22 ديسمبر، 2024 12:51 م

تُرَتل اوجاعي في كل مساء بعدما تقبع في إحدى الزوايا دون بقيتها، فعالم الأنفراج بالنسبة لها عالم موبوء، طالما كنت ازاحم هاجسي في تلك الزاوية عندما اضجر من وحدتي التي اعيش، قبلها كنت اطلب من سجاني أن يسمح لي بالانتقال من ركن الى آخر ذاك ما ارغموني على تعلمه وإلا…، فبعد ثلاثة عقود قابعة تلك الزوايا معي في السجن، صارت تواكبني في كل شيء مثلما تعودت، فعندما اريد قضاء حاجتي أراه يقول لي: لديك دقيقة واحدة لقضاءها كأني استطيع التحكم في….! صعبة ايامي الأولى لكن بعد معاشرتي للدلو الذي يسكن معي صرت لا اعير اهمية للزمن، ذلك ما فرضه علي في مرة صارخا يا حيوان… لقد اتعبتني بكثرة صياحك لقضاء حاجتك، عليك اللعنة يا كلب، سأربيك على شيء لن تحتاج بعدها للخروج لقضائها، سأجلب لك دلوا يكون رفيقك في الزنزانة حتى تتوائم معه ههههه هو من يعلمك ان تنسى قضائها بعد ان تعاشر رائحته التي ستعشقها هههههههههههه، صدق فيما قال، صار الدلو الذي أُخرج تغوطي وبولي كل أربعة ايام وفي مرات اسبوع يكون السبب الرئيس الذي جعلت له زاوية خاصة، اغطيه بقطعة من ثيابي التي بالكاد تستر جسمي كي اتقي رائحته المنتنة، لم اتصور يوما اني سأكون نزيلا مع بولي وغائطي يا لسخرية القدر!! تحملت جميع اصناف الترهيب والتعذيب، كان حفيا بأن يصنعوا لي تمثال يعبر عن صمودي تحت جميع انواعهما.. لكن التغيير الذي جاء طرد كل الأوبئة المستشرية بين الناس، فخرجت مع الذين اُخرِجوا دون إرادتهم، إنه إعصار بشري دفع بالكثير الى كسر السجون، قلع مخالب زَرَعتها السلطة لترهب البشر لم اعي ما الذي يحدث!؟ الجميع يهتف بالحرية يلعن ويسب الطاغوت الصنم العار، الجميع يرحب بالديموقراطية التي سارت بين الجموع عارية من كل الثياب، توهم من يراها أنها ستنام معه الليلة، تعطيه ما يحب دون أن تطاله يد السلطة، فعالمهم بيد حاكم سامي يطيح بكل العُقَد ويكسر كل اقفال الزنازين، صور، لا فتات، اهازيج، وضع طاش بعقول من كبتت أمنيات في رؤوسهم لم ترى سوى المقصلة والسجان، كنت ممن خرجوا يؤمل نفسه رغم الخوف، فجأة!! نظرت الى كل الذين يرفعون اللافتات فرفعت يدي معهم يا لحظي التعس ضحك الجميع على حالي وتطافر عني، لقد خرجت وأنا احمل الدلو الذي يقبع معي فما ان رفعته حتى سكب كل مافي جوفه على رأسي استفرغ بطنه علي وهو يلعنني فقلت له: كفاك عني… ها انت نلت ما تريد، فشكرا لك، ثم رميت به، سا رعت قليلا كي أحظى بحرية السير بعيدا عن تلك الجلبة، سكنت ونفسي الى احد نتؤات رصيف جلست لأرى ضياء الشمس وهو يخترق جسدي يطيح بكل القمل والحشرات التي سكنتني، عاشرتني حتى انجبت الكثير من البنات والبنين، كنت في البداية احك جلدي، شعر رأسي وابطي حتى اسقطها، لكني سرعان ما تعودت عليها وهي كذلك تعودت علي وعلى رائحتي هههههههه رائحتي التي اقسم اني تقيأت مرات ومرات بعد ان تفوح عن البول والغائط من الدلو المسكين الدلو! لقد تخلصت منه أم ترى هو الذي خلص مني؟! ها انا اجلس وهاجسي معي اخرجته من زاويته فتحول الى ظلي الذي يتراقص بعيدا، لا يتألم رغم كثرة الاقدام التي تدوس عليه، تمنيت أن اكون بدلا عنه… الجو حار، تعرقت كثيرا كأني اتبول على نفسي، ماذا يمكنني ان افعل؟ بعض المارة يقترب مني ثم يبتعد فجأة من شدة نتانتي، فجاء شخص وقد لف اللثام على انفه وهو يقول: هيه انت… قم من هنا، اذهب الى النهر القريب هناك ارمي بنفسك لتغتسل، إنك شديد القذارة عذرا لم اقصد لكن رائحتك تفوح كالبراز… تطلعت عليه وقلت لقد كببت على رأسي بولي وغائطي يا سيدي دون ان أدري، صمت مذهولا!! ثم علق… أمجنون انت؟ هيا تحرك من هنا اذهب واشار لي بالاتجاه حيث النهر…
كان هاجسي اسرع مني في الحركة، قادني إليه فدخل قبلي النهر… وأنا بعده، جرى الماء مبتعدا، لكن رغما عنه تلون بلون القيح الذي افرزته، تذوق مرارة وعذابات ثلاث عقود، بكي موجهِ عليّ، راح وانا افرك وجهي يهمس لي… يا لحالك المزري!! ترى ما الذي فعلته كي تكون بهذا الشكل؟ ما جريمتك؟؟
هاجسي قد غاص بداخل النهر منتعشا ببرودة ماءه فقلت: سأجيبك… كنت في يوم ما طبيب نساء، شرعت بفتح عيادة لي لأمارس مهنتي.. شاءت الظروف ان يدخل علي رجل ذو قسمات قاسية، عنيد صلب كما بدا لي وهو يدفع بفتاة ادخلها امامه قبل ان يأتي دوره، صاح المعاون لي انتظر يا استاذ ليس دورك… عنوة دخل ثم اجلسها بعنف وهو يقول: دون مقدمات او تزعجني بالاسئلة، اريد منك ان تسقط الجنين الذي في بطنها، هي تبكي بحرقة وتقول له: ارجوك يا اخي إنه ولدي من زوجي وانت تعرف ذلك، كانت الصفعة المدوية هي من اخرستها.. مجيبا من زواجك العرفي يا عاهرة، انتفضت من وراء مكتبي رافضا تصرفه لكنه بادرني اخرس واسمعني جيدا، لا تفتح فمك وإلا سأغلقه لك الى الابد، فأنت لا تعرف من أكون، نفذ ما اطلبه منك وإلا سيكون عقابك نفيك من الحياة او القتل على يدي، الحقيقة شعرت بالخوف وانا ارى الشرر يتطاير من عينيه فقلت له تملصا: ليس هكذا إني طبيب محترم وهذه عيادة سمعتها محترمة كما أني لا استطيع أن افعل ما تقول فذلك ليس اختصاصي..
فقال كفاك هذا اولست طبيب للنساء؟ فقلت بلا
قال إذن ستفعلها وانت صاغر، تشجعت قليلا وقد نفذ صبري فأنا في عيادتي والناس في الخارج لابد يسمعون ما يدور بيننا، فقلت: لا ليس باستطاعتك اجباري، فأنا سأشكوك للسلطة الآن سأتصل بالشرطة.. مددت يدي الى الهاتف وإذا به يخرج مسدس عن خاصرته، ستفعلها الآن وهنا في عيادتك، فأنا لا احذر سوى مرة واحدة، بلعت شجاعتي مثل علكة مرة صار قلبي يخفق مثل اسنان تسطك من البرودة..
هي تنظر لي والدموع لا تتوقف، العَبرة تخنقها بعدها تبكي بنشيج حاد وهو يصرخ كلما شهقت… اخرسي يا فاجرة، لم يسعني سؤاله حاولت التملص منه بحجة الصياح على معاوني في الخارج والذي ما ان ناديت عليه حتى وجدت شخصا يدفع به الى الداخل ويقول: كل شيء على ما يرام سيدي…
نظرة خاطفة فوجدت ان لا مراجعين عندي، فقط إثنان يقفان بأجسام بغال عند الباب بعد ان اغلقوه من الداخل، لم اسأل بعدها، حالتها صعبة وعملية الاجهاض كانت اصعب، لقد ماتت بين يدي وانا احاول اجراء العملية لها وهو فوق رأسي يدخن ويدخن ثم يلعن بها وبي ويرهبني، فما ان انتهيت حتى شعر هو بموتها قبل ان اقول له
تلك هي اللحظة التي اتذكرها بعدها طوى لحاف ايامي ورمى بي حيث الزنازين المنسية الى أن خرجت اللحظة، جريمتي اني قاتل دون إرادته، أما عقابي سلخ جلدي وانهاء مستقبلي، طموحي وأحلامي…
يا لك من مسكين يا هذا لقد ورد علي الكثير ممن اغتسلوا بمياهي وهم يحدثوني عن قصصهم الغريبة لكن قصتك الاغرب.. هيا اغتسل ربما تستعيد شيء من حياتك..
خرج وقد فرك نفسهُ قبل جسمه، اراد لها ان تتيقن أنها خارج تلك الزوايا التي تقبع، هاجسه يتقافز مرحا قائلا: لقد عادت لي نضارتي، اما انت فلا زلت اشعثا كريه المنظر تحتاج الى الكثير كي تكون مثلي…
فقلت له: حلمك علي فأنت لا زلت مقرونا بتحركي، اصمت ولا تهذر كثيرا وإلا اعيدك الى زاويتك التي تخاف…
ظلي: مجنون أنت كل الجنون، لقد سمحنا لك ونحن الاكثر في ذلك المكان كي توزعنا، كنا اربع زوايا فواحدة لك ولبراغيثك وقملك، و واحدة لي أنا هاجسك وظلك، و واحدة لتغوطات نفسك وجسمك، أما الاخيرة نسيتها متعمدا، بقيت هناك حيث كان جدار زاويتك وعناوين مستقبل وذكريات… تركت الزاوية التي كتبت عليها أن الوطن لا يمكن ان يقيد او يكون سجينا.. لكنك أبقيته ولذت هاربا، تركت وطنك يقبع في زاويته المظلمة التي لا يمكنه الفكاك عنها مهما تغيرت وجوه السلطة، مدنية كانت ام إسلامية، علمانية ام ليبراليه، فكل سلطة لها زواياها المظلمة التي تخفي بأركانها وجوهها السيئة القبيحة مع مساجين أبرياء من طينتك دون أن يحرروا الوطن.