18 ديسمبر، 2024 7:40 م

زلزال مدمر .. على مقياس غزّة

زلزال مدمر .. على مقياس غزّة

لا اعتقد ان احداً في العالم فاجأه الرد الفلسطيني النادر على غطرسة خمسة وسبعين عاماً من الاحتلال والتشريد والقهر والقتل والحصار والتجويع والتنكيل والتهجير والترحيل والقصف والتدمير والغطرسة والفصل العنصري والسجن والتعذيب والاعتقال بلا سبب وهضم الحقوق وضرب قرارات الشرعية الدولية وعلى مرأى ومسمع من هذا العالم المليء بالنفاق .. بل وباسناد ومباركة وموافقة هذا العالم الذي يدعيالديمقراطية والتحضر .. يقابله خنوع وذل عربي رسمي لم تزين بشاعته تلك الحركات الصبيانية بمواقف من هنا وحروب تحريك من هناك . بل ان بعض العربان الرسميين كافأوا المعتدي وطبّعوا معه وابرموا معه اتفاقيات سلام وهم لم يطلقوا طلقة واحدة ضده منذ انشائه ظلماً وعدواناً وزرعه خنجراً مسموماً في خاصرة الامك العربية .

حتى الان الذي جرى قد جرى .. وكل وقائعه معروفة .. والكل يتطلع الى المستقبل المجهول ويضع السيناريوهات والاحتمالات التي ستؤول اليها الامور ..

النتن ياهو شكل حكومة طواريء واعلن حالة الحرب .. واستدعى مئات الالوف من جنود الاحتياط وهو ما يعني انه اعد العدة لحرب لا تبقي ولا تذر ( في غزة ) علبة السردين التي حُشر فيها ما يقرب من مليوني انسان محاصرون منذ عقدين ومنع عنهم كل شيء الا الهواء .. ومما تعنيه حالة الطواريء ان الكيان كله تحت تصرف شخص متهور اطلق العنان لكلابه لكي تدمر كل ماثل على الارض وتقتل كل انسان يتنفس مهماكانت براءته .. ولا يهم ان وصل عدد القتلى الغزاويين الى مائة الف او اكثر ، فعار فضيحته الاخيرة وعجزه ونظامه واستخباراته وعدد اسراه لا يمحوها الا القتل ثم القتل فالقتل والتدمير ثم التدمير ثم التدمير .

قوات النخبة الامريكية الذهبية والقوات الاسرائيلية الخاصة شرعت منذ يومين بتمرينات مكثفة وعالية السرية وبمعدات لم تستعمل من قبل تستخدم الذكاء الصناعي والتحسس الحراري والصوتي وبتسخير كامل الفضاء والسلاح الجوي والاقمار الصناعية ، على كيفية تحريرالاسرى الذين اسرهم الفلسطينيون ،

العربان تولوا تهيئة الارضية لاسرائيل للاستفراد بالمقاومة .. بن زايد يتصل بالاسد ويحذره من فتح جبهة في الجولان والضغط على حزب الله لالتزام الهدوء ، مع وعد بمكافأة مغرية جداً للاسد هذه المرة تتجاوز اعادة مقعد سوريا في جامعة الثول العربية .. شكري يتصل بوزيرخارجية ايران لاول مرة منذ اربعة عقود ونصف ( تصوروا منذ عام ١٩٧٩ ليس هناك اي اتصال او علاقات بين مصر وايران ) ويبلغه رسالة امريكية هامة : لا تتدخلوا ومكافئتكم : سنعود للاتفاق النووي ونفرج عن اموالكم ..

الداخل الاسرائيلي تناسى كل خلافاته واحتجاجاته واخذت مراجله تغلي بالحقد والرغبة بالانتقام ، وكلما مر يوم نفد الصبر .. والنتن ياهو يجرب ويحاول جاهداً ويدعو ويتمنى ان تنفتح جبهة الشمال مع حزب الله لكي يضمن مائة بالمئة التدخل الامريكي والأوربي المباشر الى جانبه لانقاذ ( شعب اسرائيل المتحضر الديمقراطي ) من براثن ( الهمجية العربية والاسلامية ) وعسى ان تدخل ايران على الخط وتنجد حلفائها ويصبح عيد نتن ياهو عيدين : ضرب حزب الله وضرب ايران ، والاثنان لا قبل لهما على مواجهة طويلة ازاء الترسانة الامريكية والغربية حتى لو استمرت الجبهة الاوكرانية وتصاعدت معاركها !!!

عالم النفاق يساند اوكرانيا ويغدق عليها المساعدات بالمليارات منذ عام ونصف لان روسيا احتلت ارضاً اوكرانية ، ماشي : طيب الا تحتل اسرائيل اراضي العرب منذ اكثر من سبعة عقود ؟ ام ان هناك احتلالاً اخضر وآخر برتقالي ؟

وحدهم الفلسطينون بصدور عارية واسلحة بسيطة وآمال كبيرة ينتظرون بعد ان اذهلوا العالم .. يتطلعون لغدٍ مختلف وهم اموات في الحياة واحياء في الممات .. وما حيلة المضطر الا ركوبها والمبلل لا يخاف من المطر حتى لو كانت مع هذا المطر عاصفة هوجاء ..

جامعة الثول العربية تعقد اجتماعاً اليوم ، منظمة التعاون الاسلامي تعقد اجتماعاً اليوم ، مجلس الامن يعقد اجتماعاً اليوم … طز ، ثم طز ثم طزين على قول نجيب محفوظ ..

قلة قليلة من الجوعى والمحاصرين والمضطهدين في العالم وقفت مع الفلسطينيين في حملتهم هذه .. غالبية الشعب العربي عقدت لسانهاالدهشة وقالت كلمتها .. كلمة فقط في الشوارع ، بضع عشرات تتظاهر في الشوارع ، او عبر القنوات الفضائية او مواقع التواصل الاجتماعي.. وهذه الكلمة لا تسند بندقية ولا تعيد شهيداً الى الحياة ولا تشيد داراً لاسر كاملة امست تبيت في الشارع بانتظار اجلهاالمحتوم والعالم يسمع ويرى حفلات القتل والدم المستمرة في غزة منذ خمسة ايام .. اما البقية البقية فهي أما شامتة باهل غزة ، واما مغلّسة، وهي تخاف على كراسيها واستثماراتها وانديتها الرياضية ومصالحها .

اين الذين كانت اصواتهم تصم الاذان .. اين مصر العربية .. اين المغتربين .. اين منظمات حقوق الانسان ؟ اين ضمير العالم ؟ وكذبة المجتمع الدولي ؟ لا احد يجيب : فمصر حائرة بلقمة العيش وليبيا الممزقة تصارع نفسها بنفسها ولبنان دولة بلا دولة وسوريا انهتكها عشرسنوات من الحرب والاردن مكبل باتفاقيات وادي عربة والمساعدات الامريكية والعراق مشرذم بين هذا وذاك واليمن تلعب به الرغبات وهو خارج خارطة اهتمامات الانسانية والسودان وحرب الكراسي والمناصب والمغانم ومناجم الذهب .. وكذا المغرب والجزائر .. وكل في همه متقوقع ومتقهقر !

ماذا يجري غداً ؟

القتل والتدمير الصهيوني مستمر بمباركة امريكية غربية .. والاجتماعات تتوالى ولا تفضي الى شيء والتظاهرات تخرج هنا وهناك .. البعض يدعو لخفض التصعيد .. حتى تدمير اخر مبنى في غزة وحتى قتل آخر طفل فلسطيني !