23 ديسمبر، 2024 12:42 ص

زخم يحيد العبقرية.. تبلدا إزاء أبسط الحالات

زخم يحيد العبقرية.. تبلدا إزاء أبسط الحالات

ترتبط أسباب الاعتداء على الاطباء، بالعناصر المركبة، التي تقوّم أداء العملية الصحية، حسب ما توصل إليه باحثون في شؤون الصحة والطب.تلك العناصر هي: “مقدمو الخدمة الصحية – الأطباء والملاك المرتبط بهم” و”المؤسسات الصحية – الدولة ممثله بالحكومة والشعب” و”المستهلك – المريض الذي يتلقى الخدمة”.سأتناول في هذا الموضع الأسباب المرتبطة بمقدمي الخدمة الطبية والمقصود بهم الاطباء؛ فالباحثون أشروا ان الخلل المستشري في مقدمي الخدمة الطبية وبالأخص الاطباء، هو من الأسباب التي أدت الى الاعتداء عليهم؛ من خلال تشويه صورتهم، يظهرون وحوشا وليس ملائكة رحمة، أمام المواطنين، من خلال قصور الاداء الذي يتطلب حيزا خاصا به بغية التوغل في أغوار الزخم الذي يحيد عبقرية الطبيب، فيتبلد إزاء ابسط الحالات.
وهنا يتحقق تضافر أمثل ومناخ ملائم لنشوء الاساءة المبدئية، قبل حدوث الاساءة الفعلية، حيث تشوهت صورة الطبيب، فاقدة إمتيازها بالموضوعية الراقية وتجليها بإبهى الالوان الجذابة والخطوط الفنية الرائعة، أي بالمعنى العام صورة رائعة المعنى والشكل، تفقد رونقها.
تصرفات بعض الاطباء، تعني الإساءة بشكل متدرج لهذه الصورة، وساهم بذلك النقل المبالغ به من وسائل الاعلام، والمبالغات الشفاهية المتناقلة إجتماعيا.
 
لحظة هوجاء
قصور النظام الصحي الوطني، يزيد معاناة المراجعين، فيسقطونها على الطبيب والصيدلي والمعاون الطبي والمضمد والممرضة! فهؤلاء هم الماثلون مشهودين عيانا، يتشكل بهم “النظام الصحي” ميدانيا.
يتلخص ذلك بـ “عدم حصول المرضى على حقوقهم من الخدمات الصحية” و”معاناتهم في مراجعة المؤسسات والعيادات” و”الزحام – تدافع عشرات المرضى على طبيب واحد.. غالبا ليس إختصاصا” و”صعوبة الحصول على الوقت الكافي للفحص” و”عدم توفر الفحوصات والادوية ومستوى الاحترام والعناية” حيث يحمل المواطنون الاطباء مسؤولية هذا القصور في الخدمه الصحية لكونهم يمثلون محور العملية الصحية والعنصر الأساسي بالرغم من براءتهم من معظم هذه التهم، لكن يتعذر على من يشعر بالحيف، ان يصغي ويتأمل خلال لحظة هوجاء. 

أخلاق مهنية
الاتهامات المؤشرة من قبل الباحثين، بناءً على مسوحات ميدانية، أجريت بين المواطنين، تنقسم الى مجاميع، بعضها يتعلق بالطبيعة البشرية ودوافعها وغرائزها، والبعض الآخر باستغلال المهنة، فيما ترتبط المجموعة الثالثة بالانحراف المهني، الذي يتجلى مباشرة من سوء التعامل وتبادل قلة الاحترام.
وهناك مشتركات عالمية، لا يتفرد بها الطبيب العراقي وحده، مثل الأخطاء الطبية وسوء تقدير الحالة وخلل التشخيص والاثر السلبي للعلاج ومضاعفاته التي تنسف مقاومة الجسم وغيرها.. تلك تعد هامشا على حافة متن الاداء الطبي، لكن الفرق بين العراق والعالم، هو لجوء المتضرر للقنوات الرسمية، في إستحصال حقه من التعويض إزاء الضرر الذي ألحقه به سهو الطبيب، وتلك تحدث في أرقى الساحات الطبية العالمية، أما العراقيون فيلجؤون للذراع والتهديدات العشائرية في حسم الشؤون الشخصية العالقة بينهم والطبيب، في حين هي ليست شخصية، إنما “بالاضافة لوظيفته” في العرف القانوني.
 
فظاظة فاصمة
أهم المؤاخذات على الاطباء، هو التعامل الفظ، تنفيسا عن الضغط الفظيع الذي يتعرضون له، ما يفصم عرى العلاقة الثنائية، بين الطبيب والمريض.
المتوقع هو ان يتصرف الطبيب بروح الرب الثاني بعد الله، والاب الاول قبل الوالدين؛ الذي يصرح له المريض بأسرار يستحي منها مع نفسه، لكنه يفكر أمام الطبيب بصوت عالٍ.
ثمة أطباء نسوا ما تعلموه في كلية الطب، وما تدربوا عليه خلال فترة الاقامة، من خلق شعور لدى المريض بأنهمإ شريكان.. يتناصفان الالم، الامر الذي يوجب مراعاة كل منهما للآخر؛ كي يتجاوز محنته.. وإن هي بالنسبة للطبيب موهومة، لكنه يضخ للمريض شعورا بحقيقتها.. وهذا فن لا يجيده الا من أوتي حظا عظيما، من بين زملاء المهنة.
إحساس الشراكة، يجعل المريض متعاونا، الا ان بعض الاطباء لا يراعي هذه العلاقة ولا يعطيها حقها.. عمدا او قصورا في مرونة الوعي المهني
 
سلوك أهوج
إنتقد مراجعون، تعالي وغرور أطباء، قليلي خبرة ومحدودي الثقافة؛ لأن الله أوصى بإجابة سؤال الملهوف وتلبية طلبه، وعدم تجنبه، شرعا.. أما أخلاقيا فليس من الرجولة إهانة إنسان بحاجة لك، أو تحاشيه والإحجام عن إبداء المساعدة..
وهنا يطيب لي ان أسوق مثالاً، أستعيره من القضاء الفرنسي، الذي حكم بالسجن عاما واحدا، على كل مصور صحفي إلتقط صورة للحادث الذي أودى بحياة الاميرة ديانا ودودي الفايد، إمتثالا للنص القانوني : “إنشغالهم بالتصوير عن تقديم المساعدة؛ لإنسانين في وضع حرج”!
الا يسري ذلك على طبيب يتكاسل عن الإستيقاظ، ناهضا من سرير النوم، يغادر لذة السبات؛ كي يسرع الى “صالة الطوارئ” لإغاثة مصاب، أثناء خفارته الدورية في المستشفى.
إعتقاد الطبيب بوطنيته يحمله على تفهم معاناة المريض، والنزول الى إشتراطات قناعاته، وهي ليست علمية غالبا.
البعض يعمم هذا السلوك الخاطيء، على عموم الاطباء؛ ما يجعلني أؤكد ان اخلاقيات المهنة الطبية وقسمها إنما يضع المواطن في خانة الاحترام ويوجب النظر إليه بما يليق، وأي إختلال في تلك النظرة، يمس اخلاق المهنة وقسمها الجامعي والنقابي ورسالتها، لكن ثمة من يتنصل من الواجب بحجة ضغط الظروف وإنفعالات المرضى المستفزة.. وتلك ليست أعذارا؛ فردود فعل المريض مهما تطرف مبالغا، هو جزء من مسؤولية الطبيب؛ وإلا فليترك الوظيفة ويتجه الى ما لا يعكر مزاجه، إن كان مرهفا، لا يطيق صرخة مأزوم تحت وهن العلة أو جرح نازف وإصابة تنذر بعاهة مستديمة.. ماذا تطلب منه؟ الإبتهاج وهو يوشك على ثلمة جسدية تبقيه عاجزا او تهدده بالعجز!
ولعل من اصعب الاتهامات، التي شخصها الباحثون، المغالاة بالاجور، التي لايملك المريض إلا توجيه تهمة مباشرة،  تطعن بإنسانية الطبيب، مشفوعة بتصرف أهوج.. مشروع!