في ظل أفق الثقافة النقدية المنهجية المعاصرة ، كسنة و تقليد ، صار ذلك الناقد الأدبي المنهجي كل ما يعنيه في قراءة النصوص الابداعية ، ذلك التجانس النسقي و الخطابية المتوارثة من مناهج النقد الغربي المستورد ، و كيفية سوقها داخل معايير كلامية ، تتألف من الملاحظات و التعليقات و الوصايا الايحائية المكتوبة داخل طوابير من الأسس التقليدية و النمطية ، التي كل ما يعنيها في النص الأدبي ، هو ذلك الايعاز المنهجي المقرر ، وفق رؤية أكاديمية قريبة من حدود قراءة الفواعل الدراسية و التعليمية ، من هامش محاضرات الطلاب الجامعية . من هذه المقدمة أود دخول تفاصيل هامة و مهمة من أسباب تراجع أمكانية ناقدنا الأدبي في معاينة قراءة النص الأدبي . لعلنا نعلم جيدا بأن المعاينة النقدية للنص المدروس ، تتطلب من الناقد الدارس ، ثمة مقومات خاصة و خصوصية ، من مراحل عملية قراءة و تأويل النصوص ، وأهم هذه الشروط ، هي الرؤية و الذائقة و الانطباع الحسي الكامل ، ثم بعد ذلك معاينة صورية و اجرائية البنية الثقافية لدى مخيلة ذلك النص ، و تبعا لهذه المقومات صار لدى هذا الناقد ، الذي يقوم بمعاينة ذلك النص ، ثمة تفصيلية متكاملة بماهية شروط و مقومات دراسية رؤية ذلك النص المقروء . فإذن بات أمر هذا النص من أمام ذلك الناقد ، شبه موفور الاحاطة التحصيلية ، لاسيما و انه يمتلك أهم مقومات قراءة مرحلية النص الحاضر بين يديه . غير ان الأمر نراه عادة
لدى هذا الناقد المنهاجي ، على العكس تماما ، حيث يبدو كما لو كان أشبه بعملية الانتاجات المختبرية ، التي تشاع داخل قاعة المحاضرات الطلابية ، و من خلال اجرائية مفاهيمية ، تبدو كما لو كانت مخصوصة و معينة ، من فصول مادة دراسية ، هي قيد النجاح أو الفشل ، و بهذا الحال نلاحظ بأن مجريات تلك المنهاجية النقدية ، أصبحت كحالة من حالات الاعطاب و القيود ، بل ان القارىء أحيانا لتلك الشروح المنهاجية ، لربما لا يجد من خلالها ، ثمة كشوفية خاصة من خاصيات الادراك السليم و الذائقة السديدة و الموضوعية المتكاملة ، و على هذا الامر نلاحظ عادة بأن تقويمية تلك النقود الاكاديمية ، و كأنها مجرد مبادرات تقديمية داخل صراعات بنية منهاجية منظمة الخطاب و اللغة لا أكثر . ان الحوار و القراءة النقدية لبنيات و متون النصوص الابداعية ، لربما تتطلب من الناقد ، سفرا مخياليا و ذوقيا ، و ليس خروجا غير شرعي نحو فضاءات شاذة من الانتقالات من لغة تحليل النصوص الى لغة جغرافية بليدة ، لا تصل القارىء لأي نتيجة معرفية و ثقافية ، بل انها تصل القارىء الى منطقة تهميش وعيه الذوقي ، و الى مزيد من نداءات صحراء الاسئلة و الاجوبة المحكومة بصيغ المشروع المنهاجي العقيم . لعل في مادية و جدلية النقد المنهاجي ، ما يذكرنا الى حد بعيد بأجواء ( قصيدة التفعيلة ) هذه القصيدة التي نرى من خلالها جمال الصورة و فضاء الايقاع ، غير انها تبقى محكومة بشكل آلي بحركة البحور و المفاعيل و الفواعل ، و الى حد أننا نلاحظ افتقاد هذا النص التفعيلي ، للكثير من معاني و دلالات اناقة الصورة الشعرية المنسوجة و حدود حوارية الشكل الشعري المنساب في القصيدة . في حين على العكس ما هو عليه حال القصيدة النثرية ، فهذه
القصيدة نشاهدها دائما ، مطلقة و حيوية حيث تحمل جمالية الصورة الشعرية المتكاملة ، و تؤول في مقاصدها نحو متصورات و ممارسات تتناسق و تشتغل ، بأنضباط المستقر لا العابر من الكلام المحكوم بمزايدات البحور و الايقاع . بهذا المعنى وحده و قصديته ، صرنا نعاين الكتابات المنهجية في النقد الادبي ، حيث تراني بهذه الصورة الدقيقة أقول للقارىء : يرى البعض ان أدوات النقد الانطباعي ، عادة كما لو انها مفردة غير مسوغة في الاصول و القواعد ، و لكن أقول لهم ببساطة ، اذا كان النقد الانطباعي غير مسوغ في الاصول المعرفية ، فأنا شخصيا أرى بأن نقد المناهج ، هو عالم يتشظى من حوله بقلق مأساوي ، أما النقد الذي هو بلا مناهج ، فهو انفجار الذائقة نحو ممارسة كتابية ، توضح سؤال الذات ، و تكشف عن مكامن الذائقة ، نحو الانفتاح بوجه رحلة الحوار المضاد . و في الختام أقول مجددا : أخشى ان يحسب حديث مقالي هذا ، كتوشيح خاضع لمنصة محاكمة النقاد الاساتذة، و لكن على العكس فأنا في كلامي هذا أحاول تحليل و تسوية ، الفوارق السلبية و النزاعات المعرفية و الوظائفية ، غير انني في الوقت نفسه أطرح هذا التساؤل من أمام المنهاجية النقدية ذاتها و بهذا القول المتواضع : هل نصوصنا الابداعية الأدبية أمام طقوسية شعائر المناهج ، باتت تتلبس بحالات الحيرة و الانتكاس ؟ أم هل ان هذه المنهاجية مفتتح جاد لخلق نصوص ابداعية حقيقية ؟ أم أنها ثقافة الاسبق في الطرح الممكن في ثقافة الاستيعاب الجديد ؟ . أم نحن أمام شعارية لفظوية تداهمنا لباقتها من خلال صيغ وثوقية شديدة الانطفاء و الجموح السلبي .