23 ديسمبر، 2024 5:18 ص

زها حديد ذكاء امرأة امتزج في غباوة شعب

زها حديد ذكاء امرأة امتزج في غباوة شعب

هناك مثل شعبي بغدادي، يقول: (إلي يموت يطولن كراعينه، ومن جان عايش محد بحالة)، وهو ينطبق شكلا ومضمونًا على المهندسة البريطانيَّة من أصل عراقي زها حديد، صاحبة التصميمات العالميَّة في أرجاء عديدة من هذه الدنيا في العالم المتحضِّر الذي احتضنها مذ كانت صغيرة، ونمَّى موهبتها وطورها وأتاح لها مجال الإبداع، ليستفيد في الأخير من علمها وعملها تطبيقيًا، وطبعا ليس لها أي تصميم عراقنا التعيس، والسبب يتلخص ببساطة أنَّها لا تنتمي لهذا البلد أو لا علاقة لها به، فهو لم يقدِّم لها شيئًا، ولا تعرفه لا من قريب ولا من بعيد، لذا فأنا أشكِّك بما جاء في سيرتها الذاتية على موقع الموسوعة الحرَّة (ويكيبيديا) في الشبكة الدوليَّة للمعلومات (الانترنت)، من إنَّها عاشت في العراق حتى أكملتْ دراستها الثانوية فيه، وأكاد أجزم أنَّها غادرته وهي طفلة لم يتجاوز عمرها السنوات الست الأولى، لأنَّ كلَّ مقابلاتها المسجلة مع جميع القنوات الفضائية الناطقة بالعربية التي استضافتها لغرض تسليط الأضواء على إنجازاتها في مجال البناء والتعمير في العالم الحر العائش عيشة تختلف أو لا تقارن بعيشتنا في العراق المتخلف المبتلى بالأحزاب الإسلاميَّة الرجعيَّة، قلتُ: تظهر في كلِّ تلك المقابلات ناطقة بعربيَّة ركيكة، وبلهجة لبنانيَّة سرعان ما تمزجها باللغة الإنكليزيَّة لغة بلدها بريطانيا، وهي تبدو للمشاهد وكأنَّها تعلَّمَتْ العربية باللهجة اللبنانيَّة، أو إنَّ العربيَّة لغة ثانية لها لا أولى، وهذا أمر طبيعي لمن لا علاقة لها بالعربيَّة أو لم يستعملها في حياته، ولو إنَّه درس بها حتى الثانوية لكان الأمر مختلفًا، والمؤكد: إنَّها خريجة الجامعة الأمريكية في بيروت، عام 1971م، ثمَّ تخرجَتْ من الجمعية المعمارية بلندن عام 1977م، لتصير في الأخير عميدة لكليَّة العمارة فيها، وأستاذة زائرة في عديدٍ من جامعات أوربيَّة وأمريكيَّة.
والسؤال الوجيه هنا يمكن لنا صياغته بعدَّة أوجه، منها: ما علاقة العراق بكلِّ ما تقدَّم في حياة زها حديد؟، أو ما علاقتها بالعراق؟، أو أين العراق في حياتها؟، هل هي عراقيَّة تحمل الجواز العراقي غير المحترم في كلِّ دول العالم تقريبًا؟، هلْ كانت تشعر بالحنين إلى شوارعه وأزقته التي لا أعتقد إنَّ عندها ذكريات فيها، أو إنَّها تعرف شيئا عنها؟، هل دفع لها العراق مصاريف الجامعة؟، أو هل أرسلها بعثة دراسيَّة؟، هل فكرت هي أنْ تقدِّم لهذا العراق البائس شيئًا؟.
يذكر موقع الموسوعة الحرَّة (ويكيبيديا)، الذي لا أثق فيه لأسبابٍ منطقية ومهنيَّة، ليس موضوعنا التفصيل فيها، يذكر هذا الموقع: ((لم تلقَ تصاميمها اهتمامًا لدى مجلس النواب العراقي، حيث رفضوا عدة تصاميم قدمتها بدون مقابل، حيث جاء على لسان المعمارية زها حديد بأنَّ النائب علي العلاق كان قد رفض تصاميم قدمتها، وذلك حسب ما جاء في مقابلة لها في مجلة دير شبيغل الألمانية))، وسواء صحَّ هذا أم لم يصحْ؟، فلا قيمة له من الناحية العمليَّة، لأنَّها إنْ كانت قدَّمت ما قدَّمت فعلا، فهي قد تأخَّرَتْ كثيرًا إلى أن وصل الحكم إلى يد الهمج والرعاع والمتخلفين من حثالات البشر وأرذال الناس، ولا تقلْ لي لمْ تقدم شيئًا للنظام الدكتاتوري السابق لأنَّها كانتْ سياسية أو إنَّه كان يضطهدها، كافانا سخفًا في طريقة التفكير، وكفانا استخفافًا بعقول الناس.
دعونا نتخيَّل ماذا سيكون مصير زها حديد لو إنَّها بقيت في العراق ولم تغادرها ناجية من كلِّ ما فيه من رجعية وتخلُّف، وتزييف وتسويف للتاريخ والحقائق، فمنصب والدها محمد حديد الوزير السابق عن الحزب الوطني الديمقراطي العراقي، قد لا يشفع لها في أنْ تكون صاحبة محل للعطور، أو محل للحلاقة النسائيَّة، وهذا أقصى ما قد تستطيع الوصول إليه في العراق مقارنة بعبقريتها ونبوغها، أو لا تعدو أن تكون موظفة بائسة مغمورة في دوائر ما تسمَّى الدولة العراقية، ولن تتميَّز عن المفكرينَ والمبدعينَ الذين لمْ يأخذوا حقهم ومكانتهم في عراقنا التعيس البائس المتخلف في كلِّ العصور، العراق الذي فيه شعب لا يعرف أنْ يقول الحقيقة، فهو مستحيي منها دائمًا، ولا أدري لماذا؟، شعبٌ يدَّعي أنَّه عريق في الماضي، ولا يعترف بتخلفه الآني أو الحاضر، شعب يرفض التفكير، ويرفض الاستماع، شعب متميِّز في إلقاء التهم الجاهزة للمقابل أو المعترض على، أو الرافض لـ، هذه السلوكيات الرديئة، كما تعرفون، من مثل: خائن عميل جاسوس، أضيفت لها اليوم ملحد كافر مرتد، عدو الله، الله الذي هو الرب الذي يقتلون باسمه، أو إرضاءً له، وعندي: ملعون هو الرَّبُّ الذي يرضى بقتل البشر.
في النهاية انتقلتْ المهندسة البريطانيَّة زها حديد، إلى العالم الآخر، أو عالم البقاء الحقيقي، كما يطيب لأحد كبار كتَّابنا أو أساتذتنا أنْ ينعته، عالمٌ يعتقد بعض البشر أنَّها ستقابل فيه هذا الرَّبَّ المزعوم، وما سيتعلق بهذه المقابلة من ترهات وخزعبلات لا تهمنا، المهم: إنَّها ماتتْ والموت هو النهاية الحتمية والمنطقية لكلِّ ما هو حي، وطبعًا لم يمرِّر السُّذج ومحدودو التفكير وضعيفو الإدراك وقليلو التمييز من العراقيين – وهم كثر، بلا فخر – هذه المناسبة فامتلأت أغلب الفضائيات العراقيَّة، وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي بالنعوات والحسرات على موت هذه العظيمة التي يدعون عراقيَّتها، وهي لم تكن تحمل جوازًا عراقيًا في حقيبتها، بل لا تريده، هو الذي لنْ ينفعها ولا قيمة له عندها إنْ وجد.
يبدو إنَّ النكسات والخيبات والنكبات التي مرَّتْ على العراق في الستين سنة الأخيرة من تاريخه العتيد البائس، حوَّلَتِ العراقيين إلى شعب غير منطقي وغير موضوعي في طريقة تفكيره وإدراكه، شعب رأيته يقدِّس علم بلاده كخرقة لا كرمز، فلم يهتم أو يكترث عندما يتغيَّر هذا العلم دائمًا أو كلَّ مرَّة، بتغير الحاكم المستبد طبعًا، فعلم العراق تغيَّر بتغير الحاكم في الأعوام 1958م، و 1963م، و 1996م، وبتغيير الظروف أو لمناسبة ما في العام 1991م، ثمَّ تغيَّر مرَّة أخرى بتغير الحاكم أيضًا عام 2003م، وكان العراقيون مستمرين بتقديس الخرقة دائمًا، كخرقة لا كرمز كما قدَّمنا، أقول بعد هذا الاستطراد، الذي قد تتخيَّل أن لا علاقة له بموضوعنا: هكذا تعامل العراقيونَ في رثائهم لهذه الإنسانة الراقية، فقد رثوها لأنَّ أصولها عراقية، ولم يرثوها لأعمالها الخالدة في العالم المتحضر، لم يرثوا إنسانيتها ورقي علمها وعظمة عملها، رثوها مفترضين أنَّها عراقيَّة، وشابه تعاملهم معها تعاملهم مع الخرقة في علمهم، وهذه كارثة الكوارث، ومصيبة المصائب؛ وبسبب كلِّ ما تقدم أنا أشفق على حزنهم المصطنع المتكلف الذي لا معنى له ولا قيمة، وما عساي إلا أنْ أقول وداعا أيَّتها الإنسانة البريطانية العظيمة زها حديد، وداعا يا مَن قدَّمْتِ للإنسانية ما ستذكرك به، أو ما ستخلد اسمك في قواميسها بسببه، ارقدي بسلام أيَّتها الطيِّبة، أرقدي بسلام يا مَن حملك البسطاء والأغبياء ما لم تكن تريدين أنْ تحمليه.
تحدثتُ في مضمون هذه المقالة مع مثقف مستنير، هو صديق لي، فقال ما علاقتك أنت يا رمزي بزها حديد؟، ولِمَ تحاسب الناس على ما تخال أنه جهلٌ أو قصور في طريقة تفكيرهم؟، لِمَ لا تترك الخلق للخالق يا رجل؟، قلتُ له بكلِّ أريحيَّة: أنت تعلم أنَّ ابنتي الكبرى وقرَّة عيني تدرس اليوم في المدارس الأمريكيَّة، وأنا أرى فيها نبوغًا وتفوقًا وأتوقع لها مستقبلا باسمًا زاهيًا، فقد تصير طبيبة أو مهندسة أو عالمة في مجال ما، عندها سيطلع كثير من سذج العوام العراقيين
وأغبيائهم، ليقولون عنها مثلا: العالمة العراقيَّة مريم العبيدي، وقتذاك لنْ يجدوا منِّي إلا تصديًا واستهجانًا ورفضا لِمَا يدعونه أو ما يزعمون به، سأقول لهم: ما علاقتها بعراقكم وهي تحمل الجنسية الأمريكيَّة؟، ما علاقتها به وهي لمْ تدرس بمدارسه؟، ما علاقتها به وهي التي لا تذكر عنه شيئًا، ابنتي ليسَتْ كالخرقة التي في علمكم، ولا شأن لها بكم، ولا بعراقكم، ولا بعلمكم، فكروا قليلا إنْ استطعتم، أو إنْ بقيت عندكم قدرة على التفكير، وليشغِّل كلُّ منكم مخَّه، الذي تعب من قلَّة التشغيل.
………………
للتواصل مع الكاتب يرجى الكتابة إلى:
[email protected]
[email protected] [email protected] [email protected] [email protected] http://facebook.com/ramzee.alobadi