22 ديسمبر، 2024 7:07 م

زلازل وابتلاءات وقلاقل

زلازل وابتلاءات وقلاقل

في هزيع الليل المظلم وبينما الناس بين راقد ونائم ..بين مقيم وهائم ..بين لاه وقائم ،وقع زلزال مدمر لم يمهل أحدا حتى لارتداء ملابسه ولا لوصية أو وداع أهله ،زلزال بلغت قوته (7.2) درجة على مقياس ريختر على عمق (18.5) كلم وفقا لبي بي سي ، مستهدفا منطقة جبال الأطلس وهو الزلزال الأعنف الذي يهز المغرب منذ (100) عام بلغت شدته ما يعادل (30) قنبلة ذرية بحجم قنبلة هيروشيما بحسب أستاذ الجيوفيزياء بجامعة كوليج لندن الدكتور بيل ماكغواير، وذلك من جراء حركة الصفيحة التكتونية الإفريقية عند نقطة التقائها مع الصفيحة الأوراسية على ذمة هيئة المسح الجيولوجي الأميركية ، ما سَبَبَّ دمارا هائلا وأسفر عن سقوط الالاف بين قتيل وجريح فضلا على عشرات المفقودين والعالقين تحت الانقاض وسط تحذيرات أطلقها”مركز رصد الزلازل الأورومتوسطي” يحذر فيها السكان من مغبة العودة إلى منازلهم خشية وقوع هزات ارتدادية من شأنها التعجيل بانهيار المباني التي تصدعت وتضررت خلال الزلزال الرئيس وكما ورد في وكالات الانباء المغربية .
الحقيقة وأنا أقلب الطرف متابعا عن كثب كم الصور المروعة ، وهول المقاطع المفجعة التي تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة زيادة على مواقع التواصل الاجتماعي وقد تم التقاط معظمها بهواتف التيك توكرية واليوتيوبرية والبلوغرية والفلوغرية وما يسمى بصحفيي المواطنة وكلها تحوم في دائرة الرعب الزلزالي لتكشف حجم الدمار الكبير الذي خلفه الزلزال بعد أشهر قليلة على زلزال مماثل في كل من تركيا وسوريا، استدعيت الى ذاكرتي ما سبق للامام الموسوعي جلال الدين السيوطي ، وله كتاب بعنوان ” كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة ” أن وصف به الخراب الذي خلفه أحد الزلازل قائلا في بعض ما جاء فيه “كثر الويل والعويل، ولم ينجُ من الناس إلا القليل، والناس حيارى على الزائل، سكارى من الهول الهائل، والأرض تمرغ وتميد، وليس عما قضاه الله محيد” .
ولعل أشد ما لفت انتباهي من جملة ما يتم تداوله وتناقله حاليا نقاط عدة، أولاها ما يسمى بـ” أضواء الزلازل ” أو ” برق الزلازل ” أو ” الوميض الازرق” الذي ظهر في السماء قبيل وقوع زلزال المغرب تماما كما ظهر في زلزال تركيا وسبق ظهوره في زلازل الصين وإيطاليا والمكسيك ما شجع مدمني نظرية المؤامرة على نسبته الى “مشروع الهارب”الامريكي السري المعروف اختصارا بـ “H.A.A.R.P” أو برنامج الشفق القطبي النشط عالي التردد ، فيما خفف عشاق “نظرية المغامرة “وأعني بها “المغامرة العلمية”وبخلاف أقرانهم من عشاق المؤامرة من حماسهم الجيو – السياسي عازين الظاهرة الى نتائج دراسة علمية كان قد أجراها عالم الفيزياء الفلكية بمركز أبحاث أميس الدكتور”فريدمان فرويند” بعد تحليله لنمط العديد من الاضواء الزلزالية السابقة ليخرج لنا بنتائج تفيد بأن”تنشيط الشحنات الكهربائية في صخور البازلت والغابرو نتيجة الضغط التكتوني ينتج عنها موجات كهربائية وتفكك ذرات الأوكسجين لتشع ألوانا وبما يعرف بأضواء الزلازل أو (EQL) ، ليظهر لنا عشاق “نظرية الجدال والمراء والمناظرة “وأعني بهم “أولئك الذين يتخيرون التفسيرات الأكثر سهولة، وينتقون التعليلات والتبريرات الأشد سطحية بعد أن يصابوا بالاعياء الذهني والنفسي الشديد الناجم عن اسهال المناظرات ، وطوفان المسامرات ، وسيول النقاشات ، وتسونامي الجدالات ليناموا في ختامها على وسادة فرضيات سطحية جدا الا انها مريحة لهم جدا جدا ومن بينها تلك التي نشرها موقع “جامعة كولومبيا الوطنية” نقلا عن بعض الفيزيائيين تفيد بأن ظاهرة الضوء الأزرق لها ارتباط وثيق باهتزاز خطوط ومحولات وكابلات الكهرباء نتيجة الهزات الارضية !!
أما ثانيها فهي ولاشك توقعات العالم الهولندي ” فرانك هوغربيتس” والذي سبق له أن نشرها قبيل وقوع زلزال المغرب بأيام قليلة وهو ذات الشخص الذي كان قد أطلق توقعات مماثلة قبيل زلزال تركيا وسوريا بثلاثة ايام فقط لاغير ، ولهذا الهولندي المثير للجدل وأحيانا للدجل و الذي باتت طلته المشؤومة ، وتغريداته الملغومة مثارا للرعب والقلق في أرجاء المعمورة ، فهذا الشخص مؤمن بنظرية علمية يعارضها كثير من العلماء تفترض بأن تموضع الكواكب بطريقة معينة بالتزامن مع اضطرابات الغلاف الجوي وأحيانا عند اكتمال القمر بإمكانها أن تحدث ضغطا أو تكثيفا جذبيا أرضيا يؤدي الى تحرك الصفائح التكتونية وحدوث الزلازل، أما ثالثها فتتربع في صدارتها “الوسائل المبتكرة لإنقاذ الضحايا والبحث عن المفقودين “وبما يفتقر اليه معظم الدول العربية التي تنفق على السلاح – الخردة – اكثر من انفاقها على الصحة والتعليم والخدمات والصناعة والزراعة ،ورابعها” الهندسة اليابانية المقاومة للزلازل”والتي لن تبتكر دول العشوائيات والاكواخ والخيام والكرفانات والمدارس والمنازل الطينية ما يناظرها قطعا وتحت شعار”المبلل ما يخاف من المطر” لأن الكرفانات والعشوائيات والبيوت الطينية والخيام وأحياء الصفيح وإن وقع أشد الزلازل تدميرا على سطح الكوكب فلن يؤذي سكانيها وبالتالي “فإن المسؤول الفاسد ..المختلس ..المرتشي …المقصر ..المتحزب ..المنافق …الذيل لدول اجنبية ..الذنب لدول اقليمية ، سيضع في بطنه بطيخة صيفي وأخاله سيستخدم البيوت الطينية والكرفانية وخيام النازحين دعاية سياسية له ولحزبه في حملتهما الانتخابية القادمة باعتبار أن عشوائيات الفقراء وخيام النازحين كانت السبب الرئيس في تقليل الخسائر المادية والبشرية وانقاذهم من موت محقق ومن مخاطر الزلازل والهزات وعلى الفقراء والمعوزين والمحرومين أن يقدموا فروض الطاعة والولاء لينتخبوا من حرمهم من سكن – مال أوادم – في أرض من الذهب لأن بيوت الصفيح العراقية والعربية توازي في فوائدها ” هندسة الابنية المقاومة للزلازل اليابانية ” ولاسيما لإسهامها بتقليل الخسائر !!
الملاحظ أنه وخلال السنين القليلة الماضية فجع العالم بكثرة وتتابع الكوارث البيئية والمناخية وبالطقس المتطرف ولا يكاد العالم يغفو على كارثة حتى يصحو على وقع آخرى وأبشعها الزلازل والهزات الارتدادية نتيجة لحركة الصفائح التكتونية وبسبب إجراء المزيد والمزيد من التجارب النووية في قاع البحار وتحت الارض ضمن سباق التسلح النووي ، اضافة الى حفر المناجم والأنفاق وبناء السدود العملاقة وكلها بحسب خبراء الجيولوجيا تعد بمثابة عوامل مساعدة وممهدة لوقوع الزلازل المدمرة والتي يقع أكثر من 80 % منها بمنطقة (الحزام الناري) قرب المحيط الهادئ بحسب المعهد الجيولوجي البريطاني ،وضمن نطاق المنطقة الزلزالية الثانية المعرضة لـ 17% من الزلازل والمتمثلة بـ( الحزام الألبي )، وسبق للبرنامج العالمي لتقييم المخاطر الزلزالية أن قدم مشروعًا برعاية الأمم المتحدة قسم بموجبه الكرة الأرضية إلى 20 منطقة لتحذير الدول من مخاطر الزلازل المحتملة وخلص الى أن قارة إفريقيا وشمال اوربا وأستراليا والقطب الجنوبي تعد الأضعف زلزاليا خلافا لمناطق اليابان وآسيا الوسطى وشرق البحر الأسود والكاريبي .
أما عن الصفائح التكتونية فهناك تسع صفائح رئيسة أكبرها صفيحة المحيط الهادئ تليها صفيحة أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية و الأوراسية والأفريقية وأنتارتيكا والهندية والأسترالية زيادة على الهندية – الأسترالية وهذه الصفائح تتصادم مع بعضها نتيجة انصهار المعادن والصخور من تحتها في وقت لايمكن التنبوء بتوقيتات الزلازل والتي عادة ما تعقبها هزات أرضية ارتدادية وحدوث تصدعات وانهيارات ارضية وموجات (تسونامي ) في حال حدوث الزلازل في قاع البحر .
ولأن احتمال العثور على أحياء بعد مرور أكثر من أسبوعين يعد “شديد الندرة” بحسب منظمة أطباء بلا حدود ، فإن فرق الدفاع المدني تتسابق لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأحياء قبل فوات الآوان و تعد وسائل الـ (فيبرا سكوب) و(أجهزة الاستشعار الزلزالي) و(كاميرات البحث ) وأجهزة (التصوير الحراري) و(معدات الصوت) وأجهزة الكشف عن( ثاني أكسيد الكربون) من ابرز التقنيات والابتكارات المستخدمة للبحث عن العالقين والمفقودين تحت الانقاض بحسب وكالة سبوتنيك الروسية ، اضافة الى تقنية (فايندر) التي أطلقتها وكالة الفضاء الأمريكية ( ناسا ) والمسيرات المزودة بنظام قياس معدلات ضربات القلب والجهاز التنفسي للعالقين تحت الانقاض بغية انقاذهم ، لتأتي فرق الكلاب البوليسية المزود بنظام الـ (GPS) كإحدى وسائل البحث المهمة ويعد فريق الكلاب التشيلي والمكسيكي الاشهر في هذا المضمار ، فيما برزت مؤخرا تقنية (الافعى الروبوت ) المزودة بأجهزة استشعار الكترونية طورها باحثون يابانيون لصعود السلالم المنهارة والتنقل خلال المساحات الضيقة !
فاجعة زلزال (كانتو الكبير) في اليابان والذي بلغت قوته 7.9 درجات عام 1923 ما تسبب بمقتل 140 ألف ياباني دفع اليابانيين لتطوير طرق بناء وابتكار تصاميم هندسية فريدة من نوعها لمواجهة الزلازل والهزات الارضية حيث تتمتع المباني بفعلها ولو كانت ناطحات سحاب بقدرة فائقة للتمايل مع الهزات من دون تعرضها للضرر أو التصدع والانهيار نتيجة اعتمادها على طبقات من الرصاص والفولاذ والمطاط تعمل على عزل المبنى عن الارض مع اعتماد المتانة الفائقة في بناء الهياكل والجدران وفقا لمهندس الانشاءات الياباني (جن ساتو).
وشكرا من القلب لـ” بلد الـ 6 ملايين شهيد ” ولا اقول ” بلد المليون شهيد ” كما يروج له في مناهجنا الدراسية للتخفيف من حدة الصدمة التاريخية ، ومن شدة العصف الذهني السياسي ، لأن المليون شهيد هو ما ارتقى من الشهداء فقط في فترة حكم ديغول ، وحكومة فيشي العميلة للنازيين ، اما اعداد الشهداء الحقيقي ممن ارتقوا بين تموز 1830 م وتموز 1962م وهي الفترة التي احتلت فيها فرنسا الجزائر بذريعة ” حادثة المروحة ” ، أقول شكرا للجزائر التي فتحت أجواءها مع المغرب ووضعت كل إمكاناتها تحت تصرف الحكومة المغربية برغم الخلاف السياسي بينهما وبذلك تكون الجزائر قد فوتت الفرصة على المتصيدين بالماء العكر ممن حاولوا تأجيج الخلافات ودق اسفينها بين البلدين الجارين والشعبين الشقيقين ولاسيما تلك القنوات الخبيثة التي حاولت صب الزيت على النار بقضية مقتل سائحين اثنين يحملان الجنسيتين المغربية والفرنسية بعد دخولهما المياه الاقليمية الجزائرية بـ الخطأ بحسب المعلن …
وصلى الله على سيدنا محمد القائل ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، ويَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وتَظْهَرَ الفِتَنُ، ويَكْثُرَ الهَرْجُ – وهو القَتْلُ القَتْلُ – حتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضَ) ومعنى قبض العلم = قبض العلماء ، وأما تقارب الزمان = نزع البركة من الوقت ، ومعنى الفتن = كثرة الابتلاءات .
فقلي بربك هل بقي مما حذرنا منه رسول الحق، وحبيب الخلق ﷺ الذي لاينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى ، شيء لم يقع ولم يحدث حتى الان ؟!