في سبعينيات القرن الماضي وعلى إحدى صفحات جريدة الثورة واسعة الانتشار، آنذاك، تناول الصحفي المتمرس الأستاذ مؤيد عبدالقادر المحرر الجريء في قسم التحقيقات فيها موضوعاً عن الكهرباء وبتحقيق موسع لا يخلو من تحليل صائب لجوانبه، نشر هذا التحقيق تحت عنوان (طالما بقيت الأسباب سيبقى انقطاع التيار الكهربائي زائر الصيف المعتاد)… استحوذ هذا على اهتمام رئيس الدولة، حينها، المرحوم أحمد حسن البكر… وبالرغم مما تضمنه الموضوع المنشور من تصورات تحاكي واقع مشكلة الانقطاعات الحاصلة في التيار الكهربائي المجهز للمواطنين وأسبابها بموضوعية عالية تعبر عن مساحة واسعة للدراسة والتحليل والاستيعاب تمكن كاتب التحقيق الصحفي من احتلالها بجدارة لكنه، وفقاً لما أخبرني به الاخ مؤيد، قبل أيام، كان قد تعرض إلى وابل من العتاب في العديد من المواقف مع المسؤولين عن قطاع الكهرباء آنذاك.
تضمن هذا التحقيق حصيلة بحث المحرر عن الأسباب الحقيقية للانقطاعات الكهربائية الحاصلة عندما أشار إلى أن المعنيين في مجال توليد الطاقة الكهربائية ألقوا بها على جانب التوزيع مثلما ألقى المعنيون، في الأخير، أسباب هذه الانقطاعات على جانب التوليد، وهنا كان الكاتب موفقاً في اختياره لعنوان التحقيق، على نحو يناسب مضمونه الذي حمل جملة (طالما بقيت الأسباب سيبقى انقطاع التيار الكهربائي!!) ذهب المحرر أيضًا إلى تحديد أسباب فنية أخرى ذات صلة بمواصفات ومناشئ التصنيع لمكونات الشبكة الكهربائية وما الى ذلك من عوامل كثيرة كانت وراء تردي خدمة تجهيز الكهرباء آنذاك.
يذكرني هذا بالفكرة الشيطانية لأبي جهل عندما طلب من زعامات قريش أن يجمعوا من كل قبيلة شابًا ليضربوا النبي عليه الصلاة والسلام ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه ويتشتت بين القبائل والعشائر.
ففي ظل غياب الحلول الحاسمة لا تزال أزمة توفير الطاقة الكهربائية المستقرة تتفاقم وتلقي بتبعاتها على المواطن العراقي الذي تداهمه حرارة أيام الصيف القاسية، عاماً بعد عام، فهل ينطبق ما تناوله التحقيق الصحفي الذي حرره الكاتب مؤيد عبدالقادر، قبل قرابة خمسة عقود على حالة المنظومة الكهربائية في العراق اليوم؟ نعم وعلى الرغم من وضوح أسباب تردي خدمة الكهرباء المعروفة للمحايدين من أصحاب الكفاءات المهنية والتي حددوها، إلا أنها بقيت معلقة ومحلقة كتحليق كرة لعبة الطائرة التي يتناوب لاعبوها على قذفها بعيدًا عن ساحتهم باتجاه ساحة الخصوم حيث يتفنن هؤلاء اللاعبون باستخدام مهاراتهم في المراوغة والخداع ولتعاد إليهم، مرةً أخرى، وهكذا….
من المعروف أن معالجة المعادلات الرياضية ذات العوامل المختلفة تزداد صعوبة وتعقيداً مع ازدياد عديد هذه العوامل المكونة لها، فهي شبيهة بمعضلة الكهرباء وحلولها فالكهرباء منظومة لا تعمل إلا بوجود نظام وعلى القائمين عليها التحلي بالشجاعة في تأدية ما يتوجب عليهم من أدوار ومهمات في عملية البناء والاصلاح.. فهي كيان متكامل واحد مؤلف من مكونات متصلة ببعضها ولا يمكن تحقيق وظيفة هذا الكيان (المنظومة الكهربائية) إلا بقوة ترابط هذه المكونات فهي تمثل سلسلة مكونة من حلقات متكاملة إذا فقدت إحداها تعطلت واصبحت من دون جدوى، فالمنظومة الوطنية للكهرباء وعلى وفق مخرجات أداءها الحالي تصنف في خانة المنظومات الفاشلة والعاجزة عن تلبية الطلب على الطاقة الكهربائية، بنحو مستمر ومستقر، وعلى المعنيين من القائمين عليها تنفيذ خطوات المعالجة المطلوبة بعيدًا عن الحلول الترقيعية وأساليب إطفاء الحرائق والتي غالبا ما تكون عقيمة .. والتوقف عن رمي كرة الازمة في ملاعب الأخرين فهي مسؤولية مشتركة وعلى جميع الأطراف الإسهام الفاعل في حسمها بإرادة وطنية نزيهة وموحدة.