21 نوفمبر، 2024 11:33 ص
Search
Close this search box.

زاوية الانحراف

فلسفة الانحراف:

الانحراف هو خروج عن الخط مستقيما أم معوجا بزاوية ما، ماهيته انه اختلاف بنيوي عما يبدو مرتبطا به ويتسع إن تصورنا محورين باتجاهين مختلفين ليتطابق مع الاتجاه المعاكس إن كان مستقيما أو ليتقاطع معه إن كان متعرجا.

عرفنا الانحراف كمصطلح عن الاستقامة الإيجابية بيد أن الانحراف عن المسار السلبي انحراف أيضا، فالإنسان متنقل في أسباب خروجه وانحرافه عن الصواب أو ما يراه مجتمعه الصواب ومستغفر منيب لتضعف زاوية انحرافه فتلامس الصفر، وما تراه في مجتمع سليما يعد منحرفا في مجتمع آخر لكن في عالمنا المتعرج البعيد عن الاستقامة تتقاطع خطوط منحرفة عن مجتمعاتها مع المجتمع فتوافقه تارة وتبتعد عنه تارة، ومهما كانت الزاوية صغيرة فهي ستكبر مع الزمن ببعدها عن منطلقها أو تعدد الانحرافات مع صدمات الحياة والثابت بها فيما يبدو قليلا لهذا نرى عالم اليوم بحاجة إلى منظومة إصلاحكبيرة تعيد مساره فالجدليات متعددة والأحداث الصادمة كثيرة ولن تعيد المنظومة الانحراف المجتمعي كليا إلىالصواب الذي يتفق عليه انه الصواب والتراجع يمحي الخطايا مهما كانت باي منطق عقدي ممكن أن نتعامل معه واجتزئ أثرا من قول لابن عباس يدل على فهم الإسلام في جانب التعامل مع الله والمجتمع وفهم الإسلام للنفسية البشرية (أنَّهُ لا كبيرةَ معَ استِغفارٍ ولا صغيرةَ معَ إصرارٍ)الراويسعيد بن جبير • ابن مفلح، الآداب الشرعية (١/١٥٣) إسناده صحيح، إلا أن السلبيات على الأرض قد تتطور وتستمر بالتعاظم وكذلك الإيجابيات وان تراجع محدثها.

النفس البشرية تحلق وتشتط وتفكر وتتفكر تخطئ وهو طبعها لكن فاعلية المنظومة العقلية تنحرف بها عن مسار الخطأ لتصل إلى الاستغفار عندما تستقيم مع استقامة الخط القويم أيا كان هذا الخط الذي سيصل به إلى رضا الله (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر …53].

الانحراف هنا قد يتمثل بالناس التي تجعل لنفسها الوكالة فتكفر هذا وتنجي ذاك وتخالف الله وهي تظن أنهاعلى استقامة، وانحراف هذه الناس عن مستويات متعددة، الفهم وهو راس زاوية الانحراف، ليصل إلى فقدان القيمة الإنسانية.

نستخلص من هذه الفقرة أن فلسفة الانحراف ترينا انه ليس بمعنى واحدا ولا باتجاه واحد ولا بمستوى واحد، فهو بداية التغيير نحو اتجاه آخر قد يستقر عنده وقد يعود وقد يتجه بانحراف آخر وزاوية أخرى إلى منطقة فكرية أو سلوكية جديدة له.

الانحراف والسلوك:

الانحراف ليس سلوكا وإنما السلوك قد يوصف بالانحراف قياسا لقيمة أو معيار، فهو إذن ليس معيارا أيضا؛ فلو تمعنا نجده صفة لحالة أو حراك نسبي لكن غلب الاصطلاح على الأداة، ووحدة قياس مطلقة نسبة لفكرة أو ايدلوجيا أو قيم ما دينية أو اجتماعية.

أما النفاق فهو انحراف سلوكي لفساد المنظومة، والتي صنفها خالقها بأنها الأسوأ وذلك لخلل دائم في الشخصية عقلية منحرفة مع نفسية وضيعة، وقد تجدهم أنيقي المظهر حسن الكلام يتماهى معك قريبا إلى خطاب غرائزك لكنه من أبشع الخلق في داخله التقرب منه إذلال وخسارة لأنه ليس مخلص الحس ولا سوي التفكير لهذا في الآخرة إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (النساء 145)، لكن ليس من عقاب إلا ما يظهر من سلوك سيء في المجتمع ومضرا للمجتمع ، أما إن كان في عون العدو فذاك يخضع لقانون الخيانة الطبيعي للمجتمع.

الانحراف ليس دوما متصاعدا، وإنما ممكن أن يحدد بقيمة معينة ليكون معبرا عن المرونة

الانحراف عن المواصفات والتي تحدد قيمة معينة تزيد أو تنقص لمنتج معين لتكون مقبولة ولا تؤثر سلبيا على النوعية، وهذا ينطبق على كل منتجات وصناعات وأبنية لكن تختلف النسبة وفق محددات أخرى كأهمية الجزء وموقعه في المنشأ أو الالة أو الجهاز
الانحراف في الوصول إلى الأهداف عسكرية أو تجارية أو مدنية بشكل عام حتى ولو كان في ميدان رمي، وهنا تتحدد نسبة الانحراف التي قد لا تقبل أحيانا إلا أن تكون صفرا، فالانحراف في إطلاق النار سيكون ضمن المغزى من الإطلاقة فان كان الجرح وتسبب بالموت فهو انحراف غير مقبول أو أن هنالك إصابة أو لا تكون إصابة فليس هنالك وصف وسطي معياري.

إن الرشد والمنطق مصوبان مهذبان حارسان لاتجاه ومعادلة وموازنة أي انحراف عن الأهداف، فالاندفاع مثلا قد يكون محمودا بمعيار الإخلاص والولاء، لكن الاندفاع بلا رشد عقبة أمام تمهيد الطريق نحو الأهداف، فالرشد متى مود يكون الانحراف بالإمكان إصلاحه حتى من الإنسان ذاته، والرشد بالتأكيد معلوما انه غير الذكاء أو المعرفة وإنما هو جوهر من النضج مهم يحمي الآدمية في الإنسان.

زاوية أخرى

الأنسان والتجمعات البشرية أعداد منه، منها ما يكون مجتمعا إن اعتمد أي من القيم ومنها ما يكون جمعا متحركا بالعقل الجمعي في المجموعات البشرية الخاضعة للظلم والاستعباد.

ففي منظومة تنمية التخلف القيم تركب ولا تحمل والرسالات تؤخذ ظروفها لتعلب بها الأهواء وتنزع الرسوم الحقيقية لتؤطر الصور الزائفة وينمق كل شيء ليستخدم فيما يظن انه مصلحة بأنانية طاغية وإنسانية محطمة لا تندم كما ندم آدم لمخالفته ربه ولا ندم قابيل عندما قتل أخاه، والفرق بين أن تكون سويا ومجرما ليس كم قتلت أم كم سرقت وإنما هي الجريمة الأولى والإصرار عليها.

أما المجتمع فهو إما طالبا للحرية عن فكر أو انه خاضع حالم ينتظر المخلص، فأما من يطلب الحرية عن فكر فهو لا ينتقم ولا يخرب وإنما يحيل الظالم إلى القانون، وأماإن أتى من يلبس لبوس المخلص، فان باشر بالقتل فسيتبعه العقل الجمعي ليشارك بالجريمة إلى أن يدرك انه أبدل مجرما بدل مجرم وان التلوث قد أصاب يديه؛ فلابد أن نصلح الجهاز المعرفي لكي يبنى المجتمع على الفاعلية واليقظة وتأتي قيادات تنهض بالبلدان وتشيد العمران عندما وعندها يكون الإنسان إنسان.

أحدث المقالات