حكاية من زمن العجايز
هي بحاجة لأن تعبر صوب الأمن والأمان ، لم تكن تدرك أن الشر يجري خلفها كالحصان الجامح ، حاولت أن تجمع قواها للحيلولة دون وقوعها في هاوية الجزع القاتل .. ربما فشلت في الاستحواذ على رضا اهلها وأقاربها للفوز بالشاب الوسيم الذي تقدم لخطبتها صحبة أهله وأقاربه ومعهم وجهاء القوم وسادتهم ( لا أقصد المعممين فهم شر مستطير ومنشار لن يشبع من اللغف المستمر ) إنما أقصد الطيبين الذين لا يأخذون ثمنا جراء القيام بأعمال خيرية أو إنسانية خلافا لأولئك الجشعين الذين سيقولون لك : ( حصتي شكد ؟ ) ..
عبثا حاولت ( سهيلة ) المزيونة الفرار من رغبة أبيها الرامية الى تزويجها من ( زاير شنيور ابو لحية ) هكذا يسمون ذلك العجوز الغني الذي لا يشبع من النساء رغم بلوغه ( سن اليأس ) والفشل المستمر في الحصول على حركة واحدة من إنبوبه المتهدل الذي يشبه خرقة مبللة بالماء حسبما يقول ولده محيسن الذي يبلغ من العمر 47 عاما بالتمام والكمال !! .. مرت الايام حبلى باحداث جسام مابرحت تطرق خيال سهيلة المزيونة إذ أنها تحلم حلما مشروعا مع فارس الأحلام ( عباس ) الذي يعمل سائقا لسيارة الاسعاف الوحيدة في قريتهم الواقعة في أطراف مدينة الكحلاء بمحافظة ميسان . كان الاتصال الوحيد بين سهيلة وعباس هو ( نغيمش ) ذلك الولد الطماع – الذي يسمونه الطارش – إذ إنه لن يوصل رسالة ما إلا بعد أن يعطونه ( عانه ) يشتري بها ( الجامد ) ومن ثم يقوم بأيصال الرسائل الغرامية بين الطرفين ، حاول عباس الاستغناء عن نغيمش لكن دون جدوى ، فعصبية الأب حالت بينه وبين رغبته في لقاء حبيبته بشكل مباشر .. فأضطر الى الانصياع لرغبة نغيمش الذي ليس له بديل وهو يكاد أن يكون الصبي الوحيد الذي يثقون به دون بقية الصبية ..
ذات يوم ممطر وبارد جدا بعث عباس الى نغيمش ليوصل رسالة الى سهيلة المزيونة ـ وبعد تمنع وتردد طلب نغيمش 10 فلوس ثمنا لأيصال الرسالة ذلك أن الدنيا تمطر وباردة جدا .. على الفور وافق عباس على الطلب ، كانت الخطة التي وضعها عباس هي الهروب مع حبيبته صوب بغداد من اجل الزواج بعد أن باءت محاولاته لأقناع أبيها بالفشل الذريع وبالعناد القاتل .. ذهب الصبي الى دار ابي سهيلة فطرق الباب طرقا شديدا أفزع كل من كان في الدار .. خرج ابو سهيلة بوجه عبوس وفتح الباب فرآى نغيمش مبتلا بالماء وحالته تشبه حال ( السدانه بالماي ) .. ها ولك شتريد بها الليل ؟ عمو أريد سهيلة !!! .. شتريد منها ؟ أنت شعليك ـ عندي شغل وياها ! .. شم ابو سهيلة رائحة مؤامرة قد حيكت وهو لايدري ، وبما أن ابا سهيلة يعرف طمع نغيمش .. أدخله الى الدار واعطاه تمرا ولبنا وقال له : أعطيك درهم لو أخبرتني ماذا تريد من سهيلة .. درهم أنه مبلغ كبير جدا ، فكر نغيمش بالعرض المغري وسرعان ما أجاب طلبه لكنه اشترط التسليم أولا !! ؛ أخرج الرجل درهما من جيبه فأعطاه أياه … ها نغيمش سولف ! قال نغيمش أحمل رسالة من عباس الى سهيلة !! ( كانت سهيلة تراقب اباها وهو يتحدث مع الطارش ، صكت وجهها وقالت : أويلي عليه وعلى الخلفوني يا فضيحة الفضيحة ) .. عادت المسكينة الى غرفتها دون أن تدري ماذا تفعل ، فأنتظرت حظها وعما يسفره مع ابيها الذي لا يرحم ..
بعد إطلاع الاب على رسالة عباس ارسل له ( كوامه ) طالبا منه الحضور لأخذ ( عطوه ) فشاح بوجهه صوب غرفة سهيلة حاملا معه قامة يريد ذبح إبنته من الوريد الى الوريد لأنها إرتكبت ذنبا لاتمحوه توبة حسبما يراه !.. فطنت الحاجة ( زورية ) الى زوجها فحالت بينه وبين أبنتها فقالت له : دعك من الفضائح وأرسل بطلب شنيور ابو لحية وزوجها له من دون شوشرة .. أستراح الأب لهذا الحل .. وفي الصباح بعث بطارش الى زاير شنيور معلنا قبوله بزواج إبنته سهيله منه وطلب منه التقدم حسب الاصول ! .. فرح شنيور بالخبر السعيد فجمع أقاربه ليذهبوا لخطبة سهيلة … تم الامر بسهولة تامه أعقبه عقد قران قام به السيد محمد الدنيناوي وهو بمثابة المأذون الشرعي لتلك القرية .. حانت ساعة الحقيقة .. فما الذي ستفعله المسكينة سهيله ؟ لم يكن لها خيار سوى التسليم والأذعان خوفا من ذبحها كما تذبح النعاج ! .
في ليلة الزفة دخل شنيور على عروسه فرآها كالبدر المنير فلم يصدق ما تراه عيناه من سحر وجمال ودلال وجسم يحاكي النرجس في غضاضته وجماله ونقائه .. إقترب منها فرفع البرقع عن وجهها فإذا به يصاب بالجنون من شدة وضاءة وجهها المستدير وتلك الشامة التي تزين خدها الايمن كأنه نقطة من عنبر على صحن مرمر !!! أراد أن يقبلها فأبت ، حاول ثانية فأبت أيضا .. فقام بجذبها عنوة فطبع قبلة على خدها .. أصيبت سهيلة بالغثيان سيما وأن رائحة فم شنيور تشبه روائح الموتى في القبور ، فأذا بها تقع مغشية عليها .. إحتار شنيور في هذه المصيبة ولا يدري كيف سيتصرف ذلك انه ( يستحي ) أن يقال عنه مالا يسره .. بعد هنيهة أخذته سنة من النوم فانخمد حتى صباح اليوم التالي ولم يغادر غرفته البتة .. وحين رأته سهيلة قالت له : أخرج من هنا والا حرقت نفسي !! ههههههه ضحك زاير شنيور ضحكة صفراء فقال لها : البارحة خلصتي مني اليوم شلون ؟ خرج بعدها قائلا حضري روحج انه اجي الظهر !!
سمعت البنات من صويحبات سهيله فهرعن الى دار شنيور لتهنئتها بالزواج الميمون .. فدار بينهن الحديث الاتي :
*رباب : شلونج سهيلة .. عالخير والبركة
سهيلة ساكتة
فتحية : شكول يا سهيلة الله يعينج على هالخنزير !! بكت سهيلة فأنشدت شعرا قالت فيه :
زفوني بجماغات للبرد حيله … حبني ودمرني تفال من وره الشيله !!!
فتحية ( وهي الأخرى زوجوها بشيخ طاعن ) ياخيه رجلي وياج للسوك وديه … بوجية تمر بيعيه بالج ترديه
رباب : ياخيه رجلج زين يجيب الوجيه …. رجلي بعته بثلث فردات ردوه عليه !!!
وتبقى سهيلة تئن من وجعها مع ذلك الخرف المولع بالنساء دون أن تكون له القدرة على أعطائهن ما يستحقن من رعاية زوجية ، فهو عبارة عن بغل يملك المال ليس إلا … دعوة للآباء في التريث والتعقل والانسانية قبل كل شئ وتذكروا إن العرق دساس … ها شلوني ؟