18 ديسمبر، 2024 4:23 م

زلزال تركيا، ما وراء المصيبة، نفوق “فايروس القومية”

زلزال تركيا، ما وراء المصيبة، نفوق “فايروس القومية”

سنين طويلة من حقن “فايروس التعصب القومي” الذي جاء به “لورنس العرب” قبل سقوط الدولة العثمانية ومعه السيدة “بل” صانعة الملوك في عقول الشعوب من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، كسلاح يستخدم في تكتيكات ما يسمى بالحرب الباردة: “أنا عربي، أنا تركي، أنا كردي”.
أدواتهم: نظام عالمي، دكتاتوري، منحرف، يحارب الفطرة، يقوم على إدارة العالم من قِبَل الأقوياء، مسرحه رقعة شطرنج من خلال ما يسمى بالعولمة، دُماهم المتحرّكة أحزاب علمانية تم زرعها في تلك الدول، يتصدرها أناس إمّعات؛ يعيشون حياتهم على الهامش، فدعموهم بعدة وسائل، أهمها: المال، والإعلام، وبطولات هوليودية قتالية وإنسانية مفتعلة؛مستخدمين شعارات رنانة ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله خراب العقول وضياع المجتمع وذهاب الأخلاق ودمار البلاد والتبعية للغير “القومية، الهوية، الحرية، الديمقراطية، الإنسانية”، وذلك من أجل تسليط الضوء عليهم، بقصد خداع الشعوب، مستغلين سذاجة تفكير العوام، واندفاعهم العاطفي بالظواهر الخادعة، فتصدق عقولهم كون هؤلاء الإمّعات قادة، مع أنهم في حقيقتهم لا يزيدون عن كونهم دُمًى، حبالهم بأيدي صانعيهم، يحركونها كيفما شاؤوا.
فجاءت الأقدار بزلزال تركيا المدمر، الذي لم يَسبق له نظير؛ في قوته وأثره الفتاك، حتى أخذ أحدهم من هول الصدمة يصفه قائلًا: لا أستطيع أن أقول عنه إلا أنه: “كيوم القيامة”، حيث تحركت بسببه شوارع من مكانها، وخسفت الأرض في أماكن أخرى، وتشققت لعشرات الأمتار، ناهيك عن حجم الدمار والخراب الذي خلفه، والشهداء الذين قضوا، والكثير من الجرحى والمعاقين.
كل هذه المآسي كان لها وجه آخر صدم العقول المهندسة والمغذية “لفايروس القومية” حيث كان من آثار هذه المصيبة أن الأمة قد أفاقت من غفلتها، وتفطنت لمظهر هذا “الفيروس” الخادع، الذي لطالما أنفق عليه صانعوه مليارات الدولارات، عبر سنين طويلة، فوجدنا أكثر الناس تبرعًا للدولة “التركية” هم “العرب”، حتى كانت الحصيلة الأولية الرسمية لأعلى التبرعات هي:
???????? قطر: 1.6 مليار دولار
???????? الكويت: 85 مليون دولار
???????? السعودية: 86 مليون دولار
???????? الإمارات: 53 مليون دولار
ناهيك عن التبرعات الإغاثية التي قدمتها دولة العراقية والجزائر والأردن والبحرين ومصر والسودان وعمان
وبقية الدول العربية.
ولم يُقصر “الكُورد” كذلك بوقفتهم المشرفة؛ في تبرعاتهم الإغاثية، خصوصًا كُورد العراق؛ دولًا ومؤسسات، جمعيات وأفرادًا، صغارًا وكبارًا، نساءً ورجالًا، فقراء وأغنياء، الكل سهر ليلَه بكاءً على ما أصاب هذه الأمة في تركيا وسوريا، حتى وصل الحال إلى أن تأتي امرأة عراقية إلى مركز تبرعات إغاثية، وهي تصرخ وتبكي بكاء الثكلى، وتقول: لا أملك إلا عباءتي، خذوها لعلها تنفع في شيء، فتقدمها وتمشي، وطفلة عراقية تأتي بكل ما ادّخرتْه وتسلمه إلى لجنة إغاثية، وطفلة أخرى تأتي بلعبتها، وامرأة تتبرع بذهبها، وهكذا..
لقد كان من ثمار هذا البلاء أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لم تؤثر فيها حقن “فايروس القومية”، إذ وقف الجميع كأنهم جسد واحد؛ العربي والكردي والتركي، لأجل نجدة من أصيب من هذه الأمة في “تركيا وسوريا”.
فكانت الصدمة “للدولة العميقة”، فما كان منها إلا أن حرضت أتباعها على أن يحفزوا ذلك الفايروس “القومية” الملعون من جديد، واستعانوا على ذلك بآليات وطرق خبيثة أخرى، فنجد أحد أذرعهم يخرج لينادي: إن العرب السوريين يسرقون البيوت التي هدمت وهجرها أهلها بسبب الزلزال، ربما يكون قد فعل ذلك بعض أصحاب النفوس المريضة، وبغض النظر عن قوميتهم، ولكنهم شرذمة قليلون، وهذا ما أثبتته وزارة الداخلية التركية بأنهم كعدد الأصابع، وأنهم كانوا من حملة الجنسية التركية، وبعضهم ممن يحمل الجنسية السورية.
ولكن يريد أولئك المرجفون أن يغطوا الحقيقة الساطعة: أن في مقابل تلك الشرذمة كان هناك الآلاف من العرب، ممن تطوعوا لأجل الإسهام بعمليات الإنقاذ والإغاثة الإنسانية، مستشعرين بضرورة ذلك؛ وجوباً إسلامياً وإنسانياً وأخلاقياً، لا مِنّةً وتفضلًا، ناهيك عن حملات التبرعات بالدم.
وبذلك أثبتت هذه المصيبة أن نور الله هو الغالب، “لا غالب إلا الله”، وأنه لن تنطفئ جذوة ذلك النور في قلوب أمة محمد صلى الله عليه وسلم، (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) سورة الصف: ٨، وأن فطرة الله هي الغالبة، (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) سورة الروم: ٣٠. لقد جاء هذا الزلزال ليهدم المباني من جهة، ولكنه في الوقت نفسه جاء إيذاناً بهدم وهزيمة أفكار ذلك “التعصب القومي” التي طالما نهى عنه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وليوجه صرخةً أمام مخططاتهم الخبيثة الحاقدة: (إلى أنّ حقن فايروسكم “التعصب القومي” قد نفقت)، فلن ننسى أن “صلاح الدين ا لأيوبي” عراقي كوردي ولكن لم يُؤثر عنه أنه قال أنا كوردي او أنا عربي بل كل يقول أنا محمدي أنا مسلم وكذلك “عمر الخطاب” رضي الله عنه لم نسمع انه قال أنا عربي بل كان يعلنها إسلامية وكان يعتز بإسلامه و”محمد الفاتح” كان تركي من أصول عراقية من تركمان العراق ولكنه لم يقل انا تركي أو اني عراقي بل كان يقول أنا مسلم ولا غالب الا الله و”طارق بن زياد” الذي فتح بلاد الأندلس كان بربريا ولكن لم يجعلها عنوانا لرايته بل كان يعتز انه مسلم، فكل ما انفقوه لأجل تسميم عقول الشعوب لم يؤثر في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وليعلو بعد ذلك نداء الله تعالت عظمته وجلت قدرته: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) سورة الحجرات: ١٣، وليرتفع نداء الله عز وجل: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) سورة الأنبياء: ٩٢، وليتحقق حِسًّا ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
أخيراً، فالأيام دول، والمحن والشدائد مدارس قاسية، ولكنها تحمل في طياتها ثمارًا ونتائج عظيمة، فمن وراء كل محنة منحة، وخلف كل أنين وألم دفعات من الأمل، وفي الفتن تمحيص للأمم والأفراد، فهل من معتبر؟!