26 ديسمبر، 2024 5:34 م

أثارني قبل أعوام اغتيال الشهيد جلال ذياب مدير منظمة حقوق ذوي البشرة السمراء، وأعاد الي رؤيا مقال قديم عن زنوج البصرة وواحد منهم يدعى (تومان) مسك الأبداع بأنفه حيث اتقن عزف الناي فيه وتحول الى ظاهرة بصرية محبوبة.

مات تومان البصري ذو الأصول الأفريقية، مات وهو لايدري بأن واحد من اجداده الذين جيء بهم في زهو دولة بني العباس وترفها وازدهار تجارة الرق ربما كان آمر لفصيل في واحدة من سرايا جيش الزنج الذي قاد ثورته الشهيرة واحتل صاحب هذه الثورة البصرة وبطائحها وجعل اسيادها والملاكين يخدمون العبيد الى أن جهز اليهم الخليفة العباسي حملة عسكرية وقضت على ثورتهم ليعودا مرة اخرى أرقاء وعبيد، ومع مرور الازمنة تحرر هؤلاء، وهجر الكثير من الناس فكرة امتلاك العبد لسبب مادي أو ديني أو إن امتلاك العبيد صار مظهرا من مظاهر الجاه والسلطان فأنحصر وجودهم عند شيوخ العشائر وعلية القوم والملاكين،اما البقية فاندمجوا مع شرائح المجتمع وعاشوا فقراء كادحين، يقتربون من مهنة البحر الذي قادهم الى هذه الامكنة وكأنهم يترجون منه أن يعيدهم اليها..لهذا كانت اغلب أغاني الهله هولو التي تطلقها دنابك هؤلاء السمر تناجي البحر وتلومه وتشتاق الى قمرياته الصافية..

اليوم أفارقة البصرة وزنوجها يعيشون في صميم النسيج الأجتماعي العراقي،وربما سمحت لهم دساتير الدولة العراقية منذ تاج المغفور له الملك فيصل الأول (رحمه الله) وحتى اليوم أن يعيشوا كما اي مواطن وليتعلموا وينالوا ذات الفرص، فكان منهم الطبيب والمعلم والرياضي والفنان والشاعر، وربما كانوا في أبداعهم وعملهم اكثر أصراراً في العطاء، حتى قال لي احدهم إن ربع شهداء حروب العراق من اهل البصرة هم من زنوجها، أو بعبارته هو من (سمرانها)..

الذي دفعني لكتابة هذا المقال الذي قد يغيظ بعض من يمتلك عنهم معلومة أفضل مني..هو ما نشرته قناة الجزيرة الفضائية قبل ايام عن قيام أفارقة البصرة كما اسماهم التقرير بأنشاء منظمة مجتمع مدني تدافع عن حقوقهم، وهذا في اعتقادي أبسط حق يمكن أن ينالوه بعدما اظهر التقرير شهادات (لبصاروة) سمر وهم يتشكون من أن النظرة الدونية للون والشكل مازالت موجودة عند بعض الناس، حتى أن واحدة من هذه الشهادات على لسان سيدة بصرية تقول :(الحر أي الإنسان الأبيض المجتمع يرفض اقترانه بسوداء)..

وحتما لدى هؤلاء المغامرين والأبطال الذين أسسوا هذه الجمعية المبررات ليتحدوا كل الحواجز والتأويلات وقياسات المجتمع..!

خلاصة هذا..انا فقط أردت ان اقول لهؤلاء الشجعان..انتم بصريون أصلاء، حتى لو كانت جداتكم من جوهانسبورغ لأن زنوج البصرة عرفوا جيداً كيف يمنحوا للمدينة تراثها الجميل ويدافعوا عنها في شدائدها، وتذكرون ان نصف مفاخرة العراق برقصه وموروثه الشعبي في الخارج من خلال المهرجانات الدولية  جاء من الفرقة البصرية للفنون الشعبية التي غالبية اعضاءها من السمر (الحلوين)..وكذلك أيضا اردت في هذا المقال ان استذكر الروح الرائعة لصاحب الناي الاسطوري (تومان)، واقرأ على روحه فاتحة الغياب وأدعو المجلس البلدي للبصرة أن يمنحه ما يتمنى وأن يقام له تمثالاً يليقُ به..

أحدث المقالات

أحدث المقالات