23 ديسمبر، 2024 4:58 ص

الطفل “ريان” الذي يبلغ من العمر خمس سنوات، عندما كان يلعب بالقرب من بئر في بلدة تمروت التابعة لمحافظة شفشاون المغربية، سقط إلى عمق نحو 32 متراً من خلال فتحة ضيقة، وبقي دون طعام أو شراب، محاطاً بالظلام من جميع الجهات، مما أثار ضجة كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي وحملات تضامن عالمية لإنقاذه، وبعد هذه الكارثة، نحن كشعب عراقي لابد أن تكون لنا دروس وعبر نسلط الضوء عليها من عدة جوانب، أبرزها طريقة التسويق للقضية الإنسانية إلى الرأي العام المحلي العالمي، واهتمام وسائل الإعلام المحلية والعربية والعالمية، فضلاً عن المحور الأهم وهو الإهتمام والدور الحكومي المغربي بالقضية والنفير المؤسساتي للدولة المغربية في سبيل إنقاذ حياة الطفل، حيث تواصل هذا الجهد لأيام متتالية عبر تشكيل فريق إنقاذ، ضم مهندسين طوبوغرافيين ومختصين من الوقاية المدنية قاموا بإجراء دراسة تقنية ميدانية على مستوى الموقع الذي يحيط بالثقب المائي المعني ووضعية التربة، للتأكد من صلابتها حتى لا تعيق عملية الحفر الأفقي.

وكذلك على الرغم من الخلافات بين الحكومتين المغربية والجزائرية التي وصلت حد القطيعة الدبلوماسية بين البلدين بسبب قضية “الصحراء الغربية” إلا ان الشعب الجزائري كان جداً متعاطفاً مع جاره المغربي في قضية “ريان” وجعل ترند وهاشتاك “انقذوا ريان” هو المتصدر عربياً، متناسياً وتاركاً خلف ظهره تلك الخلافات، وهنا الشعوب تحمل رسالة محبة وسلام وتتوحد من أجل الإنسانية.

 

ما يهمنا ايضاً من درس ريان هو كيف تكون حكوماتنا مهتمة بمواطنيها والطفولة، وتفاعل الرأي العام والصحافة والإعلام والتواصل الاجتماعي مع قضية معينة، والذي يمكن خلاله تغيير مسارات مهمة لو سلط عليها الضوء، فكم ريان غرق، وكم ريان حرق، وكم ريان قتل برصاص طائش، وكم ريان يدرس في مدرسة طينية تفتقد لأبسط مقومات التعليم، وكم طفلة اغتصبت، وكم ريان قتل نتيجة إهمال حكومي ،وكم ريان مشرد، وكم ريان يعاني السرطان، وكم ريان في المخيمات صيفاً وشتاءً وكم وكم … فلدينا الف حكاية وقصص لا تنتهي في بلد انهكته الحروب والمحاصصة والفساد والإرهاب، لكن يمكننا إختيار القضايا المناسبة وتسويقها بالشكل الصحيح لتكون قضية رأي عام وإجبار السلطات على الرضوخ والاستجابة السريعة لها ومعالجتها، وقد بدى ذلك مؤخراً من خلال نشر مقاطع فيديو لأطفال يعنفون من قبل الاباء، فضلاً عن قضية مدرسة ام النخيل الواقعة في قضاء الدواية التابع لمحافظة ذي قار، عندما انتشرت في التواصل الاجتماعي صوراً لتلاميذ المدرسة وهم يفترشون الأرض أثناء تأدية الامتحانات في باحة المدرسة مع انخفاض درجات الحرارة ، مما أثار ضجة كبيرة أجبرت الحكومة على متابعة قضية المدرسة، وإصدار بيانات استنكار من منظمات حقوقية تعنى بالطفولة والأسرة.

المرحلة القادمة تتطلب من الجميع تشكيل فرقاً لرصد حالات تعنى بمشاكل الطفولة وطرحها على الرأي العام المحلي والعالمي للتفاعل معها، لتكون بوابة لمعالجة أي مشكلة او حالة انسانية أو قضية تحتاج للمتابعة الحكومية او الشعبية، و “ريان العراقي” يستحق منا جميعاً الدعم والمتابعة واحداث ضجة كبيرة حتى ينال كافة حقوقه المسلوبة في بلد يفتقد الى تشريع قوانين مهمة لحماية الطفولة.

—-‐————————————

محمد اكرم التميمي/ كاتب وصحفي عراقي
فيس بوك