23 ديسمبر، 2024 2:50 م

روس أولية في الوعي الديمقراطي : بين عقوق الدولة وحقوق الإنسان

روس أولية في الوعي الديمقراطي : بين عقوق الدولة وحقوق الإنسان

لم يسبق وأن طرحت على بساط البحث والتنظير مسألة العلاقة بين الفرد والدولة بإطارها الواقعي ومضمونها العقلاني ، إلا مع بديات الفكر الليبرالي الغربي وتزامنا” مع بواكير طروحاته حول قيمة الحرية الفردية وضرورة المشروع الحر ، كعوامل محركة للفعل الإنساني وتوجيه مساراته وعقلنة خياراته ، فضلا” عن تسليط الضوء على أهمية دورهما في تشكيل النظام الاجتماعي المعاصر . أما قبل ذلك ومن دونه فقد كانت هذه العلاقة تتسم بالكثير من الغموض ويشوبها الإفراط في الهلامية . فتارة تحتجب خلف رموز المقدس وتختلط بمعتقدات المحرّم (1) ، وتارة ثانية تستبطن دلالات الأسطورة وتستلهم معاني الخرافة (2) ، وتارة ثالثة تستوحي منطق القوة وتستلهم علاقات الاستتباع (3) . بيد إن هذا التحقيب الافتراضي لا يخولنا صلاحية إضفاء صفات الثبات والديمومة على هذه التحولات وتلك الانتقالات التي تمت على وفق هذه الكيفية من التسلسل أو هذا النمط من التدرج ، بحيث يمكننا تأطير العامل التاريخي للمراحل أو الفترات التي حدث فيها ومن خلالها الانتقال من شكل لآخر والتحول من صيغة لأخرى . بل إن الأمر ليبدو أكثر تعقيدا” وأشد تشابكا” مما هو شائع ومألوف في منظور الوعي التقليدي (4) .
ذلك لأن التداخل والتمازج ما بين تلك الأطر والأنماط ما برح – رغم التقادم الزمني – قائما” وفاعلا” لحد الآن ، دون أن يشكل هذا التخالط المستمر حاجزا” يعيق الفصل بين مكوناتها أو مانعا” يحول دون تحديد مواقع تمفصلها. ومع ذلك كله فأن ضرورة التوجس من الانسياق صوب الأحكام القاطعة والصياغات الجازمة تبقى راهنة الحضور وواجبة الاعتبار ، لاسيما وأن تدخل مؤثرات العامل الذاتي ( الخلفية الاجتماعية والمنطلق الفكري ومستوى الوعي والتكوين النفسي ) مرشحة لأن تكون ماثلة على الدوام في تضاعيف البحوث ومتون الدراسات المعنية ، مستهدفة بذلك إضعاف صرامتها الموضوعية والإخلال بحياديتها العلمية . حتى إن المفكر الجزائري ( عبد الله العروي ) وجد في ذلك مسوغا” منهجيا” ليحذرنا ، في مناسبة له سابقة ، من مغبة التورط في هذا المسعى المعرفي طالما انه : (( لا يجدي في شئ أن نتصور حالة سابقة بظهور الدولة . حتى لو وثقنا بوجود تلك الحالة ، فأنها لن تنفعنا في فهم الدولة القائمة حاليا”، كما إن حالة الكون قبل ظهور الإنسان لا تنفع في إدراك فيزيولوجية الإنسان الحالي))(5) . وهنا نسارع للقول بادئ ذي بدء ، إن ما نتوخاه من إثارة مسألة الأسبقية التاريخية بين مؤسسة الدولة وكيان المجتمع ، ليس الغاية منه بلوغ البرهان الفلسفي المطلق لفكرة الأولى وأصول الثاني ، بقدر ما نتطلع إلى طرح الإشكالية المتفاقمة بين واجبات الدولة / السلطة وحقوق الإنسان / المواطن من جهة ، واستخلاص الكيفية الإجرائية من خلالها تتهئ الامكانات العملية وتبلور الصياغات النظرية لتحقيق حالة التوازن والاستقرار بينهما ، والحيلولة دون طغيان العامل السياسي المجرد على حقول الوجود الاجتماعي ، بما في ذلك التطاول على حرية الإنسان وإهدار كرامته واسترخاص قيمته وتبخيس وعيه ، تحت شتى الذرائع الكاذبة والمزاعم الملفقة التي طالما لجأت إليها وتذرعت بها ألأنظمة الاستبدادية والطغيانية ، لكسب رهان الشرعية  وضمان الاستمرار بالسلطة
والواقع انه يتعذر الإلمام بطبيعة العلاقة التي تربط ما بين الدولة / السلطة من جهة ، والفرد / المواطن من جهة أخرى ، ما لم تستحضر ، بشئ من الإيجاز ، سيرورات البعد التاريخي التي من خلالها خضعت مؤسسة الدولة (6) لعوامل تمركز القدرة التي تمتلكها وتعاظم الفاعلية التي تمارسها في مجال التعبير عن مفهوم الإرادة العامة للمجتمع وضمانها توافق حركة أنساقه وتجانس بناه ، وحيازتها مقومات القوة وأساليب الهيمنة ومظاهر الشرعية التي أسبغت عليها تباعا” في سياق التحولات الديموغرافية في إطار من التساكن النسبي ، وما حضيت به من التطورات الكبرى التي شهدتها المجتمعات البشرية ، فضلا” عن تنامي وتائر حاجاتها التكنولوجية واتساع نطاق علاقاتها الاجتماعية وازدياد تراكم خبراتها التنظيمية ، على خلفية تقسيم الأعمال الإنتاجية وتخصيص النشاطات المعرفية وتوزيع الثروات المادية وإدارة الخدمات الحياتية . وعلى الرغم من تكاثر الأفكار وتناسل النظريات حول أصل الدولة وماهية الصلات التي تقيمها مع أفراد المجتمع الذي تهيمن عليه وتستتبع إرادته وتستثمر قدراته ، فانه يمكننا – بالاعتماد على معطيات التجارب السياسية المتحققة – اختزالها إلى تيارين رئيسيين يتنازعان ساحة الفكر السياسي منذ جمهورية أفلاطون وحتى دكتاتورية البروليتاريا . ففي حين تنظوي تحت لواء التيار الأول العديد من النظريات التي تقول بأسبقية الدولة على وجود المجتمع ، وبالتالي فهي مستقلة عنه ووصية عليه ، تعلوه في القيمة وتتسامى عنه بالاعتبار ، ولها الحق ، فضلا” عن ذلك ، بانتهاج ما تراه مناسبا” من تصرفات وضروريا” من إجراءات لتأمين خضوعه واستتباع إرادته ونمذجة وعيه وضبط سلوكه . وهنا نصادف الكثير من أفكار الفلاسفة وآراء رجال الدين الذين وجدت فرضياتهم وطروحاتهم في هذا المجال قبولا” ورواجا” من لدن الخاصة والعامة على حد سواء ، وذلك بسبب ما تقدمه لكلا الطرفين من مداخل سيكولوجية ومخارج اعتقادية ، تتيح  للنخب السياسية والدينية تبرير سلوك التسلط ومظاهر الطغيان الذي تمارسه حيال الشعوب المغلوبة على أمرها من جهة ، وتسوغ للعامة من الناس ظروف القهر التي تخضع لها وأوضاع الرحمان التي تعاني منها من جهة أخرى . ولذلك فقد وجد المفكر اللبناني خليل أحمد خليل ان (( هناك سياسي ورجل دين يتشاطران على الجمهور الموظب ، المحفوظ كالسردين أو سواه ، في مجالين ميتافيزيقيين : مجال الله ومجال السلطان ))(7) .   
وسوف نعمد لغرض الإيجاز والتوضيح ، إلى تصنيف نظريات هذا التيار بحسب توافق رؤاها السياسية وتناغم معتقداتها الإيديولوجية التي نسبت إليها وعرفت عنها ، لكي يتسنى لنا التمهيد للانتقال إلى نظريات التيار الثاني كما نشأت وترعرعت في بيئاتها الأصلية ، ومن ثم الاتجاه صوب تجربة بلدان العالم المنتهك ( الثالث ) الذي أفاق من سبات المرحلة الاستعمارية ليجد نفسه فجأة أمام دولة غريبة عن واقعه ومعادية لتطلعات شعوبه ، فرضت عليه لا في طبيعتها المؤسسية ولا في وظيفتها الإجرائية فحسب ، وإنما خلافا” لأصولها السوسيولوجية وقيمها الرمزية أيضا” . دولة أريد لها أن تكون أداة ضبط لتيارات القوى الداخلية وإعادة تشكيل لها من حيث الوعي والتاريخ والشخصية ، على نحو يؤهلها لخدمة أهداف القوى الخارجية وحماية مصالحها ، بدلا” من جعلها وسيلة لإنهاض تلك القوى الداخلية من كبوتها الحضارية المزمنة ، واستخدامها كأداة لانتشالها من تخلفها الاجتماعي المتوطن . بيد إن هذا لا يعني إن النماذج التي سنأتي على ذكرها ستكون سليمة من المؤثرات الجانبية لبقية عناصر النماذج الأخرى المحايثة لها والمتزامنة معها ، وأنها بالإضافة لذلك ستتمتع بالنقاء من شوائب التداخل والتمازج مع سواها – كما سبقت الإشارة إليه – بل كل ما في الأمر إن الذي يميز هذه النظرية عن تلك أو هذا الاتجاه عن ذاك ، هو وجود خاصية رئيسية معينة تتفوق بها على بقية الخصائص الأخرى لترسم مسارها وتحدد خيارها وتسبغ عليها في نهاية المطاف نمطا” سائدا” دون غيره منسوبة إليه ودالة عليه. الأمر الذي يفضي إلى أن تعرف هذه النظرية بدلالة طابعها المادي أو المثالي ، الرأسمالي أو الاشتراكي ، الجمهوري أو الملكي ، الدكتاتوري أو الديمقراطي .. الخ . وهكذا فقد شكلت ( النظرية اللاهوتية ) باكورة التيار الأول في إطار موضوع هذا الدرس ، واحتلت الصدارة في أجندة رواده واهتمامات منظريه ، وشغلت شطرا” كبيرا” من سجالاتهم السياسية ونقاشاتهم الفلسفية إزاء قضية الأصل الإلهي للدولة (8) ، وتاليا” حق أصحاب السيادة الذين يمثلونها بواجبات الطاعة المطلقة من لدن الرعية الموسومة في الغالب بلعنة الخطيئة الأولى ، واستثناء الملوك والأباطرة من أية مساءلة قانونية أو أخلاقية ، إذا ما أساءوا التصرف واستغلوا السلطة التي بحوزتهم ، طالما إن القانون هو من صنع أيديهم ويشرّع بناء على رغباتهم . عند هذه النقطة نلتقي بحشد يصعب حصره من الفلاسفة والمفكرين من الذين تبنوا وجهات نظر هذا التيار ودافعوا عن طروحاته المتمثلة بالأصل الديني للدولة ، وبالتالي أسبقيتها على المجتمع واستقلالها عنه وقمعها لنوازعه التي غالبا” توصف بأنها شريرة ، برغم من أنهم ينتمون لأزمان تاريخية مختلفة وأماكن جغرافية متنوعة وفضاءات معرفية متعددة . ففي كتابه الموسوم ؛ فلسفة الحق ، يشير ( جوليوس ستاهل ) إلى أن (( الدولة هي وسيلة فوق طبيعة الإنسان الذي أفسدته الخطيئة )) (9) . في حين أعتبر ( بيير دميان ) إن (( الدولة هي بمثابة الإرادة الإلهية لقمع الأشرار والملحدين )) (10) . من جانبه فقد علق اللاهوتي ( كوانتوس ترتوليان ) على خاصية الطابع الديني لسلطة الملوك والأباطرة مضفيا” عليها معالم القداسة بالقول (( نحن نحترم في الأباطرة حكم الله الذي أقامهم لحكم الشعوب . نحن نعلم أنهم بإرادة الله يمسكون بالسلطة التي تقلدوها )) (11) . ولعنا نكتفي ، في إطار هذه النظرية ، بما خطه يراع اللاهوتي ( سان بول ) حول طبيعة السلطة الإلهية وعواقب من يتصدى لمشيئتها حين كتب يقول : (( على كلّ فرد أن يخضع للسلطات العليا . إذ لا توجد سلطة ليست من الله ، والسلطات القائمة أرادها الله . ولهذا من يقاوم السلطة إنما يقاوم المشيئة التي أرادها الله ، ومن يخالف يستجلب نقمة الله عليه )) (12) . وبرغم غلبة طابعها الفلسفي ونزوعها الميتافيزيقي ، فان إسهامات رائد المثالية الموضوعية (هيجل ) في هذا الشأن لا يمكن بأية حال استبعادها عن دائرة اهتمام هذه النظرية واستثناء ما قدمته من أفكار ورؤى ، عززت لاحقا” مواقعها في إطار تصورها للعلاقة المفترضة بين الدولة التي بلغت لديه عتبة الذروة في تطور الروح الكوني ، وبين الفرد ومن خلاله المجتمع الذي – حسب رأيه – لا يستطيع بذاته بلوغ مرحلة الإدراك المكتمل لقيمة الحرية الإنسانية ، وبالتالي وعي كينونته المتفردة ، إلا عن طريق تلك الدولة وبالاعتماد على قدراتها . ذلك لأن : (( كل ما يكون الإنسان – يعلن هيجل –  إنما يكونه من خلال الدولة . فوجوده لا يكون إلا من خلالها .. (وان) كل ما يمتلكه الوجود البشري من قيمة – كل واقع روحي إنما يمتلكه من خلال الدولة )) (13) . وسوف نلاحظ فيما يأتي إن مضامين الفكر السياسي الهيجلي لم تقتصر فقط على إسناد توجهات هذه النظرية اللاهوتية أو تلك ، وتقدم لها الضمانات الفكرية المطلوبة فحسب ، وإنما ستدعم وبشكل قوي – من حيث لا تتوقع – مواقف النظرية الثانية في هذا التيار ( النظرية الفاشية ) وتمنحها الغطاء الإيديولوجي الذي تفتقر إليه والمسوغ الأخلاقي الذي تحتاجه . وهو الشئ الذي استصوبه أحد أبرز ممثلي مدرسة فرانكفورت الفيلسوف الألماني الأصل الأمريكي الجنسية ( هربرت ماركوز ) حين كتب يقول : (( بينما كان الجناح التقدمي بين الماركسيين هو وحده الذي يدافع عن تراث الجدل عند هيجل ، كانت تحدث حركة إحياء للهيجيلية في الطرف المضاد للتفكير السياسي ، وهي حركة قربتنا من بدايات الفاشية .. وقد بين (سيرجيو بانونشيو) – المفكر النظري
الرسمي للدولة الفاشية –  إن الكتّاب الذين يربطون بين كثير من جوانب الدولة الفاشية وبين دولة هيجل العضوية على حق )) (14) . 
وإذا ما شرعنا باستعراض مضامين النظريات الأخرى التي تمنح للدولة شرط الأولوية على المجتمع وتضع هذا الأخير تحت وصايتها ، ألفينا ( النظرية الفاشية ) تحتل المضمار الثاني في سياق هذا التيار . حيث أنها أسرفت لا في تأكيد فرضية إن الدولة تتقدم على الفرد والمجتمع معا” بالمقاييس التاريخية والمعايير السياسية فحسب ، بل أنها غالت بترجيحها عليهما بالاعتبارات الروحية أيضا” . وذلك من خلال تحميلها شرف المسؤولية الأخلاقية التي تمحضها القدرة على منح هذا الشعب أو ذاك سمات وعيه الاجتماعي وخصال سلوكه الحضاري . وعلى هذا الأساس فقد بنى الزعيم الفاشي ( موسوليني ) افتراضه بان : (( ليست الأمة هي التي تخلق الدولة كما هو السائد في الاعتقاد الطبيعي القديم ، الذي كان يستخدم كأساس دراسات رجال الفقه الدستوري في الدولة القومية من القرن التاسع عشر . بالعكس الدولة هي التي تخلق الأمة وتعطي للشعب الداعي لوحدته الأخلاقية ، إرادته ، وبالتالي وجودا” واقعيا”)) (15) . وكما يتضح من هذا النص فكأن النظرية الفاشية لها صلة وصل مع المعتقد الهيجيلي بخصوص الطابع الميتافيزيقي للدولة وقدسية وظيفتها ، بحيث أنها تمتح مقومات وجودها وعناصر سلطانها من نسغ الأصول الفلسفية لذلك المعتقد وتنسج على منوال تنظيراته السياسية ، وذلك انطلاقا” من فرضية التصور الهيجلي التي مؤداها إن : (( الدولة ليست مصنوعة ، وإنما هي صيرورة . وهي بدل إن تكون حصيلة قرار تتخذه ارادات فردية واعية (16) ، تتيح لهذه الارادات إن تتطور داخل صيرورتها . والروح الموضوعي هو حقيقة الروح الذاتي ، أي أساسه الواقعي . فبدل أن يكون المواطن هو الذي يجعل الدولة دولة ، فان الدولة هي التي تجعل المواطن مواطنا” . فالدولة هي الكلي الذي يتخطى الفرد ، ويتيح له أن يتخطى نفسه كمواطن ، وألاّ يبقى سجين خصوصيته الطبيعية )) (17) . وكخلاصة موجزة لهذا النمط من العلاقة المفارقة نجد إن الدولة أصبحت كل شئ وان الفرد/ المواطن وبالتالي المجتمع باتا لا شئ ، الأمر الذي يضع مسألة حقوق هذا الأخير إزاء سلطة الدولة في مهب الريح  لا بل إن خصائصه السوسيولوجية وحقائقه الانطولوجية ووقائعه التاريخية تغدو بكامل أنماطها ورموزها مرهونة بالتخلي عن إرادته الحرة واستمراء حالته العبودية ، على وفق وصف الفيلسوف الإنكليزي ( توماس هوبس ) الذي تصور إن (( في الدولة الأكثر تسلطا” يعرف الفرد أكمل تطوره . انه يجد فيها مصلحته وسعادته ، ولذته ورفاهيته )) (18) . أو كما قال ( جيوفاني كونفرسينو ) من انه (( في الاستبداد فقط ، تتطابق المصلحة العامة ومصلحة الحكومة . فالأمير التافه أجدر بالتفضيل من أية جمهورية )) (19) .
والجدير بالملاحظة إننا تعمدنا ، ونحن نلج مضمار التيار الثاني الذي تتبنى نظرياته أطروحة إن المجتمع هو الذي أوجد الدولة وهو من فوضها السلطة التي تمارسها وخولها سنّ القوانين التي تطبقها ، وبالتالي فهي لا تعدو أن تكون سوى مؤسسة لرعاية مصالحه وكيانا” للتعبير عن إرادته وجهازا” لضمان أمنه ومرجعا” لصيانة حقوقه . نقول إننا تعمدنا إهمال ذكر بعض النظريات الأخرى التي يمكن أن تدخل في إطار هذا التيار ؛ إما لعدم ذيوع صيتها وقلة انتشارها بين أرباب الاختصاص ، أو لأنها تشتمل بشكل ضمني على قسم مما أفصحت عنه النظريات الرئيسية في هذا الموضوع . وإتماما” للفائدة فقد اخترنا من جملة تلك النظريات على سبيل المثال لا الحصر ما يلي :
1 . النظرية العضوية التي زعم أنصارها ؛ الحقوقي السويسري ( جان غاسبار بلونتشلي ) والسوسيولوجي الإنكليزي ( هربرت سبنسر ) والعالم الأمريكي ( هاسكينس ) إن (( نشؤ الدولة يخضع لقوانين نشؤ وتطور الإنسان بوصفه نوعا” بيولوجيا”)) (20) .
2 . النظرية النفسية التي تربط أصل الدولة بضرب خاص من مشاعر الناس – بادراك ضرورة الخضوع . ففي ((التأثير النفساني الذي تمارسه الشخصيات ذات المبادرة في الجماهير يكمن ، حسب زعم هذه النظرية ، جذر الدولة )) (21 ) .
3 . النظرية العرقية التي (( ترى أسباب ظهور الدولة في الفوارق العرقية والقومية بين الناس ، وتعتبر العروق العليا مدعوة إلى القيادة ، والعروق الدنيا إلى الخضوع )) (22) .
وهكذا يتاح لنا الآن التعرض لمواقف نظريات التيار الثاني التي تنتظم حول مقولة أسبقية وجود المجتمع على صيرورة الدولة وما يتمخض عن ذلك من علوية الإرادة الإنسانية وتبعية سلطة الدولة لها ، والتي يصح ، تبعا” لذلك ، اعتبارها تحولا” جذريا” واتجاها” متقدما” في منظومة الفكر الإنساني ، باتجاه البحث عن الأسباب الواقعية والتنقيب عن العلل المنطقية التي تفسر وقائع انبثاق الدول وصيرورة المجتمعات . ولا مراء في أن تنويعات نظرية ( العقد الاجتماعي ) تحتل المقدمة في تسلسل نظريات هذا التيار ، وذلك لتبنيها الصيغة المعارضة لنمط نظريات التيار الأول ( اللاهوتية ) ، ومناهضتها للاستنتاجات التي توصلت إليها ، عبر التأكيد على دور الإرادة الإنسانية في تكوين الدول وتعزيز سلطانها ، لاسيما تنظيمها حقل العلاقات الاجتماعية وتوطين فكرة المواطنة وضبط تفاعلات الحقل السياسي . إلا إننا ، وقبل أن نستعرض خلاصة النظرية المشهورة في الأدب السياسي ونستطلع مواقفها ، نرتأي العروج إلى مضامين ( نظريات العنف ) التي شغلت حيزا” مهما ” في مجال
التنظير للعلاقة بين الدولة والمجتمع وما قد يترتب على تلك العلاقة من نتائج  تتعلق بمظاهر الهيمنة والخضوع . ذلك لأنها تشكل ، من بعض الوجوه ، معبرا” انتقاليا” ما بين نظريات التيار الأول ومثيلاتها في التيار الثاني . فضلا” عن كونها موئل الإرهاصات المتطلعة صوب التحرر من جمود الفكر السياسي الكنسي والانعتاق من الزامات العبودية الدينية التي كان يتبناها ويروجها رجال الدين في القرون الوسطى .  وعلى الرغم من اختلاف زوايا النظر وتباين حصائل التحليلات ، فان ذلك لا يكون – لاسيما عند كبار منظري حركة الإصلاح الديني في أوربا – بمثابة قطع للصلة مع اشتراطات النظرية الأولى ( اللاهوتية ) أو منطلق مغاير لتأسيس رؤية جديدة واجتراح منهج مستحدث . وكمثال على ذلك نجد إن المصلح الديني المعروف ( مارتن لوثر ) ولكي يتلافى تداعيات ثورته الإصلاحية في بنية الفكر الديني ، وما تمخض عنها من صراعات سياسية بالغة الخطورة وانقسامات اجتماعية عميقة الأثر ، لم يكن هو ذاته يسعى إليها أو يحسب حسابها ، لا في أصل مواقفه من السلطة الكنسية ولا في حقيقة أفكاره إزاء معنى الإصلاح وأبعاده ، لم يلبث أن اجتهد لإيجاد رابطة عضوية بين دين الكنسية وعنف السلطة ، تتيح له مخرجا” معقولا” إزاء العواقب التي نجمت عن نقده لأسس التصورات الأكليركية التي كان يخالها خروجا” على تعاليم الدين المسيحي ، وذلك بلجوئه إلى حث رموز السلطة السياسية على امتشاق السيف المعّمد بالقداسة الإلهية لقمع جهالة العامة واستئصال معاصيها . لهذا أعتبر (( إن الله يجلّ السيف . والإنسان إذا ترك لذاته ليس إلا معصية . ومجتمع البشر هو في مجمله مجتمع الحيوانات المفترسة التي يجب إذلالها ، ولا يوجد في السياسة ، حتى مثاليا” ، قيمة روحية )) (23) . هذا بالإضافة إلى انه كان يمجّد الدولة لا باعتبارها أداة لتنظيم الحياة الاجتماعية وتحقيق العدالة وضمان المساواة ، وإنما لكونها ((وسيلة لردع الوقاحات الإنسانية )) (24) . على إن هذا الموقف لا يشكل إلا جانبا” واحدا” من جوانب هذه النظرية التي تزعم إن العنف الاجتماعي بشقيه الخارجي (الغزو ) والداخلي ( صراع الطبقات ) هو القابلة التي استولدت الدولة ، وكان عاملا” جوهريا” لا في بقائها واستمرار تطورها فحسب ، وإنما في منحها القدرة للسيطرة على حراك المجتمع وتقنين تفاعلاته . فقد وجد بعض أنصار هذه النظرية إن ( الغزو الخارجي ) هو المسؤول تاريخيا” عن ولادة الدولة وانبعاث الأمة . هذا على سبيل المثال ما حاول البرهنة عليه الأمريكي (فرانز اوبنهايمر)  حين كتب يقول: (( إن اللحظة التي قرر فيها الغازي أن يصون حياة ضحاياه ليستغلهم في عمل انتاجي هي لحظة تاريخية فريدة ، لأنها هي اللحظة التي ولدت فيها الأمة والدولة ، وولد فيها الحق والاقتصاديات العليا ، ونشأ منها كل ما انبثق وتفرع فيما بعد عن هذه الولادة الأولى من ظواهر النماء )) (25) . من جانبها فقد روجت الماركسية لفكرة إن الانقسام الطبقي ، وتاليا”(الصراع الطبقي ) هو الدالة على وجود الدولة وحضورها ، حيث لعب دورا” مركزيا” في تكوين الدول وهو ذاته سيكون المسؤول عن أفولها . ومثلما إن الدولة مرتهنة لآليات فعل الصراع الطبقي فإنها قائمة باستمراره ، وصائرة إلى الاضمحلال بانعدامه . وعن ذلك فقد كتب أحد مؤسسا النظرية الماركسية ( فردريك انجلس ) ما نصه إن : (( الدولة لم توجد منذ الأزل . فقد وجدت مجتمعات كانت في غنى عن الدولة ولم يكن لديها أية فكرة عن الدولة وسلطة الدولة . وعندما بلغ التطور الاقتصادي درجة معينة اقترنت بالضرورة بانقسام المجتمع إلى طبقات ، غدت الدولة بحكم هذا الانقسام أمرا” ضروريا”.. وستزول الطبقات بالضرورة كما نشأت في الماضي بالضرورة . ومع زوال الطبقات ستزول الدولة بالضرورة )) (26) . ومما يذكر فأن هذه النظرية تستثير مفارقة منهجية تنبه لها بعض فلاسفة (العقد الاجتماعي) ، تتعلق بواقعة تغيير الأدوار وتبديل الوظائف . فالدولة التي كانت وليدة مجتمع بلغت تناقضاته الكامنة مستوى الصراع المكشوف بين مختلف قواه السياسية ومكوناته الاجتماعية ، لم تلبث وان انقلبت عليه واخترقت نسيجه وتسيدت مصيره . أي إن الدولة باتت – في إطار هذه النظرية – طرفا” مباشرا” وعنصرا” محددا” لطبيعة العلاقة بين مجالها الآخذ بناصية القوة المجردة والإرغام الفعلي ، وبين مجمل حقول المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، بحيث أصبحت تتحكم بمصادر القوى ونمط العلاقات واتجاه المصالح حاملة إياها على اتخاذ وجهة معينة تتفق ونهجها القائم على الاستحواذ والسيطرة من جهة ، ودافعة قوى المجتمع الفاعلة بكل أطيافها وعناصرها نحو التهميش والإقصاء من جهة أخرى . وذلك دون أن تضع بالحسبان حقيقة انه كلما تضاعف بطشها وتصاعدت قسوتها حيال ضعف المجتمع وقلة حيلته وإزهاق حقوقه ، كلما ازدادت عزلة وانزواء ونأت عن محيطها الواقعي وبيئتها الطبيعية ، وكلما خسرت مسوغات شرعيتها ومبررات مشروعيتها ، وقلصت بالتالي حظوظ بقائها على مسرح التاريخ كدولة . وهو الأمر الذي أفضى لانبثاق النظرية الليبرالية ومهد السبيل لرواج فكرة ( العقد الاجتماعي ) التي أعادة ترتيب العلاقة بين واجبات الدولة وحقوق المجتمع على النحو الذي يحجّم الأولى ويقلص نفوذها لصالح تعظيم الثاني وإطلاق خياراته ، بحيث لا تتعدى وظيفتها مجال الإشراف والمراقبة . أو كما أراد لها أن تكون الفيلسوف الفرنسي (هيبوليت تين) ليس ((أكثر من كلب حراسة))(27) .
 
والواقع إن نظرية ( العقد الاجتماعي ) التي تفسر نشأة الدولة على أساس التعاقد الطوعي الذي يتم بين الأفراد كجماعة (( أو بين الحكام كانت ملاذا” يلجأ إليه المفكرون الذين يسعون للدفاع عن المذهب الفردي في صراعه مع المذهب المطلق ، وذلك لأن الملوك كانوا يلجأون في تبرير سلطانهم إلى القول بأنهم يستمدونه من الله مباشرة ، فهم ظل الله على الأرض ، أو هم يحكمون على أقل تقدير باسمه ، وبتفويض منه . وبالتالي فهم يحاسبون أمامه فقط لا أمام الناس )) (28) . وبصرف النظر عن نمط الآلية التي اتبعتها كل نظرية لإثبات صواب وجهة نظرها لأجل أن يكتمل نصاب العقد الذي افترضت حصوله ما بين أفراد المجتمع وسلطة الدولة . إلا أنها جميعا” توصلت إلى حقيقة ((إن قيمة الدولة في المدى البعيد هي من قيمة الأفراد الذين يؤلفونها )) (29) . ومن ثم فهي مدينة بوجودها لأؤلئك الذين تخلوا لها عن جزء من إرادتهم وتنازلوا عن بعض من حقوقهم ، لكي يمحضوها السلطة الشرعية التي تمكنها من تأمين سلامتهم وضمان مصالحهم وتحقيق أهدافهم واستقرار أوضاعهم . وهنا نقف على مفترق طرق ما بين صيغة العقد عند الفيلسوف الإنكليزي ( توماس هوبس ) حيث يتنازل الناس (( عن حريتهم وحقهم في أن يحكموا أنفسهم وان يقبلوا ، راضين أن يحكمهم شخص معين أو مجموعة أشخاص .. ومن ثم فعلى جميع الأفراد أن يجعلوا إرادتهم خاضعة لإرادته وأحكامهم لأحكامه .. وحين يتم هذا التعهد يتحول الحشد ، أو جمهور الناس الذين اتحدوا في شخص واحد إلى ما نسميه بالدولة )) ( 30) . وبين صيغة العقد لدى نظيره  الفيلسوف (جون لوك ) الذي نلحظ عنده إن مبدأ التنازل الذي يبديه المجتمع حيال صاحب السيادة ( الدولة ) ، لا يسري على جميع الحقوق التي يتمتع بها الأفراد – كما نلفاها عند مواطنه هوبس الذي تحولت عنده الدولة إلى وحش أسطوري ( ليفياثان ) –  وإنما يشترط شمول حق واحد لا غير هو ( حق إيقاع العقاب الخاص ) الذي كان يمارسه في حالة الطبيعة كل فرد بنفسه ضد الفرد الآخر . ولذلك فان (( قيام الدولة بموجب العقد الاجتماعي ، ليس من شأنه أن يعدم الحريات الفردية التي كانت في حالة الطبيعة ، ذلك لأنه لا يقترن إلا بالتخلي عن حق واحد فقط ألا وهو الحق في إيقاع العقاب الخاص الذي كان سائدا” في حالة الطبيعة ، وذلك من أجل ضمان التمتع بكافة الحقوق الأخرى )) (31) . هذا في حين دفع الفيلسوف الفرنسي ( جان جاك روسو ) بأبعاد هذه النظرية إلى حدودها القصوى ، عندما عمد إلى ترويض وحشية الدولة والحد من عدوانيتها وتقليص سلطانها ، وذلك بلجوئه لنقل امتياز السيادة إلى أفراد المجتمع المنظوين تحت حماية الهيئة السياسية ( الإرادة العامة ) ، بموجب العقد المبرم بينهم حين وضع بين أيديهم صلاحيات صاحب السيادة (( طالما إن كل واحد يمنح نفسه ، بموجب العقد ، للجميع ولا يمنحها لأي واحد معين بالذات في هذا الجميع أو خارج هذا الجميع )) (32) . ولكي يقطع الطريق أمام أي احتمال قد يهدد حرية الفرد ويضرّ بمصالح الجماعة ، لم يكتفي ( روسو ) بما توصل إليه من فرضيات عندما جعل من الشعب المتكون على وفق بنود العقد الاجتماعي ، المصدر الأول والوحيد للسيادة ، بل لقد ذهب بعيدا” في الحذر من مغبة ارتهان حقوقه وتعلق مستقبله بأية إرادة لا تنبع من صميم ذاته ولا تعكس مكنون رغباته ، والاّ فقد صفته وأضاع كيانه . إذ إن ((الشعب بصفته هذه لا يمكن أن يربط نفسه بالنسبة للمستقبل بإرادة إنسان واحد . إن الشعب الذي يعد بالطاعة والخضوع يفقد صفته كشعب )) (33) . وبالشروع من هذه القواعد والمنطلقات وجد الفكر السياسي الغربي ضالته  متخذا” من مبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية دليلا” ومرشدا” لإسدال الستار على أزمنة القهر والعبودية والولوج إلى عصر المجتمعات الديمقراطية التي حقق الإنسان في ربوعها طموحاته المشروعة في الأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي والرفاه الاقتصادي والتقدم الحضاري والثراء الثقافي . من منطلق (( إن أية أهداف تطرحها الدولة في عالم اليوم لا يجوز وضعها فوق حقوق الإنسان والمواطن ، بل بالعكس يجب أن تكون جميع الأهداف نابعة من هذه الحقوق وخادمة لها )) (34) .
وكمن يدخل حقل ألغام ويجهل مواقع زرعها ، فأن الانعطاف نحو تناول إشكالية العلاقة بين الدولة والفرد في مجتمعات العالم الثالث ، يستلزم ضرورة أن يتوفر الباحث على ( رأس تاريخي ) ( 35) بحيث يضع عناصر الواقعة الاجتماعية بين سندان الوعي النقدي ومطرقة النسبية المعرفية ، لكي يستخلص الشكل النهائي لمعالم تلك الواقعة ويستنبط المسار الذي يحكم تطورها . ومما يضاعف من صعوبات الكشف عن آليات اشتغال العلاقة المذكورة ، وما يشوبها من تعقيدات غالبا” ما يتخللها التناقض والتصارع ، عادة ما تكون مرهونة بالأفكار المختلفة والمواقف المتعارضة التي خلفتها عقود من التحليلات السوسيولوجية والمماحكات الانثروبولوجية بين شتى المدارس والنظريات الإيديولوجية التي وظفت رصيدها المعرفي وأساليبها المنهجية ؛ إما لإثبات أو لنفي حقيقة إن بلدان العالم الثالث عرفت يوما” معنى الدولة قبل أن يداهما الغرب لفرض واقعها كمؤسسة سياسية بيروقراطية ، تستهدف كأهداف معلنة ؛ إحلال النظام بدل الفوضى ، وتأمين الأمن بدل الاضطراب ، واستثمار الموارد بدل إهدارها  وتحقيق العمران بدل الخراب . في حين إن جدول أعمالها المضمر أسقط من حسابه ؛ تفعيل التيارات السياسية ،  وتحديث البنية الاجتماعية ، وتقويم الهياكل الاقتصادية ، وتنشيط الفعاليات الثقافية . إذ من شأن حصول ذلك أن يتعارض مع مخططاته الاستراتيجية ، ويخالف طموحات مشاريعه الاستعمارية ، وهو الأمر الذي أسس منذ البداية حالة القطيعة الدائمة والافتراق المتواصل ما بين المجتمع (أفراد وجماعات) من جهة ، وما بين الدولة (قواعد ومؤسسات) من جهة أخرى . لاسيما وان (( مؤسسة الدولة العصرية قد أدخلت في المجتمعات الغربية عن طريق الاستعمار دون أن تصاحبها نظريتها الفكرية وأسسها الاجتماعية))(36) . ولهذا فالدولة على    
 وفق هذه الأصول والمرجعيات لم تكن لديها الرغبة ولا الدافع لبناء مجتمع يتمتع أفراده بمواصفات المواطنية القائمة على مبادئ العدالة في الحقوق والمساواة في الواجبات والجرأة في الرأي والاستقلالية في المعتقد ، لا يخشون لومة لائم حين يعيبون إصرارها على الأخطاء ، وينتقدون تمسكها بالسلبيات ، ويشخصون عيوبها في الممارسات ، ويحدّون من استئثارها بالسلطات . وفوق ذلك يطالبونها بتأمين حقوقهم ورعاية مصالحهم والسهر على أمنهم والذود عن سلامتهم . بقدر ما يهمها البحث عن الوسائل القمينة بتكوين رعايا مسلوبي الإرادة وممسوخي الوعي ومهدوري الكرامة ؛ لا يقلقون عوامل استقرارها ولا يهددون أسس بقائها ، كما ويتشكلون على وفق مشيئتها وينساقون خلف شعاراتها ؛ يخضعون لها ويتماهون معها ويجتافون قيمها ، حتى وان تقاطعت كل هذه الرزايا مع أبسط مقوماتهم الإنسانية ، وأدركوا أنها تفرض عليهم عبوديتها وتمارس ضدهم طغيانها . وعلى خلفية مثل هذا المشهد المفعم بالقمع والمخاوف والاضطهاد ، لا يغدو ممكنا” قيام مجتمعات تؤمن بالمثل الديمقراطية وتتشوق للتنعم بثمارها ، ما لم يطرأ تغيير حقيقي وانقلاب فعلي يطال الثوابت القديمة والمسلمات المستهلكة ، حيث الدولة هي السيد المطلق دون وازع أو رادع ، وأفراد الشعب هم العبيد لجلالتها دون قيد أ وشرط . وهذا لعمري هو سبب العلة التي ما برحت تعاني من وطأتها وتكتوي بنارها غالبية المجتمعات التي قايضت حريتها بطغيان الدولة واستبدلت حقوقها باستبداد الأنظمة . حيث (( لا نعود نجد مواطنين وسط هذا الجمهور ، إلا بشكل رومانسي ، بمعنى انتماء المواطن إلى وطنه ، كتراث ، كماض أو كحنين إلى أصل ما . أما انتماؤه إلى هوية وطنية ، فشكل لفظي . إذ ما معنى وطن لا يحمي مواطنيه ؟ وما معنى حكومة وطنية تفترس الداخل عبر الفئة المهيمنة على الحكم ، وتستقوي بالخارج لتجديد افتراسها لمواطنيها ؟ ))(37) . فلكي تتحقق بعض أحلام الديمقراطية في المجتمعات الموبؤة بالعنف من جميع الأصناف والمخترقة بالانتهاكات من كل الأنواع ، لا يكفي أن تنص دساتير الدول المتسلطة على تبني خيار الديمقراطية ، كما لا يطمئن أن تقسم النظم المستبدة بأغلظ الأيمان على إنها تعشق القيم الديمقراطية وتجاهد للدفاع عنها . بل إن المعيار الحقيقي على ذلك يكمن في الممارسات السياسية والإجراءات الاجتماعية والمواقف الفكرية التي تتيح للإنسان أن يتحرر من قيود العبودية التي كبلت إرادته ، ويمتلك زمام مصيره الذي ساومت عليه دوله ، ويستعيد مقومات شخصيته التي انتهكت حقوقها حكوماته ، ويستأنف مسيرة عطاءه الحضاري التي أجهضتها سلطاته . ذلك لأن (( الفكر الديمقراطي – بل صيغته بأبسط أشكالها : أي الدفاع عن حرية اختيار المحكومين لحاكميهم – يفرض القول إذن لا فقط بأسبقية القوى المجتمعية الفاعلة على السلطة السياسية ، بل المناداة أيضا” بالفكرة القائلة ؛ إن للناس حقوقا” معنوية ضد دولتهم )) (38).
ومن أخطر المساوئ التي من المرجح أن تواجهها المجتمعات المخترقة هي إن الدولة التي تمارس التسلط على مواطنيها ، وتستكثر عليهم نيل حقوقهم المشروعة ، وتسعى لاستبعادهم عن المشاركة في إدارة الشؤون العامة . لا تعيق فقط عمليات الحراك الاجتماعي للأفراد وتحول دون نضوج وعيهم وتعطيل مواهبهم ، لكي يتاح لها العمل بحرية دون حسيب أو رقيب – متحولة بذلك إلى دولة توتاليتارية – في محيط من الجهل الثقافي والتخلف الاجتماعي فحسب ، بل إنها تفضي من موقع كونها طرف منحاز- بعد أن خلقت ظروف الصراع وشجعت نوازع المغالبة – إلى حدوث كوارث سياسية وانهيارات اجتماعية ، تبدأ بالانقسامات الأولية وتنتهي بالحروب الأهلية . وعلى ذلك يرى الكثيرين (( إن الديمقراطية ، لا مكان لها في مجتمع يتناهبه تدخل الدولة السلطوي من جهة ، والمقاومات الطوائفية من جهة أخرى . إذ تظل الدولة معرضة باستمرار لاعتماد لغة الطائفة ، فتتحول بذلك إلى دولة توتاليتارية )) ( 39) . ولعل الملاحظ إننا وضعنا ، على امتداد موضوع هذا الدرس ، وزر المسؤولية على كاهل الدولة التي جعلت من العلاقة بينها وبين المواطن أشبه ما تكون بالطقوس الدينية التي تتطلب مشاعر الرهبة والخشوع لإتمام ممارستها . دون أن نحمل ، بالمقابل ، المواطن شيئا” من تلك المسؤولية ، جاعلين منه كبش فداء لمحارق الدولة وجرائمها . إلا أن ذلك لا ينبغي أن يعفيه ، بعد الآن ، من تحمل قسطه في تجشم عناء الخوض في غمار الأنشطة السياسية ، والانخراط في خضم الفعاليات الثقافية ، والانغماس في بلورة المشاعر الوطنية ، والشروع بتفعيل قضايا حقوق الإنسان الأساسية ، بما في ذلك فك الاشتباك الحاصل بين المجتمع الذي ينتمي إليه ويتفاعل معه على وفق مبادئ المواطنة ، وبين الدولة التي يراد لها أن تحمي وجوده وتحفظ كرامته وتمثل هويته وتصون مستقبله من جهة ، وأن تتجنب ، من جهة أخرى ، انتهاك حقوقه وهدرآدميته والعبث بمصالحه والاستخفاف بقيمته . وقد أصاب (بريكليس) أحد أساطين الفكر الإغريقي كبد الحقيقة حين قال : (( نحن ننظر إلى الشخص الذي لا يهتم بشؤون الدولة ، لا كمواطن كسول غير آبه بل فقط كانسان تافه ))(40) .
وحين نؤشر لوضعية النكوص التي مني بها الفرد حيال سلطة الدولة وجبروتها المتعاظم ، نتيجة لتدهور وظائف البنى المدنية ، وانعدام فاعلية الأنساق الاجتماعية ، وانحسار أنشطة المؤسسات الثقافية ، تلك المعول عليها انتشاله من حالة الاغتراب الاجتماعي وزجه في أتون المشاركة السياسية وتعظيم دوره في المساهمات الوطنية . لا ننوي معالجة المسألة من منظور ليبرالي صرف ، لا ينظر للدولة أو يتعامل معها إلاّ من خلال مصلحة الفرد المفصول عن مجتمعه والمنسلخ عن قيمه والمتخاصم مع تاريخه. بل النظر إلى الدولة من منظار دورها في بناء شخصية الإنسان / المواطن المتحرر من هواجس الخوف وعقد الاضطهاد ، وتعزيز هيبة القانون وقدرة المؤسسات التي تحمي حقوقه وتصون كرامته ، وتنمية حس المسؤولية الوطنية والأخلاقية واجتثاث النعرات العنصرية والطائفية ، وترسيخ قيم التآخي والعلاقات الإنسانية ، ونشر الوعي السياسي وتكريس حرية الرأي واحترام مظاهر الاختلاف والتنوع . إذ إن (( نضوج الثقافة المدنية والدستورية الحديثة هي العامل الدافع لتحول ديمقراطي أصيل وقابل للبقاء ، ونمو المنظمات المدنية يشكل القاعدة التي لا غنى عنها لازدهار مجتمع سياسي قادر على إدارة سلمية لدولة ديمقراطية ، بدءا” من وقف تغول الدولة ومصادرتها للحريات العامة وصولا” إلى التمكن من بناء دولة ديمقراطية ))(41) .       

الهوامش والمراجع
(1)    حول هذا الموضوع يمكن مراجعة كتاب جان توشار وآخرون ؛ تاريخ الفكر السياسي ، ترجمة الدكتور علي
مقلد ( بيروت ، الدار العالمية للطباعة والنشر والتوزيع ) 1981 . وللمقارنة حول هذه المسألة في الفكر السياسي العراقي القديم ، نحيل القارئ لمراجعة كتاب الدكتور عبد الرضا حسين الطعان ؛ الفكر السياسي في العراق القديم ( بغداد ، دار الرشيد للنشر ) 1981 سلسلة دراسات (282) . حيث يعّد في هذا الباب مرجعا” لاغنى عنه ، لاسيما حول طابع القداسة بين الفكر السياسي الغربي ونظيره الفكر السياسي العراقي .
(2)    لمقاربة أكثر حول هذا الموضوع يمكن مراجعة كتاب أرنست كاسيرر ؛ الدولة والأسطورة ، ترجمة الدكتور
أحمد حمدي محمود ( القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ) 1975 . ولمزيد من المعلومات حول دور الأسطورة في تشكيل الوعي الإنساني وبلورة العلاقات الاجتماعية ، لاسيما بخصوص تكوين الدولة ونشأة النظم الحكومية انظر ، روبرت . م ماكيفر ؛ تكوين الدولة ، ترجمة الدكتور حسن صعب ( بيروت ، دار العلم للملايين ) 1966 .
(3)    للوقوف على تفاصيل أكثر فأن مراجعة كتاب فردريك انجلس ؛ أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة ، ضمن مختارات ماركس وانجلس في أربعة أجزاء ( موسكو ، دار التقدم ) الجزء الثالث ، يعد اختيارا” موفقا” .
(4)    في محاضرة له عن الدولة ألقيت في جامعة سفيردلوف بتاريخ 11 يوليو/ تموز 1919 ، خاطب لينين الحاضرين قائلا”: (( إن مسألة الدولة من أكثر المسائل تعقيدا” وصعوبة . ولعل العلماء والكتّاب والفلاسفة البرجوازيين لم يشوشوا مسألة كما شوشوا هذه المسألة )) . أنظر لينين ؛ الدولة ( موسكو ، دار التقدم ) د. ت ص 3 .
(5)    الدكتور عبد الله العروي ؛ مفهوم الدولة ( بيروت ، دار التنوير ) 1983 ، ص 5 .
(6)    هنالك بعضا” من فقهاء القانون الدستوري الفرنسيين ممن اعتبروا إن الدولة ما هي إلاّ ( فكرة ) بعد أن تم تجريدها من خصائصها الموضوعية الدالة عليها والمعبرة عنها . ويعدّ الفقيه الفرنسي الشهير ( جورج بوردو) من أبرز ممثلي هذا التيار حينما كتب يقول : (( إن الدولة ليست إقليما” أو شعبا” ولا مجموعة من القواعد الملزمة . كل هذه العوامل ليست بالتأكيد غريبة عنها ولكنها تضعها فوق المعرفة المباشرة . فوجودها لا يتعلق بالظاهرة الملموسة ، انه شئ ذهني . فالدولة ، بالمعنى الكامل للكلمة هي فكرة . وبما أنها ليست لها غير حقيقة ادراكية فهي ليست موجودة إلاّ لأنها تدرك بالفكر )) . أنظر جورج بوردو ؛ الدولة ، ترجمة الدكتور سليم حداد ( بيروت ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ) 1985 . ص 10 .
(7)    على الرغم من إن أستاذ سوسيولوجيا المعرفة في الجامعة اللبنانية الدكتور ( خليل أحمد خليل ) يشخص هنا حالة الجمهور المستلب ضمن إطار زمكاني معين ( منطقة الشرق الأوسط المعاصر ) إلاّ إن ذلك لا يقلل من أهمية الاقتباس ، لاسيما وان الإشكالية التي يطرحها للنظر والمعالجة قديمة قدم المجتمع الإنساني ذاته ، فهي  لصيقة بتاريخه وشاهد على وجوده . انظر مؤلفه الجرئ ؛ سوسيولوجيا الجمهور السياسي الديني في الشرق الأوسط المعاصر ( بيروت ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ) 2005 ، ص12 .
(8)    يقول بولص الرسول في أحدى تعاليمه إن ( كل سلطة هي من الله ) مستتبعا” بذلك كلّ أنواع السلطات الاجتماعية والأخلاقية ، بما فيها وعلى رأسها السلطة السياسية . أنظر جان جاك شفاليه ؛ المؤلفات السياسية الكبرى : من ماكيافل إلى أيامنا ، ترجمة الدكتور الياس مرقص ( بيروت ، دار الحقيقة ) 1980 ، ص 79 .
(9)    جان توشار وآخرون ؛ مصدر سابق ، ص 462 .
(10 ) المصدر ذاته ؛ ص 133 .
(11 ) المصدر ذاته ؛ ص 91  .
(12)  المصدر ذاته ؛ ص 87 .
(13)  ميشيل متياس ؛ هيجل والديمقراطية ، ترجمة الدكتور إمام عبد الفتاح إمام ( بيروت ، دار الحداثة ) 1990 ،
        ص 21  .
(14) هربرت ماركوز ؛ هيجل ونشأة النظرية الاجتماعية ، ترجمة الدكتور فؤاد زكريا ( بيروت ، المؤسسة العربية
       للدراسات والنشر ) 1979 ، ص 387 .
(15) جان توشار وآخرون ؛ مصدر سابق ، ص 625 .
(16) جديرا” بالذكر إن ( هيجل ) كان يناهض فكرة العقد الاجتماعي كما وردت لدى فلاسفة التنوير باعتبارها
       حصيلة اتفاق ارادات فردية ارتأت التعاقد فيما بينها لتجنب مضار الحالة الطبيعية التي كانت عليها علاقاتهم  
       الاجتماعية كما سنرى .
          
(17) برنار بورجوا ، فكر هيجل السياسي ( دمشق ، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي )1981 ، ص 96 .
(18) جان توشار وآخرون ؛ مصدر سابق ، ص 263 .
(19) المصدر ذاته ؛ ص 186 .
(20) تشيركين ، جيدكوف ، يودين ؛ أسس النظرية الاشتراكية بصدد الدولة والحق ( موسكو ، دار التقدم ) ص44
(21) المصدر ذاته ؛ ص 45 .
(22) المصدر ذاته ؛ ص 45 .
(23) جان توشار ؛ مصدر سابق ، ص 216 .
(24) الدكتور عبد الرضا حسين الطعان ؛ تاريخ الفكر السياسي الحديث ( بغداد ، دار الحكمة للطباعة والنشر )
       منشورات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، 1992 ، ص 241 .
(25) روبرت م . ماكيفر ؛ تكوين الدولة ، ترجمة الدكتور حسن صعب ( بيروت ، دار العلم للملايين ) 1966 ،
       ص 31 .
(26) ماركس انجلس ، مختارات في أربعة أجزاء ( موسكو ، در التقدم ) د.ت الجزء الثالث ، ص 412 . وبرغم
       تعارض المنطلقات الفكرية وتباين التوجهات السياسية ، فان الفقيه الفرنسي ( ليون دكي ) ، توصل بعبارات
       مختلفة إلى ذات الرأي حين قال : (( حيث نقرّ في مجموعة معينة وجود قوة إرغام نستطيع أن نقول بوجود
       دولة .. ففي كل مجتمع بشري ، كبيرا” أو صغيرا” ، حيث نرى أفرادا” أو مجموعة أفراد يقبضون على قوة
       إرغام يفرضونها على الآخرين ، يجب أن نقول بوجود سلطة ، أي دولة )) . أورده الدكتور منذر الشاوي في
       كتابه الموسوم ؛ الدولة الديمقراطية : في الفلسفة السياسية والقانونية ، الكتاب الأول ، الفكرة الديمقراطية
       ( بغداد ، منشورات المجمع العلمي العراقي ) 1998 ، ص 29 . وانظر كذلك ، الدكتور عبد الغني بسيوني
        عبد الله ؛ النظم السياسية : أسس التنظيم السياسي – الدولة – الحكومة – الحقوق والحريات العامة ( بيروت
        الدار الجامعية ) 1985 ، ص 75 .
(27) جان توشار وآخرون ؛ مصدر سابق ، ص 532 .
(28) الدكتور إمام عبد الفتاح إمام ؛ توماس هوبس: فيلسوف العقلانية ( القاهرة ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ) 
        1985 ، ص 367 .
(29) جان توشار وآخرون ؛ مصدر سابق ، ص 416 .
(30) الدكتور إمام عبد الفتاح إمام ؛ مصدر سابق ، ص 371 .
(31) الدكتور عبد الرضا حسين الطعان ؛ مصدر سابق ، ص 356 .
(32) المصدر ذاته ؛ ص 459  .
(33) المصدر ذاته ، ص 462 .
(34) الدكتور محمد عابد الجابري ؛ الديمقراطية وحقوق الإنسان ( بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ) ،
       سلسلة الثقافة القومية (26) ، ط/2 ، 1997 ، ص 132 .
(35) العبارة للمفكر الجزائري الدكتور عبد الله العروي ، استخدمها لكي يهجوا فيها بعض المثقفين العرب الذين ما
       انفكت مساهماتهم الفكرية تفتقر إلى المنهجية التاريخية ، لاسيما في بحث المواضيع النظرية وتناول القضايا
       المعرفية . أنظر كتابه الممتع ؛ الإيديولوجية العربية المعاصرة ، ترجمة محمد عيتاني ( بيروت ، دار الحقيقة ،      1970 ) ، ص 144 . وقد كتب بهذا الصدد يقول : (( يفكر المثقفون العرب وفقا” لمنطقين : الغالبية العظمى
       منهم بحسب المنطق التقليدوي (السلفي) والباقي بحسب منطق انتقائي ؛ إلاّ أن الاتجاهين يعملان على إلغاء
       البعد التاريخي )) . أنظر كتابه الموسوم ؛ أزمة المثقفين العرب تقليدية أم تاريخانية ؟ ترجمة الدكتور ذوقان
       قرقوط ( بيروت ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، 1978 ) ، ص 151 – 152 . 
       
(36) الدكتور نزيه نصيف الأيوبي ؛ العرب ومشكلة الدولة ( بيروت ، دار الساقي ) سلسلة بحوث اجتماعية (10)
       1992 ، ص 5 .
(37) الدكتور خليل أحمد خليل ؛ مصدر سابق ، ص 22 .
(38) آلان تورين ؛ ما هي الديمقراطية : حكم الأكثرية أم ضمانات الأقلية ؟ ، ترجمة الدكتور حسن قبيسي( بيروت
       دار الساقي ) ط/2 ، 1002 ، ص 58 .
(39) المصدر نفسه ؛ ص 25 .
(40) جان توشار وآخرون ؛ مصدر سابق ، ص 19 .
(41) الدكتور محمد السيد سعيد ؛ مخاطبة عقل الدولة العربية ، جريدة الاتحاد الإماراتية ، العدد/ 10745 بتاريخ
       12/5/2004 .