لا يختلف اثنان ممن يعنون بشأن الجماعات الاسلامية والجهادية المتشددة ان ظهور المارد الداعشي وسرعة انتشاره ونموه المتفاقم بما يشبه الورم السرطاني الخبيث هو ليس وليد الصدفة او لحظة تاريخية فارقة في منطقة الشرق الاوسط ولا سيما في سوريا والعراق كما لا يختلف اثنان ايضا على ان ظهور داعش وغيره من الجماعات الاسلامية المتشددة كان نتيجة مباشرة للغزو الامريكي الهمجي بمشاركة حلفائه من الذيول مثل بلير وغيره للعراق عام الفين وثلاثة لان قبل هذا التاريخ لم تعرف المنطقة حضورا للجماعات الدينية المتشددة ولم يسمع احد بشيء اسمه تنظيم الدولة الاسلامية فبذور التنظيم نمت وترعرت واشتد عودها بفضل الغزو الامريكي العدواني وتداعياته على العراق والمنطقة وهذه واحدة من بركات وثمار العدوان الامريكي على العراقيين الذين وعدهم بوش باحلال ديمقراطية وردية في بلادهم لا مثيل لها في الشرق الاوسط وتحقيق حلم الحرية التي طالما تاقت اليه نفوس ابناء بلاد الرافدين بحيث يحسدهم الداني والقاصي ولم يصدق وعد الكذاب حيث ان العراقيين لم يجنوا سوى الموت والدمار والتخلف والجهل في بلد بات على شفير الهواية وفتحت عليه ابواب جهنم وتعرض لجميع انواع العدوان التي تستهدف وجوده وكيانه وفي مقدمتها الحرب الطائفية المقيتة التي تجرع كأس مرارتها واحترق بلهيب نيرانها. هذا البلد الذي تجرآ كل من هب ودب على استباحة حدوده وسلامته الوطنية وقراره الوطني اصبح ارضا خصبة لجميع انواع واشكال الجماعات الارهابية والميليشيات الطائفية التي تسفك دماء ابنائه ليل نهار وبلا اي رحمة دون ان تجد سلطة وطنية قادرة على ردعها ووقف عدوانها وهمجيتها ضد ابناء الشعب العراقي. فتحولت داعش وغيرها من الميليشيات الاجرامية التي تجول وتصول في البلاد الى وحش يفتك بالابرياء من الناس .
. النظام العراقي والسوري وفزاعة داعش
لاشك ان بعض الانظمة العربية في المنطقة ممن فقدت شرعية وجودها في الحكم وثارت شعوبها ضدها بعدما ايقنت تلك الشعوب ان لا امل لها في الخلاص والعيش الكريم في ظل وجود تلك الانظمة الطائفية والدكتاتورية المقيتة ولكي لا تخسر تلك الانظمة معركتها مع شعوبها الثائرة لجأت الى فزاعة داعش التي سعت من وراء استغلالها اخافت القوى الاقليمية والغربية الداعمة لثورات شعوبها فضلا عن اخافت تلك الشعوب ولا سيما الاغلبية الصامتة منها التي عادة ما تقف متفرجة بانتظار القادم ، السعي لاخافتها من تاييد تلك الثورات والحيلولة دون تحولها الى حاضنة توفر الدعم والمناصرة للثوار بحجة ان البديل للنظام الحاكم سيكون اكثر سوءا وضررا بالناس ومصالحها لذا ومن اجل تحقيق هذا الهدف كان المطلوب من الاجهزة الاستخبارية في تلك البلدان ان تنفخ بصورة داعش وتجعل منه ماردا متوحشا لا يشق عنه الغبار حتى ولو وصل الامر الى دعمه بصورة مباشرة او غير مباشرة من خلال غض الطرف عن تهريب سجنائه في اكبر معتقلين محصنين في العراق في يوليو العام الماضي والسماح لهم بالالتحاق بالمعارضة السورية التي تقاتل النظام السوري بغرض تشويه صورة مقاتلي الثورة وذلك باعتراف وزير العدل العراقي حسن الشمري في حينها او من خلال قيام النظام السوري نفسه بالسماح لتلك الجماعات المتشددة باحتلال اراض مهمة كما حدث بالرقة دون ردة فعل من قبل النظام تناسب هذا التقدم لداعش، فبات اينما تجد شعوبا ثائرة ومنتفضة ضد الجلاد وتطالب بالحرية والكرامة والعدالة يظهر بين ظهرانيها شيطان مريد اسمه اليوم داعش ولانعرف ماذا سيكون اسمه غدا وكأن المسالة وبساطة ان تضع الشعوب بين خياريين احسنهما مر إما طاعة النظام والامتثال لجبروته والقبول بديكتاتوريته او الوقوف الى جانب الارهابين من قاطعي الرؤوس ومدمري ارث البلدان وتاريخها ورموزها التي تحظى بوجاهة وقدسية ترسخت عبر الزمن ، ويقفز هنا السؤال الذي حير عامة الناس وبسطاء المثقفين والسياسيين وهو من صنع سيناريو داعش واخرجها الى الوجود وقوى شوكتها وساهم في بناء قدراتها التي وصفها رئيس اقليم كردستان العراق بانها تعادل قوة جيشي بلدين من بلدان المنطقة. الجواب بسيط وهو ان داعش صنيعة كل القوى المحلية والاقليمية والدولية التي اغاضتها انتفاضات وثورات الشعوب المطالبة بالحرية والقصاص من حكامها وجلاديها وسارقي قوت ابنائها.
هواجس الصين من تنظيم الدولة الاسلامية
يبدو ان زلزال داعش الذي ضرب منطقة الشرق الاوسط وتحول الى كابوس مخيف لحكام وشعوب المنطقة بات يمكن سماع هزاته الارتدادية الى ما بعد امريكا واوروبا وصولا الى الصين التي تشكو صداعا شبه دائم من نشاطات بعض مسلمي البلاد من المتشددين وخاصة في شينجياتغ ذات الاغلبية المسلمة من قومية الايغور التي دآبت ﺳﻠﻂﺎﺕ ﺑﻜﻴﻦ ﻋﻠﻲ مواجهة العنف المرتكب من بعض فئاتها بيد من حديد دون هوادة، لكن كل سياسات بكين في التصدي لعنف متمردي الاقليم لم تنه دورة العنف وسفك دماء الابرياء في هذا الاقليم ناهيك عن تسرب مئات الناشطين المتشددين للقتال في صفوف داعش وجبهة النصرة في العراق وسوريا مما يتسبب في قلق مضاعف للسلطات الصينية التي يبدو انها لم تحسم امرها لحد الان للعمل على انتهاج مقاربات وحلول سياسية واجتماعية واقتصادية في هذا المنطقة الذاتية الحكم في الصين بالتزامن مع العمل بالحلول الامنية التي اثبتت الاحداث الاخيرة في هذا الاقليم المضطرب عجزها بمفردها عن توفير الامن والاستقرار في هذا الاقليم المعقد في تركيبته الاثنية والعرقية ، كما يجب على بكين ان تدرك جيدا وتعزز هذا الادراك بتجارب الاخرين من ان التضييق على الاسلام الوسطي المعتدل والتشديد على طقوسه وممارساته الدينية البعيدة عن منطق العنف والتطرف فضلا عن تجاهل الحقوق المشروعة ليس اقلها منح حيز معقول من الحرية الدينية والخصوصية القومية والمساواة في فرص العيش الكريم لن تقود الا الى مزيد من العنف وتقوية شوكة الحركات الاسلامية والانفصالية المتطرفة لان بمثل هذه السياسات لا يمكن للسلطات الصينية ان تقضي على المتطرفين واصحاب الاجندات الخارجية عن طريق عزلهم عن الحاضنة الشعبية الاجتماعية التي بدورها ستشعر بمزيد من الضيق والحنك من السلطة الرسمية باعتبا ها تتجاهل مشاعرها الدنية وتنكر عليها مصالحها المشروعة، اي بعبارة اخرى ان التضييق وردع الاسلام الوسطي المعتدل من شانه ان يمهد الطريق لظهور الاسلام المتشدد الذي يؤمن قادته بالعنف والتطرف كوسيلة لتحقيق الاهداف، وليس بعيدا عنا النموذج المصري فبعد الاطاحة بحكم الاخوان المسلمين الذين يؤمنون بالتداول السلمي للسلطة ومخرجات العملية الانتخابية ، الا ان الخوف والريية من حكم الاحزاب الاسلامية عجل في الانقلاب عليهم مما افسح المجال لظهور جماعات اسلامية متشددة تؤمن بالعنف كوسيلة في احداث تغير سياسي في بلد ينعم بالامن ولم يشهد استقرارا حتى الساعة .
داعش والحملة العسكرية الدولية للقضاء عليه
تحالف المتحالفون من عرب وغربيين بزعامة الولايات المتحدة واتفقوا على القضاء على شر مستطير اسمه تنظيم الدولة الاسلامية وباقي التنظيمات الاسلامية المتطرفة. اختلفت اهداف ونوايا المتحالفين من محاربة ما يسمى بالارهاب والقضاء عليه ، فامريكا لديها مصالحها الخاصة واولوياتها من شن الحرب والغربيون لديهم نفس الهاجس مع خشية من عواقب عودة مواطنيهم المنخرطين مع التنظيمات المتشددة في العراق وسوريا الى بلدانهم وما يمثله من مخاطر لايمكن التكهن بتداعياتها على بلدانهم اما العرب المشاركون او الداعمون للحرب فلا ناقة لهم ولاجمل فهم يشاركون باوامر امريكية ويغطون التكاليف المالية لهذه الحرب وهم مغلوبون على امرهم لان الحرب لن تستهدف غريمهم اللدود بشار الاسد بل على العكس سوف تقوي شوكته من خلال اضعاف خصومه على الارض الذين من بينهم العديد من التنظيمات الاسلامية المعروفة بشراستها في التصدي وقتال قوات النظام السوري لذا على الانظمة الخليجية ان تدفع فاتورة حرب طويلة مع بقاء بشار الاسد على رأس السلطة في سوريا رغما عن انف الرافضين له ، اللهم الا اذا تغير سيناريو الحرب في الفترة القادمة وحصلت اتفاقات وتفاهمات بين اصحاب العقد والحل ترى ضرورة استهداف الاسد في الحملة العسكرية الراهنة أسوة بتنظيم داعش وفصائل اسلامية مقاتلة اخرى غير مرغوب فيها داخل سوريا وهذا ما سيخبرنا به الزمن القادم والذي توقعه مسؤول الامن القومي في البرلمان الايراني علي لاريجاني مؤخرا عندما شكك باهداف الحملة الامريكية في المنطقة قائلا ان هدفها اسقاط حكومة دمشق. لكن عند جهينة وساسة البيت الابيض الخبر اليقين . وفي كلمة اخيرة نقول لجميع الانظمة الحاكمة في العالم على تنوع واختلاف مشاربها وبلدانها وقاراتها نقول لهم ارضوا بشعوبكم كما هي اديانهم وطوائفهم وقومياتهم واعراقهم وانصفوهم في حقوقهم وحرياتهم حتى يرضوا بكم حكاما مطاعين عليهم وتهنئوا بالسلطة الى ما شاء الله من الزمن دون خوف او هاجس من ثورة شعوبكم