23 ديسمبر، 2024 5:37 ص

بات المواطن العراقي لا يتذكر جيدا أسماء الخطط الأمنية للعاصمة العراقية بغداد وباقي المناطق  العراقية على كثرتها, وهي خطط دائما ما كانت واهية بلهاء ، تتماثل والعقلية الصدامية في إدارة الحكم، من خلال عسكرة المجتمع والدولة بحجة الهاجس الأمني وتدهوره ، وكلما توسعت هذه الخطط والمشاريع الأمنية ، نجد إن الانفلات الأمني يصبح أكثر تعقيدا إلى درجة من الصعب إنهائه  بحملة عسكرية هنا أو استحكامات وترتيبات أمنية هناك . فالذي يتولى الأمن لا يؤتمن جانبه ويكون سلاحه غير مسؤول، وكل هذا أدى إلى نتائج كارثية في منعطفات خطيرة، أدت إلى إزهاق أرواح  عشرات الآلاف من المواطنين العراقيين ، إضافة لتوقف شبه تام للحياة المدنية الطبيعية للمواطن العراقي ،  نتيجة الأمن المفقود وهدر المال العام والفساد الإداري والمالي. وجراء هذا الوضع المربك أضطر بعض الدول لعدم تسيير استمرار رحلاتها الجوية عبر الاجواء العراقية (الهولندية ، الفرنسية ، ألأمارات ،  النرويجية ،… )  ، وبات مشروع إعادة الأعمار والأموال المخصصة له ملغى بشكل كامل ، وهجرة العراقيين أو التشجيع على الهجرة خارج العراق لازالت مستمرة وبأرقام مخيفة ، والهجرة القسرية للعراقيين من مناطق سكناهم داخل العراق أخذت منحا خطيرا وكارثيا  وعد كمثل سيء للتطهير العرقي والطائفي والمذهبي ( تهجير التركمان  والمسيحيين والشبك ) ، تغذيه وتسعى له أطراف حكومية وبرلمانية  وكتل سياسية من اجل تحقيق أغراضها ومصالحها، وبالأخص استغلال قضية النازحين التركمان والشبك من تلعفر وكركوك وديالى والموصل والتلويح بمشاريع توطينهم في محافظات النجف وكربلاء وواسط وبابل وأطراف بغداد. وباتت الدولة العراقية جراء ذلك قاب قوسين أو أدنى من التقسيم الفعلي، على أسس طائفية وعرقية ومناطقية ، وسيتحقق هذا مع استمرار احتلال مدينة الموصل وصلاح الدين ومدن وبلدات عراقية عديدة  من قبل إرهابي تنظيم   الدولة  الخلافة  الإسلامية ( داعش ) والفلول الفاشية البعثية والنقشبندية وعشائر مؤتمر عمَان . فكل يومي يضاف  على ما فات من واقع بعد 10-06-2014  ، يخلق وبشكل حتمي، ظروف استحكام وتجهيز وتجنيد للقوى الإرهابية،  يربك الموقف ويضاعف الجهد المطلوب لتحرير المناطق التي سيطرت عليها قوى الإرهاب، وفي مقابل هذا، ضعف كفاءة وقدرة قوات وطنية عراقية من جيش وحشد شعبي تكون تستطيع  دحر الإرهاب وتحرير المناطق التي يسيطر عليها ( داعش ) و اخيرا حفظ الأمن والاستقرار.   ومع تقصي الواقع، نجزم بأن الحكومة العراقية وبالذات السيد نوري المالكي يتحمل المسؤولية عن ما آلت أليه الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية في العراق .فقد عجز وفريقه الحكومي ومستشاريه وحزبه وطوال السنوات الثمان ، عن إيجاد حلول ومخارج لما تأزم ويتأزم من أوضاع، أدت إلى احتقان طائفي وعرقي ومناطقي خطير وأسفرت عن وضع امني صعب ومعقد ،  ومع كل هذا الخراب نجد أن ( السيد المالكي ) لا تضيره جميع النتائج الكارثية فمازال يتشبث بالمنصب ويعد لولاية جديدة، سوف تكون على أشلاء وطن ينتظر خارطة جغرافية جديدة .

مما يزيد المشهد تعقيدا، ونتيجة ضعف الدولة العراقية والعجز الحكومي وضعف المؤسسات العسكرية والأمنية وخيانة  وتواطأ البعض  الذي سهل ومهد لاحتلال مدينة الموصل من قبل إرهابي داعش والفلول الفاشية البعثية ، فقد وفر هذا الظرف فرصة للعشائر ومجاميع الصحوات وغيرها في مناطق مختلفة من العراق، تنظيم وضعها وحصولها وبدعم حكومي على السلاح والعتاد والمركبات والمال، لتحل بديلا عن المؤسسة الحكومية في التصدي للمجاميع الإرهابية في مناطقها ، وهي ظاهرة خطرة حاليا ومستقبلا لما تشكله من قوة ضغط تفقد الدولة العراقية معها السيطرة والقيادة ، فالحالة هذه توفر للعشائر والمجاميع مصالح وسيطرة ونفوذ لا تستطيع الدولة العراقية لاحقا من السيطرة عليها  ونزع سلاحها ويمسي حالها حال ميلشيات متمردة تنافس وتساوم السلطة وتحقق طموحاتها وإرادتها بقوة  السلاح وتتحول إلى قوى مناهضة للعملية السياسية وخارجة على إرادة السلطة مستقبلا  .

من صور الرعب والخوف  ، ما يدعيه أصحاب مشروع امن بغداد من خطة أمنية لحماية العاصمة من توغل وانتشار العناصر المسلحة للقوى المختلفة ومحاولة الاستباق وإجهاض عملياتها التخريبية الإجرامية وفرض الأمن والقانون ، وكأن ما يجري في بغداد مصدره وحاضناته خارج العاصمة وهذا عين البلاهة والسذاجة ، فبغداد بؤرة التوتر واغلب أهلها كما باقي مناطق العراق مسلحون حد التخمة وأسلحتهم وذخائرهم تكفي لتجهيز وتسليح أعداد من الفرق العسكرية إن لم تكن فيالق، وبمستوى جيوش لبعض دول في المنطقة ، وأسلحة بغداد لوحدها تعد معادلة الرعب الذي يخيف المواطن المسالم،مثلما الأطراف العراقية المتصارعة ذاتها  ، ورغم الحشد وعمليات التصعيد والانتشار الأمني والعسكري والجهد ألاستخباري،فأن ذلك لم يمنع أو يوقف عمل فرق الموت، ولذ عاد ظهور الجثث في أنحاء مختلفة من بغداد  لمواطنين مغدورين وبهويات مختلفة وأسباب قتل مجهولة ،  هذه العودة القوية للمجاميع الإرهابية وأفراد الميلشيات ومزاولة أفعالهم مستفيدين من دعم وإسناد أوساط حكومية  ، بات يشكل عامل قلق يعقد من المشهد ، إضافة  إلى تأشير الخلل والفجوات والثغرات في تطبيق الخطة الأمنية ، لذا ستظل الخطة الأمنية قاصرة إذا لم يعاد النظر بالإجراءات والأساليب والوسائل والسيطرة على أي سلاح خارج  السلطة الشرعية .

خطة امن العاصمة وقبل الشروع بتنفيذها وانتشار القطعات العسكرية والأمنية المتعددة ومعهم أبناء الحشد الوطني وسط أحياء العاصمة, وفي ظل أجواء الدعاية والأعلام التي أعطت بدورها الفرصة والوقت لأوكار المخربين من الصداميين والتكفيريين  لأخذ الاحتياطات اللازمة والتراجع المؤقت والاختباء داخل وخارج بغداد ، مستفيدة من معلومات ومعطيات الخطة الأمنية نفسها ، نتيجة الاختراق الأمني الحاصل في جميع مفاصل المؤسسات الحكومية وبالذات الأمنية والعسكرية والمخابراتية منها، وكذلك اعتمادا على ما توفره دول الجوار ( سوريا وإيران السعودية ) من دعم مالي ولوجستي و غطاء لحركة القوى المتصارعة, إضافة لما تستهدفه  تركيا وقطر من واقع يتناغم وطبيعة مشروع التقسيم في العراق والمنطقة.

مع التراخي والانكفاء الذي أصاب الخطة والقائمين على تنفيذها وتهويلهم لما حققته من نتائج, فقد رافق ذلك عودة لعمليات القتل على الهوية وازدادت العمليات التخريبية الإرهابية وتفجير السيارات المفخخة وعادت العصابات المجرمة  والميلشيات المختلفة  لتزرع الرعب وسط أحياء بغداد وارتفعت نسب حوادث التفخيخ والقتل والاختطاف والمواجهات المسلحة في محيط بغداد و شمال بابل ( جرف الصخر ) ومحافظات ديالى ( السعدية ، المقدادية) والرمادي ( الفلوجة ، الكرمة ) وكركوك ( الحويجة ، الرياض ، الزاب ) وصلاح الدين ( تكريت ، بيجي ) والمتابع للأمر يجد أن أسباب ذلك هي أن الخطط الأمنية الفاشلة، فمنذ البداية أغفلت مستلزمات نجاحها.والتي من أهمها, المباغتة والسرية حيث يتم الإعلان عن صفحات الخطة مع كشف حركة الأجهزة الأمنية والعسكرية من قبل الزمر البعثية والصدامية والتكفيرية وأفراد الميلشيات المختلفة المنضوية داخل الجهاز الأمني والعسكري, كذلك أغفلت الخطة وقبل بدءها، ضرورة سحب سلاح الحمايات جميعا، للإفراد والجماعات وسحب سلاح مقرات الأحزاب والمنظمات، والاستعاضة عنه بحماية حكومية  بعناصر ترتبط بالأجهزة الأمنية والعسكرية وبسلاح محدد ومعرف ، فمن المعروف للمواطن العراقي أن كل مسؤول حكومي و برلماني عراقي له حماية شخصية بعدد لا يقل عن  30  عنصرا يختارهم المسؤول او النائب ، تصرف لهم المخصصات على الراتب الأساس للمسؤول و عضو البرلمان وبعض شخصيات مجلس النواب والمسؤولين الحكوميين لهم حمايات خاصة بأعداد لا يمكن حصر سلاحها و عدتها وعددها وبمركبات لا يحصى عددها وشكلها ولونها. أن تحديد مسؤولية الحماية بالدولة ومؤسستها سيقلل من النفقات وسيلغي حتما استغلال الموقع الوظيفي للبرلماني وإلغاء دور أجهزة الحماية الغير شرعية وبالتالي حصر الاختراقات الحاصلة من قبل القوى المناهضة ومنعها من التغلغل داخل مؤسسات الدولة ، يضاف لذلك أن بعض العناصر المتنفذة غير المنضبطة والمشاركة في الحكومة ومؤسساتها، أربكت الخطة الأمنية وأفقدتها الزخم المطلوب وأضفت عليها أرباك أضافي لما تطلقه  من تصريحات طائفية وعنصرية عبر وسائل الإعلام وترويج الأخبار المفبركة .

 الإشكالية تتمحور اليوم بزحمة سلاح القوى والأطراف العراقية المختلفة ، الأحزاب والقوى المرعوبة، الفاقدة للثقة بالآخرين والمتصارعة داخل وخارج السلطة ، داخل البرلمان وخارجه ، إضافة لسلاح القوى الإرهابية والإجرامية ، أن أي سلاح خارج سلطة الحكومة سيظل عامل خطورة على تطور العملية السياسية أولا وعلى بقاء الدولة العراقية موحدة أخيراً .

المطلوب  الآن وقبل فوات الأوان ، أن تحسم كل القوى السياسية خياراتها واصطفافها و ترتقي لمستوى المسؤولية الوطنية وتعي المخاطر التي تحيق بالوطن والمواطنين العراقيين . فتحرير الموصل والمدن والبلدات المحتلة  من القوى الظلامية والإرهابية والفلول الفاشية البعثية يستدعي جهداً وطنيا ومشروعاً وطنيا ،ً وعلى السيد نوري المالكي وحزبه  ولمرة أخيرة  أن يحسم أمره وينأى عن السلطة لتتوفر الفرصة لمشروع الوطن ، وكما قلنا سابقا فالوطن اكبر من الجميع .