.
سقط نظام البعث في العراق، وقد تحررت كركوك يوم 10 نيسان من عام 2003. دخلت القوات الامريكية مصحوبة بأناس كانوا يعملون في المعارضة العراقية قبل هذا التاريخ.
خرجنا نحن الشعب العراقي الى الشوارع مرحبين بهم ومباركين بمقدمهم. شهدت الشوارع زحاماً شديداً والتفافاً حولهم فهم من سيهبون الحياة لنا. هم من سيخرجوننا من الظلمات العهد المنصرم إلى نور العهد الجديد، وهم البوابة الرئيسية التي منها سندخل الى العالم المرفه. نظرتنا إلى هؤلاء القادمين من المعارضة العراقية لا توصف ونحن نعتبرهم كالنازلين من السماء. كان الناس يتفاخرون بأن أحد أقربائهم كان يعمل ضمن تشكيلة المعارضة العراقية وهو اليوم في كركوك، بل ويبقى في بيتهم أيضاً. ومن الناس من يحاول إيجاد صلة قرابة وإن كان الخيط الذي يربطهم بهؤلاء خيطاً رفيعاً، لكنه ليمشي خلفه ويتباهى به بين الملأ.
كنا نميز هؤلاء القادمين من بين العامة بسهولةً. ففي زمن لم نكن قد تعرفنا فيه بعد على الهواتف المحمولة، كان هؤلاء المنزلين يحملون هواتف كبيرة له هوائي (اريل) كبير. وهم يمشون بين الناس متمخترين وكأنهم يخرقون الأرض ويبلغون الجبال طولاً، والكل يتمنى إلقاء التحية عليهم. هذا الهاتف الكبير كان يسمى بـ(ثريا). هاتف يتصل بالقمر الصناعي مباشرة ويمكن أن تتحدث بواسطته مع أي شخص في أية بقعة على كوكب الأرض. شاهدت عوائل تنتظر على قارعة الطريق قدوم مسؤول من معارضي الحكومة السابقة وهو يحمل الـ(ثريا) ليرجوه، عسى ولعل أن يسمح لهم بإستخدام هاتفه الـ(ثريا) السحري وليجري إتصالاُ هاتفياً مع أحد أبنائهم ممن قد هرب إلى الخارج في أيام بطش النظام. شاهدت أمهات وهن تتحدثن مع أبنائهن بلهفة الولهان بعد إنقطاع طويل وهم يقولون له “إطمئن يا بني فنحن بخير”. وكل هذا بفضل صاحب الـ(الثريا).
النظرة إلى حاملي الـ(ثريا) يفوق الوصف بالكلمات. الكل يمشي خلفهم دون همس ودون أن يرفع أحدهم رأسه في أعينهم. الكل يجهد للحصول على رضا حامل الـ(ثريا) ومجاملته مهما كان الثمن. فحامل الـ(ثريا) بإستطاعته أن يهب الكثير لنا فهو القادم من ذاك المكان المبارك وبيده مفاتيح كل شيء. له أن يرسل من يريد إلى الخارج في دورة تعليمية ما، وله أن يعين من يريد في أي حزب أو منظمة وبرواتب مجزية. وله أن يفعل الكثير الكثير لمن يحب ويرضى. حامل الـ(ثريا) لا حاجة له بالناس، فهو الشخص القادم من الخارج والمكتفي بالنعم ولا ينتظر شيئاُ من أحد بعكسنا نحن المحررون من الظلم الذين ننتظر منه كل شيء.
وما أن انقضت الأيام حتى تبين أن أصحاب الـ(ثريا) ليس لديهم النية في تقديم شيء يفيدون به العامة، بل العكس تماماً هم من يصبون إلى الإستفادة من الناس. وإن كان متأخراً لكننا إكتشفنا حقيقة الأمور فيما بعد.
صفحة 1 من إجمالي 4