اعوام مضت لكنني مازلت اتذكر تلك الكوابيس من الاحلام التي تكررت احداثها عن شاحنات عملاقة ، أبدو امامها كالقزم وهي تقف في ساحة كبيرة فارغة في المنتصف ووممتدة على طول محيطها من جهاتها الاربع احدها موازية للاخرى وكانت في كل مرة غطاء محركها تبدو وكانها صور او تماثيل لرجال واشرار فاتحين افواههم باتجاهي باستمرار وانا اقف في منتصف ذلك المربع تماما ثم تبدأ الشاحنات بالتحرك دون ان يقودها احد لتشكل حلقة ادارية تخرج منها نيرانا ونيازك حمراء وكانها تستمدها من غيوم سوداء محيطة بها من كل جانب ثم ياتي ذلك الرجل الضخم وهو يبدو ضاحكا بإبتسامته الشريرة المخيفة ثم يأمر الشاحنات بالدوران حولي من جديد وانا اصرخ واصرخ حتى استيقظت من شدة الصراخ.
قبل عدة سنوات وفي احد الايام الربيعية الجميلة استيقظت باكرا وذهبت انا وزميلي حسن الى وحدتنا الجديدة في احدى المدن البعيدة كوننا سواقين جدد منقولين اليها بعد ان سلمنا كتاب نقلنا اتجهنا الى كراج الوحدة العسكرية ووجدنا غرفة بسيطة البناء دخلنا اليها رأينا احد الجنود وبعد ان سلمنا عليه وعرفنا انفسنا له وقع نظري على اركيلة داخل الغرفة قلت لمن هذه قال الجندي.. انها لشمخي العريف الآلي للكراج ، ثم حذروني ..اياك ان تلسمها فيعاقبنا جميعا.
خرجنا الى الساحة ووجدنا عددا من الطيور والحمام تم تربيته داخل الوحدة العسكرية في احد اركان بناياتها المتباعدة وقام حسن زميلي باللهو معها قلت لاحد السواق : اليس ممنوعا في الجيش استخدام الاركيلة والطيور ، فأجابني أحدهم : لاشيء هنا ممنوع على شمخي!
بعد قليل جاءت سيارة صغيرة مسرعة متجهة نحو الغرفة التي كنا نقف عند بابها واذا بالتراب ينهال علينا من سرعة عجلاتها ونزل منها رجل ضخم الملامح اسمر البشرة عريض الوجه ذو شعر اشعث وشارب غليظ وذو أسنان بارزة ضخمة وبدا بالصراخ بصوت عال..( سواقين ) ..؟؟..فجاء الجنود السائقون يركضون وامرهم شمخي بانزال الاغراض من السيارة ثم قال لاحدهم : هؤلاء سواق جدد مشير الينا ومد يده مصافحا لنا بقوة هائلة يتمتع بها فال لنا : اهلا بكم وتركنا ودخل الغرفة وانفض السواق من حوله!!
قال لي حسن بعد ان بقينا وحدنا : أنظر الى الرجل يبدو كالشخصية الكارتونية (بلوتو) في افلام الرسوم المتحركة (بياي) الشهير!! انه مخيف بالفعل ، او لنقل مرعب بسبب ضخامة جسمه وعلامات وسلوك الشقاوة بادية على محياه!!
في صباح اليوم التالي سمعنا الشمخي وهو يصرخ( سواقين ) ؟؟ نهضنا واجتمعنا سوية وقام باعطاء الاوامر وتوجيه السواقين ..بعدها التفت الينا انا وحسن وقال: لقد انتهت فترة ضيافتكم والان يجب ان تعلموا اذهبوا مع السائق حميد سوف يرشدكم!!
وبينما انا اعمل مع حميد سألته عن إسم هذه السيارة الضخمة العملاقة قال انها تدعى ( اورال ) وهي روسية الصنع تقوم بسحب المدافع الموجودة في وحدتنا ، لذلك فهي ضخمة جدا وهي مقسمة الى اربع مجاميع تقف في كل طرف من الكراج مجموعة ، بعدها ناداني الشمخي وقال اذهب الى فصيل المقر واسأل عن جندي إسمه (وائل) واخبره بانه يريده حالا فذهبت وعند وصولي المقر الى وائل وجدته نائما في الفراش ويبدو عليه المرض !! سلمت عليه واخبرته ان الشمخي يريده ..قال : اخبره انه مريض واريد ان اطلب اجازة عدت واخبرت الشمخي بما قاله ورجعت بعد ذلك الى عملي.
رايت بعض السواقين لايعملون وملابسهم نظيفة ..سالت حميد عنهم قال: هؤلاء ستة سواقين يقومون بالاشراف علينا ، ونحن نعمل الاعمال جميعها ويقومون بايصال الاخبار عنا والتجسس علينا لصالح الشمخي!!
في تلك الاثناء دخل وائل الى الكراج وهو من فصيل المقر يصرخ: لماذا لاتدعهم يعطونني اجازة ياشمخي؟؟!! انا لست سائقا وانت لست مسؤول عني!! غضب شمخي وقام بضربه ضربة قوية بقبضة يده الضخمة موقعا اياه ارضا وقد كسر أحد أسنانه وجعل الدم يسيل من فمه ثم قام بسحبه من قميصه وهو يسير ووائل خلفه حتى وصل الى غرفة الآامر وقام الآمر بسجن وائل عشرة ايام عندها عرفت بعلاقة الشمخي القوية مع الآمر!!
ثم قال لي حميد : هناك حملة لادامة السيارات وتقوم الدولة بصرف مبالغ طائلة لشرائها ..بينما الذي يحصل يقوم الامر بالاتفاق مع الشمخي بسرقة الاموال وجلب مواد صيانة مستهلكة ذات مدى لايتجاوز استخدامه لايام ثم تعطل بعد فترة، ويقومون بوضع قاعدة لمصابيح السيارات الامامية من الاطار الخارجي لصحن طعام مصنوع من مادة الفافون ويسجلون في الاوراق بانهم جلبوا مواد اصلية ليس هذا فقط بل ابدال مواد السيارة الاصلية بمواد مستهلكة!! قال له : لكن الا يقوم مفتشون بتفتيش هذه السيارات وخصوصا هناك حملة للتفتيش؟ قال : ان المفتشين ايضا ياخذون الاموال ويكتبون في تقاريرهم التي ترفع الى المراجع العليا بأن المدفع والسيارات في احسن حال ، فمن مجموع عشر مدافع موجودة ضمن وحدتنا لايعمل سوى واحد منها !! ولكن مايكتب في التقارير عكس ذلك وتقوم القيادة باعداد الخطط للهجوم على وفق معلومات غير دقيقة !!
كانت الارزاق قليلة جدا في ايام التفتيش وكنا نقف في طابور لاستلام تلك الارزاق من مطعم الوحدة ونتعرض لكثير من الاهانات والاذلال ، وكانت حصتنا صمونة واحدة لكل اربع جنود ، وفي احدى المرات كنت اقف مع السائقين في آخر الطابور وعندما وصلنا لم يتبق لنا أي حصة من الطعام ، بعدها ذهبنا الى الحانوت لكن لم نجد فيه أي شيء !! عدنا الى الكراج انا وحسن ونحن لانستطيع السير من شدة الجوع وذهبنا الى غرفة الشمخي وكان جالسا يدخن الاركيلة بينما يقوم احد خدمه الستة بغسل ملابسه ويقوم مراسله الشخصي بعمل سلطة ويقوم سائق اخر بقلي الدجاج لهم !! دخلنا على الشمخي وشرحنا له ماحصل معنا عله يعطينا بعض الطعام او ربما جزء من صمونة قال لنا الشمي : انتم رجال ..والرجال يتحملون الجوع والعطش..الان اخرجوا!!
كان جوعنا لايوصف ، ذهبنا لشرب الماء فرأينا احد الجنود وهو ساعي آمر الوحدة وطلب عود ثقاب وهو يحمل سيكاره وقال لحسن: لماذا تبدو مريضا فاجابه لم ناكل شيئا منذ يومين.. قال: لنا تعالوا معي واعطانا بعض الطعام وبينما نحن ناكل قال عجبا كيف انتم سواق وجياع ولكن الامر في كل يوم يخرج يقوم بشراء اجود الطعام والفواكه ويقول اعطي هذه للسواق فهم يتعبون كثيرا ثم قال: الكلام بيننا جميع الاموال التي يحصلون عليها من تعبكم انتم.
ظل الحال هكذا لعدة ايام وبقينا بدون طعام اما الشمخي فيأكل احسن الطعام ، بل انه بدأ يأخذ ارزاقنا من مطعم الوحدة ويعطينا القليل منه.
وفي احد الايام اجتمعنا نحن السواقين الذين عانوا كثيرا من الظلم وقلت لهم : لماذا لانتعاون معا على الشمخي ونشتكي عليه عند مراجعنا ، قال لي يبدو انك لاتعرف مدى صلاحياته ومعارفه في القيادة!! انظر لما حصل لوائل وغيره ممن تعرضوا للسجن!!
كان الشمخي يتفنن في عذابنا وخصوصا في يوم الاجازة الدورية فيأخذ نماذج الاجازات من الآمر شخصيا ويأمرنا بالعمل لساعات طوال حتى صباح اليوم التالي فيضيع يوم من اجازاتنا وأحيانا يومين..كنا نعمل تحت أشعة الشمس المحرقة انا وبقية السواق بينما الشمخي يشرب الماء البارد ويدخن الاركيلة ويعمل على خدمته عصابة الستة ويقوم بالاستيلاء على حصتنا من مادة الثلج ، ونحن لانجرؤ على النظر الى وجهه وهو يتحدث معنا من شدة خوفنا منه!!
مرت علينا اياما واسابيع وأشهر ونحن صابرون على مانلاقيه من الشمخي الذي كان يمنعنا منعا باتا حتى من الاستراحة ظهرا ، بل ان اغلب الاعمال تقوم بها في وقت الاستراحة!! وفي احد الايام غافلت الشمخي ونمت من شدة التعب والجوع تحت احدى سيارات (الارول) على التراب مباشرة وكان الهواء الساخن المحمل بالتراب يلسع وجهي وجسمي ..استيقظت على اصوات وحركة غريبة في الكراج نهضت لارى مايحصل فوجدت سيارة تابعة للأمن العسكري جاءت الى الكراج سألت : مالذي يحصل؟ قالوا لي اتعرف وائل الجندي الذي قام الشمخي بضربه قام بالشكوى على الشمخي عند جهات امنية عليا ب،نه يقوم بضرب الجنود وسرقة اموال الدولة ويبدو ان له اناسا ذو نفوذ كبير بالدولة يدعمونه ، بعدها بدأ تحقيق كبير حول الاعيب الشمخي.. ويبدو ان لديه نفوذا كبيرا في الدولة ..بعدها بدأت لجنة تحقيق مع الشمخي واستدعونا جميعا فشهد عليه إثنان من عصابته الستة بالاتفاق مع وائل بانه سوف ينقلهم الى وحدات قريبة من سكناهم ، بعدها ادركنا جميعا انه لامجال للشمخي للافلات هذه المرة ..وتطور التحقيق ليشمل ضباطا آخرين كانوا متورطين في السرقات بالاضافة الى الآمر.
بعد الحادث بإيام دخلت الى غرفة الشمخي فلم اجد فيها شيء من اغراضه فقد اخذها السواق ورأيت حسن وهو يدخن الاركيلة في مكان منعزل من الوحدة ..كان الظلام قد حل منذ قليل ودعاني للجلوس قربه وقال لي كنت لا أجرؤ على النظر الى الاركيلة والان ادخلها وانام على فراش الشمخي!!