23 ديسمبر، 2024 3:32 ص

زاوية ابو مسَلَم ..

زاوية ابو مسَلَم ..

بعدما حدث ما حدث في مصر وقتل الشيخ المصري حسن شحاتة في زاوية ابو مسلم بالجيزة ؛ هذه الحادثة التي صورت البشاعة بعينها والفعل الطائفي الفضيع الذي يمكن ان يتكرر في اي بلد من بلدان المنطقة بعدما اخذ النفير الطائفي يعلو على ما سواه من الاصوات المعتدلة بل ويتطاول عليها  فإن الامور في مصر تتجه الى الزاوية الحرجة وجاءت هذه الحادثة في  زاوية ابو مسلم لتقرع اجراس الخطر وتنذر بما لا يحمد عقباه اذا سارت الامور بهذا المنوال .
من المعلوم والواضح في المجتمع المصري ان هناك مساحة من حرية التعبير وروح التسامح وهذا الامر له شواهده التاريخية حديثا وقديما فمصر التي يعيش فيها المسلمون وكذلك الاقباط الذين كانوا مذ كانت مصر فإننا نجد بالبداهة والمشاهدة المباشرة التي يعرفها الجميع قبل 40 عاما مضت لم يكن هناك اي احتكاك بين المصريين ومواطنيهم الاقباط الذين يمثلون اكبر اقلية دينية في الشرق العربي المسلم وهذه المسافة الزمنية ليست بالبعيدة عنا اليوم ، كما إن مصر كانت ملجا لكل شخص يعاني من الاضطهاد والمطاردة في الدول العربية الاخرى وحتى المنشورات كانت تطبع في القاهرة حتى ولو كانت مصنفة على انها من الممنوعات في البلدان الاخرى وبغض النظر عن الاتجاه التي تمثله هذه الكتب سواء كانت دينية او سياسية او ثقافية او غيرها ، وكذلك المؤسسات والاتحادات كانت تجد مساحتها في مصر ولعل مجمع التقريب بين المذاهب الاسلامية اوضح نموذج لما نقول .
لقد اخذ النداء الطائفي يعلو في المنطقة بدوافع سياسية اقليمية ودولية وباموال طائلة تسخرها مراكز القوى المتطفلة والكروش المترهلة التي تعتاش على دماء الابرياء يشارك في هذا الغلو الطائفي انصاف وارباع العلماء والمتصيدين في الماء العكر والذين يعيشون العقد النفسية والذاتية التي تغذيها المآرب التي ليس لدين الله فيها اي نصيب والتطبيقات الخاطئة والاجتهادات غير المبنية على الاسس العلمية وكذلك فإن الهفوات والمتاهات التي سقط بها مدونوا التاريخ الاسود الذي يحتاج الكثير من المراجعة يشارك في تأجيج العواطف المكبوتة في هذه المجتمعات ، الاعم الاغلب في هذه الشعوب التي تعاني من الواقع المرير تنساق وراء العواطف دونما ان يكون للعقل اي سلطة على حركته الفردية والجمعية فهي شعوب عاطفية تماما ويشترك في هذا الفعل اللاإنساني واللاعقلائي قنوات الاعلام المسخرة المسمومة التي تبث سموها في الجسد الاسلامي المقطع الاوصال وعديم الارادة إلا ان يشاء الله .
نجد ان عموم هذه الشعوب تراه لا يهتم بكثير من القضايا التي تمس واقعه ومستقبله ولكنه ينتفض لامور بسيطة وهامشية ويستثيره الاعلام المسخر فنجد مثلا ان القضية الفلسطينية لم تعد اليوم هما فرديا او جماعيا في الوقت الذي يكون النظام الايراني العدو الاول على الاطلاق وانه اخطر من اسرائيل الكبرى وأن الجهاد في سوريا اوجب حتى من الصلاة والصيام ، وبالمقابل فان الشيعة مثلهم مثل السنة يعيشون هاجس الطائفية المقيتة وان السلفية هم اخبث من اليهود والصليبيين ؛؛ كل هذه الامور المتشابكة اعطت نموذج مشوه لدين الملالي والشيوخ المتعصبين بلا علم ولا تقوى المتنعمين على موائد الطواغيت الذين يحكمون جزافا ويسوقون خرافا . ولكن هذه الاوضاع وهذا النفس الطائفي هو القنبلة الموقوتة التي تحرق الجميع اذا ما استعرت واضرمت الاخضر واليابس الا بتدبير الله الذي يمهل ولا يهمل ولعل العقول تثوب الى رشدها ولعل قادمة الايام تاتي بصحوة تجتث النعرة لتعلو نبرة التسامح والاصوات المعتدلة والا فاننا لن نرى زاوية ابو مسلم واحدة وانما زوايا كثيرة في كل اتجاه وفي كل مكان .