تضل تتحدث عن أهمية الجمال في تهذيب الحياة وعن السلام الذي ينبعث من شذى ووريقات الزهور .
حين إقتربوا من باب غرفتها في المستشفى شعر بقلبه يخفق ولسانه يردد الكلمات التي سيقولها لها بقلق وخوف . كان هو أخر من سلم عليها ، صافحها وشعر بحرارة يدها تلامس لب عقله ، ولإول مرة قرأ في عينيها شيئاً مختلفاً فقد غرقت عيناها بعينيه وشعر بدمعة محبوسة تحت جفنيها وهي ممدة على سرير المرض وقماشة بيضاء تغطي نصف جسدها الأسفل حين سألته هو فقط :
ـــ كيف حال زهورنا . اليلدز، وحلك السبع والكزانيا وخف الجمل وعين البزون؟
المهندسه سهاد تعتبر زراعتنا لهذه الزهور الوطنيه بائسه . لإن العالم يملك زهور أكثر جمالاً وهذه وحدها التي تستحق الزراعه والهندسه لجمالها ولعطرها الجذاب . لكن أفنان كانت ترد عليها إن هذا قدرنا وكل الزهور جميلة ، المهم القلوب التي تزرعها والأبصار التي تعشقها وتدرك أهمية وجودها في الحياه .
خرج الجميع . وقبل أن يجتاز عتبة الباب وهو الذي بدون وعي منه كان يتمنى أن لاتأتي لحظة الوداع هذه . نادت عليه ، صافحته مرة إخرى فشعر وكأنها تضع قلبها في كف يده ، كانت ساخنه ووديعه وبصوت هادئ خاطبته أن لا يهمل سقاية الزهور وأن لاينسى الشبوي الأبيض والذي زرعه معها ، وهمست له
الزهور مثل لغات العالم مختلفه الحروف لكنها تعود لإمها الأرض . وأنا أتوسطها كانت تناديني دائماً ماما وهذه الكلمة هي الوحيده التي ينطقها كل سكان الأرض وبنفس المعنى .
في طريق العوده كان لوحده يضم الكف التي صافحها بها الى قلبه ،ويشعر بالغبطه وكأنه يخفي شيئاً ثميناً لايعرف ماهيته لإنه يحتفظ برائحتها وسخونة قلبها قريباً من قلبه ، ويشعر وكأن دمها هو الأخر قد إمتزج مع دمه .
خارج السور
قلت لها حين إنتهينا من القراءه وكنا نتقابل ونحن نقوم بضم شتلات الورد بين شفتي الأرض المحروثه وانا بين الحين والأخر أغرق في عسل عينيها المحلى بخضارالعشب إن هذه القصه مستوحاة منها وأنا أهديها لها: فأجابت لكن زهرتك هذه مريضة وانا معافاه ، فأجبتها انت وهي في الجوهر واحد ، أما هي فيؤلمني ما بها من مرض .فتبرمت بشفتيها إستحياءً وقد أيقظت في قلبي لهفة ومتعة لم ادرك معانيها الا بعد حين .