22 ديسمبر، 2024 8:22 م

الجواب الذي يليق بانسحاب ما يسمى “الحشد الشعبي المدني” من التظاهرات المدنية، هو “خفةً وراحة”.
لم تكن التظاهرات منذ البدء دينية، لا اسلامية ولا مسيحية ولا غيرها من الديانات، كانت تظاهرات شعبية دعا لها أناس يساريون ومدنيون وشيوعيون يؤمنون بخمر الدنيا اكثر من الايمان بخمر الاخرة، فمن أين جاءت لها “الاسلامية”؟، هل من نقل تسمية الحشد الشعبي من مجاله العسكري إلى المجال المدني، كان اطلاق تسمية الحشد الشعبي خطوة مبطنة بتهديد، تهديد بالميليشيات الشيعية التي تقال تنظيم الدولة الاسلامية، الا ترى أنك اذا سميت احد مجالس المحافظات الان، بمجلس قيادة الثورة، فستفزع الجميع، أو جاءك أحد بخبر أن فدائيي صدام يخرجون في تظاهرات في بغداد والمحافظات، سيشيع جو من الخوف، قلّت درجته او كثرت، ولو علمت حكومة الاغلبية الشيعية بذلك لاتخذت على الفور اجراءاتها الاحترازية: تغلق الشوارع، تفرض حظر التجوال، تطيل ساعات القطع الكهربائي، تطالب الملائكة بالمزيد من الدعاء بالشر على الفدائيين لعلهم يموتون قبل التظاهر، كل هذا على فرض وجود هكذا إشاعة.

بنفس الطريقة من الارعاب والاخافة، استعملت فصائل الميليشيات الشيعية تسمية “الحشد الشعبي” ونقلتها إلى التظاهرات، لتخيف الناس. وترهبهم بما استطاعت من قوة.

انسحاب “الحشد الشعبي المدني” امر مريح، يريح حتى باعة الماء في ساحات التظاهر ببغداد والمحافظات، اجروا استفتاء وستصدقوني، لا أحد يحب جهة تجعل من نفسها بديلا عن اجهزة امن صدام، حتى لو قلدت هذه الجهة جميع مراجع الشيعة منذ بدء حوزتهم ببغداد.

قد تقبل الحكومة بحضور سليماني في اجتماعاتها، وقد يقبل العراقيون على انفسهم أن يقتل 26 قائدا في الحرس الثوري والباسيج على اراضيهم، وقد يقبل العراق تغلغل ايران في اقتصاده واجتماعه وثقافته وسياسته ودينه، اما تظاهرات اليساريين المؤمنين بخمر الدينا، فلا تحب طرفا لجهات تفتخر بأنها تنام ليلا في الوقت الذي يفضله المرشد الاعلى، وينصحهم به.

الذي يمكن الحدس به، ان اتفاقا جرى بين فصائل الميليشيات الشيعية والكتل السياسية، يقضي بان تتدخل الفصائل في التظاهرات وتسيسها وتسيرها بالوجهة التي تضمن اكبر قدر ممكن بالتحكم بسقوف مطالبها، وتمنع ان تصل الى اسقاط النظام والسلطات الثلاث، مقابل ان تؤدي الكتل السياسية الحاكمة إلى هذه الفصائل جملة مطالب منها رواتب الحشد الشعبي ومبالغ للتسليح والتجهيز، هذا التخادم لم ينجح اكثر من خمس جمع، فالتظاهرات بلغت حتى الان سبع جمعة، بدأت الميليشيات بالمشاركة فيها منذ الجمعة الثانية، وانقطعوا عن الاخيرة وهي السابعة، فمدة نجاح الاتفاق لم تزد على خمس جمع.

انسحاب الميليشيات جاء لاسباب لا علاقة لها بما ادعته من اتصال اطراف من قيادات التظاهرات بالسفارات الامريكية، فالتواصل مع الامريكيين في الحقيقة، ليس محرما جدا هذه الايام، خصوصا بعد الاتفاق النووي وتبادل فتح السفارات بين طهران ولندن، وتبادل أنصاف الابتسامات بين واشنطن وطهران.

وليس السبب هو التخوف من المندسين، وهذا التبرير بالخصوص هو اشد الاسباب المزعومة سفها، فكيف يعقل ان كتائب حزب الله مثلا تخاف من مندسين وهي تقاتل تنظيم الدولة الاسلامية بأساليب عسكرية وخطط حربية دخلت بعضها في المناهج التدريسية لبعض الكليات الغربية، كما قيل.

كيف يعقل ان كتائب حزب الله تخاف من مندسين قد يتعرضون بسوء للقوات الامنية والمتظاهرين؟، وما هو خطر هؤلاء المندسين وما يحملون من اسلحة على فصائل مسلحة بأحدث منظومات الصواريخ الحرارية المضادة للدروع مثلا.

السبب الحقيقي لانسحاب الميليشيات هو رفض الحكومة تمويلها ومنحها رواتب وتخصيصات، ثم رأت الميليشيات أن افضل صفعة توجهها الى الحكومة هي ان تترك ساحات التظاهر لحالها، بمخاطرها، التي قد تصل الى حد المطالبة باسقاط النظام والسلطات الثلاث.