8 أبريل، 2024 6:38 م
Search
Close this search box.

زقّوم .. عفواً سحور سياسي

Facebook
Twitter
LinkedIn

إنتهى ليل الأربعاء , صباح الخمس 8 آب 2013 م برنامج ( سحور سياسي ) الذي تعرضه قناة البغداديّة منذ أربع سنوات , خلال شهر رمضان المبارك بنجاح منقطع النظير . في هذه المقالة سنتعامل بحِرَفيّة صحفيّة لتقييم المحطّة والبرنامج والضيوف والمقدِّم , ونعرض وجهة نظرنا بشأنها جميعا , ولكن باختصار ربما يكون مخِلاًّ غير وافٍ على رغم طول المقال .

المحطة :
تُعدُّ قناة البغدادية الفضائية إحدى أهم وأبرز وأشهر قناة فضائية عراقية وأكثرها إستقلالية , وتحظى بنسبة مشاهدة عالية بين العراقيين مقارنة بغيرها من القنوات . أسسها تاجر عراقي كبير , هو السيد عون حسين الخشلوك من محافظة الناصرية , لديه إستثمارات واسعة في دول عدة . يُغدِق على قناته الملايين سنويا كجزء مخصص من أرباح تجارته , وهو لا يعتمد على التمويل الدولي – كالأميركي مثلا – ولا على الإعلانات التجارية والسياسية , التي تعتمد عليها نظيراتها من المحطات المنافسة .
تُصنَّف البغدادية كقناة معارضة بامتياز للحكومة , وليست مؤيدة لها . ولو أردنا أن نحدد , أو نعدد القنوات المعارضة في سماء الإعلام العراقي , فلن نجد قناةً أخرى غير ( الشرقية ) تشترك مع البغدادية في أدائها الإعلامي المعارض . بينما سائر القنوات الأخرى , هي إما مؤيدة للحكومة تأييداً مطلقاً , أو جزئياً , ولا يمكن تصنيفها ووضعها في خانة المعارضة مطلقاً , حتى وإن كانت تتبع الخصوم السياسيين , كون هؤلاء حكومة أيضا .
تعتبر قناة البغدادية قناة عراقيّة خالصة , لا تمتلك أجندة خارجية , بينما معظم القنوات الأخرى ( وليست كلها ) المؤيدة للسلطة هي قنوات أجنبية لا علاقة لها بالعراق – وإن إتخذت من العراق مركزاً لبثِّها – كونها تمثِّل سياسة دول أجنبية لها مصالح بالعراق , لا يهمها العراق إن إحترق , أو مات شعبها .
تعترض البغدادية نواقص عدّة , وهي تحتاج إلى مكملات كثيرة , منها على سبيل المثال نذكر أمرين مهمين هنا , لكي يرتقي أداؤها الإعلامي بشكل أفضل .
الأول : تحتاج إلى بعض الإعلاميين المحترفين المتمكنين من المفردة والثقافة العربية , لغةً ونحواً ونطقاً وأداءً , ولا يهم ما إذا كانوا عراقيين أم عرباً . المهم أن يتمتعوا بسرعة بديهة ولباقة وإلمام بالشأن العراقي , أو الشأن الذي تعالجه القناة .
الثاني : تحتاج إلى عمل أفلام تلفزيونية ( بهيئة تقارير لا تمثيل ) تصوّرها وتنتجها وتخرجها القناة , كل فيلم حول موضوع محدد وقصة معينة , بحيث تُجري المقابلات مع المعنيين , وتصوّر المشاهد واللقطات , وتقدّم للمشاهِد بحثاً تلفزيونياً موّثقاً ومصوّراً .

البرنامج :
 يعتبر برنامج ( سحور سياسي ) أحد أهم البرامج السياسية في القنوات الفضائية العراقية التي تُبَثُّ خلال الشهر الفضيل , فهو يستقطب معظم المشاهدين العراقيين , ويبث في وقت ملائم بعد منتصف الليل من كل يوم , بحيث يكون أغلب العراقيين جالسين في بيوتهم أمام الشاشات .
يمتاز البرنامج بالحيوية والمكاشفة والمواجهة الصاخبة وغلبة الطابع الساخر والشعبي عليه , والأهم من هذا كله إنه يعرض تساؤلات الشارع العراقي على ضيوفه . الغاية من كل البرنامج هي إيصال سلبيات السياسيين والمسؤولين الحكوميين إلى الناس , من دون الحديث عن أية إيجابية , فتلك كفيلة بها برامج أخرى تماما .
ليس هذا البرنامج هو الأول من نوعه في العالم , بل هو ربما تقليد لأخرى , فقد سبقته برامج شبيهة في محطات عالمية أخرى , وإن إختلفت لغةً وأداءً , لكنها نَحَت النحو ذاته .
خذوا مثلاً برنامج ( لاري كنغ لايف ) الذي ظلّ يُبَثُّ منذ عام 1985 م حتى عام 2010 م عبر محطة السي أن أن الأميركية . كان برنامجاً يومياً ولمدة ساعة . قابل هذا البرنامج المشاهير في العالم وواجههم مقدِّمه لاري كنغ بأسئلة مدوّية . في حلقته الأخيرة فاجأ الرئيسان الأميركيان باراك أوباما وبيل كلنتون الجمهور , ودخلا على لاري كنغ ليشكرانه على أدائه الإعلامي , وما قدّمه للقناة الأميركية وأميركا . ورث هذا البرنامج المهم ( بييرز مورغن تونايت ) وكانت أول ضيفة فيه مطلع العام 2011 م هي أوفرا ونفري , لكي تحافظ المحطة على إدامة البرنامج وحيويته .
مثله أيضا برنامج ( هارد تولك ) الذي تبثه البي بي سي البريطانية , بمعدل أربع مرات في الأسبوع ولمدة 24 دقيقة في كل حلقة . ظلّ يقدمه منذ عام 1997 م وحتى 2006 م ( تيم سبستيان ) إلى أن ورثه ( ستيفن ساكور ) . وقد إستقبل البرنامج الرؤساء جورج بوش وبيل كلنتون وبرويز مشرّف وغيرهم .
بيد أن هذين البرنامجين الشهيرين ( الأميركي والبريطاني ) إستقبلا ضيوفاً غير أميركيين ولا بريطانيين , بخلاف سحور سياسي الذي إقتصر حتى الآن على العراقيين فقط .. الأمر الذي سيستمر عليه كما يبدو .

الضيوف :
لعل أحدى أهم المشكلات والعوائق التي تواجه المحطات المحترمة , هي مشكلة إختيار الضيوف لسائر برامجها التلفزيونية , كونها مهمة صعبة , ولها حسابات سياسية وإعلامية دقيقة . وقد يتصور قليلو الخبرة والمهنية , بأن الظهور الإعلامي المكثّف لشخص ما , قد يجعل منه نجماً تلفزيونياً لامعاً ومطلوباً لدى المشاهدين . هؤلاء على وهْمٍ كبير , وهم لا يدركون بأن الإعلام سيف ذو حدّين , فهو مثلما يرفع البعض إلى العُلى والنجومية , قد ينزله إلى الحضيض والدَرَك الأسفل من المكانة في المجتمع .
 وقد حصل مثل هذا الأمر عندنا في العراق , لأشخاص كانوا في زمن صدّام يعبرون الرصيف هرولةً إلى الرصيف المقابل , هربا من كاميرا شمسية ينصبها هاوٍ أو محترف , خشية أن يلتقط لهم صورة عابرة .. ولكن بمجرد أن سقط صدّام ورحل نظامه , صار هؤلاء المتخفّون المتوارون زوّاراً وضيوفاً دائميين ثقيلين على المحطات الفضائية المبتدئة والمؤسسة حديثا , من تلك التي ليس لديها أية خبرة في الإعلام والصناعة الإعلامية . وبمرور الزمن كشفوا لنا ( المحطات وضيوفها ) عن بؤس وتفاهة وفراغ ثقافي وسياسي وفكري ومهني يعتري الجميع , فتساقطوا وتساقطت معهم محطاتهم تباعا .
في هذا السياق بدأ ( سحور سياسي ) بضيوف رسميين ( بعضهم سابقين ) مسؤولين في الدولة في موسمه الأول عام 2010 م , وقد إستطاع هؤلاء للأسف أن يمرروا الكثير من الأكاذيب والمزاعم والإدعاءات من دون أن تُرَدَّ إلى نحورهم . كما كرمتهم المحطة بوجبة زقوم كسحور , ونسخ من القرآن الكريم . ولكن منذ موسمه الثاني ( 2011 م ) صار يبحث عن آخرين , مناوئين للسلطة أو لديهم مؤاخذات وانتقادات لها , أو في أبسط تقدير هم جزء منها , لكنهم يحاولون التبرؤ منها ومن أفعالها !
يعتقد بعض الضيوف في نفسه واهما , بأنه يستطيع التغلّب على مقدِّم البرنامج , ذلك بعد أن يقبل التحدي للظهور فيه , من خلال قدرته على إختلاق الأكاذيب والإدعاءات , وتضليله وإنكاره لجملة من الحقائق والإدانات التي تنال منه ومن عمله أو عمل كتلته السياسية . يعتقد بأنه لبق بما فيه الكفاية وذكي وخبير ومحنّك . هذا المسكين لا يدري بأنه تافه وساذج ووضيع إلى درجة يستثير عطف المشاهد عليه , وهو لا يعلم مطلقا بأن تصريحاته وأقواله ستستخدم مستقبلاً ضده في برامج تسجيلية وأفلام تلفزيونية , تعرّيه وتعرّي حزبه وكيانه الذي يعمل فيه .
لا نقصد من هذا القول تخويف الضيوف من الظهور في البرنامج , بقدر تشجيعهم وحثهم على الظهور فيه , للإدلاء بآرائهم وشهاداتهم بصدق على ما جرى ويجري في العراق . نعم نقدِّر أن عدداً منهم يتهيّب الإطلالة من خلاله , تجنباً للأسئلة المحرجة والجارحة التي تمسُّ شخصه أو تنال من كرامته وسمعته . ولكن هذا العدد لا يدرك حجم الإهتمام الإعلامي والسياسي الذي يحظى به هذا البرنامج .
على قناة البغدادية أن ترصد وتشخِّص وتحدد – منذ الآن – الشخصيات التي من الممكن إستضافتها في ( سحور سياسي ) للعام القادم إن شاء الله , ذلك من خلال مراقبة أدائها الإعلامي والسياسي , وحظوتها وصدقيَّتها لدى الشارع العراقي , ووعيها وعمقها الفكري والثقافي في الساحة العراقيّة .. وليس تقديم شخصيات هزيلة وتافهة , طارئة على العمل السياسي والثقافي والإعلامي وسائر الأصعدة الأخرى , لا تملك أي تاريخ أو بصمة في مسيرة العراق .

مقدِّم البرنامج :
وصف أحد الإعلاميين السيد مقدِّم البرنامج ( عماد العبادي ) بأنه صاروخ مدّمِر غير موّجه , لا تدري أين ينفجر ! بينما نصفه نحن بأنه راجمة صواريخ موّجهة وموّقتة ضد الضيف , جاهزة دوما للضغط على الأزرار وإطلاق الصواريخ وتفجيرها , ليس مهماً متى وأين , بل المهم لماذا ؟ فلدى عماد أكثر من مائة سؤال معدَّة للضيف , مع تاريخ لحياته , كتبه أعداؤه وخصومه فضلاً عن أجهزة النظام السابق , من إستخباريّة وأمنيّة ومخابراتيّة , وهو يستبعد تماماً كل إشادة أو مديح أو كتابة بأيدي أصدقاء أو منصفين لضيف البرنامج .
عماد العبادي لا يسمع ما يقوله ضيفه , لأنه لا يهمه ما يقوله أصلاً , بل المهم عنده في البرنامج سؤاله هو نفسه , والدليل إنه يقاطع ضيفه ويوقفه حينما يريد أن يقول شيئاً مهماً , في حين يدعه يسترسل في الهراء والكلام الفارغ من دون أيّة فائدة .. حتى هذه اللحظة نحن لا نلوم عمادا ولا ننتقده , إنما نصفه ونقيّمُ أداءه الإعلامي كمراقبين , وقد إستبعدنا علاقتنا الشخصية به وصداقتنا ومحبتنا له تماماً من هذا التقييم .
لذا فإنّ الإقتراح هنا , هو يجب أن يكون هناك مراقب سياسي محترف وخبير , أو فريق من المراقبين , يجلسون متفرغين ومتنبهين إلى ما يقوله الضيف , ليضبطوا مداخلات عماد واعتراضاته , ينبهونه متى يدع الضيف يسترسل ومتى يوقفه . وإلاّ بعكسه ستفوتنا الكثير من المعلومات والآراء المهمة , وسنستمع في الوقت ذاته إلى الكثير من الهراء واللغو والهذيان .
قد يحلو للبعض أن يصف عماد العبادي بالبساطة أو السذاجة , بيد أنّ رأينا فيه من ناحية إعلامية , وليست شخصية , إنه بسيط إجتماعياً , ولكنه ليس بسيطاً إعلامياً ولا ساذجاً . كما إنه ذكيُّ , لكنه يضيِّع ذكاءه بإنشغاله بالسؤال التالي , الذي يريد أن يصعقَ به ضيفه , إذ ينطلق من إسلوب إعلامي – معروف عالمياً – هو طريقة تشتيت ذهن الضيف لتحطيم حالته النفسيّة , وبالتالي السيطرة عليه كلياً , ومن ثم سهولة التحكّم به وقيادته إلى حيث يشاء المقدِّم أو المحطّة .
لمقدِّم البرنامج أسلوب لم يعد غامضاً أو مضلِّلاً لأحد , وهو أسلوب مخالفة الضيف في كل ما يقوله , حقاً كان أم باطلاً . وهو لا يهمه إن إتهمه أحد بالطائفية أو العنصرية , فالمهم أن يختلف مع ضيفه , لا أن يتفق معه . فإن مَدَحَ الضيف الحكومة أساء لها عماد , وإن أساء لها الضيف دافع عنها عماد . وعلى الضيف أن يفهم مسبقاً حين يترجاه مقدِّم البرنامج بأن لا يسيء إلى أحد , فإنه يريد منه أن يلعن أجداده .. بيد إن الأمر هنا سيكون بيد الضيف إن شاء إستمر , وهو ما يُسِرُّ عمادا , وإن شاء توّقف , الأمر الذي سيجعل عمادا يعود إلى تحريضه على ذلك الأحد .. إذا كانت هذه هي رسالة البرنامج ومقدِّمه , فالسؤال هو : ما هي رسالة الضيف التي يريد إيصالها إلى جمهوره ؟
قد يأخذ البعض على عماد محدوديّة الثقافة , أو إستخدامه للهجة العاميّة وبعض المفردات النشاز , أو ضحكه , أو سخريته من الضيف , ولا يفهم هذا البعض بأن هذا هو المطلوب من البرنامج . وعلى الضيف أن يدرك ذلك مسبقا , ويجنِّب نفسه الحديث بثقافة , أو بلغة راقية أمام عماد , فتلك لها برامجها الأخرى , فغاية ( سحور سياسي ) هي أن يطعمك زقّوما .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب