18 ديسمبر، 2024 11:25 م

روسيا واوكرانيا: ماذا والى اين

روسيا واوكرانيا: ماذا والى اين

لاتزال العملية الروسية في أوكرانيا تتفاعل في الساحة الدولية، ولاتزال تداعيات العقوبات الاقتصادية الامريكية والاوروبية؛ تلقي بظلالها، على الاقتصاد الروسي والاوروبي معا، وعلى بقية دول العالم. العمليات العسكرية تسير ببطء شديد، ربما بسبب مقاومة الجيش والشعب الأوكراني لهذا الهجوم، او ان القوات الروسية لا تريد ان تدفع خسائر كبيرة، او انها تريد ان يعمل الحل السياسي عمله في بلوغ ما تريد من اهداف، او ما خططت له من اهداف. الرئيس الروسي وصف العملية الخاصة في اوكرانيا من انها تسير وقف الخطة الموضوعة لها وبنجاح. بينما وفي تزامن مع الهجوم الروسي؛ تتواصل بشراسة وهستيريا العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة من قبل اوروبا وامريكا، وكندا واليابان؛ لتضييق الخناق على الاتحاد الروسي. الرئيس الروسي وصف تلك العقوبات الاقتصادية بانها، او بان امريكا تشن حربا اقتصادية على روسيا. في السياق عينه او في تساوق مع تلك العقوبات، ازداد الدعم الغربي العسكري للجيش الاوكراني، حتى ان امريكا كما يقول الاعلام قد فتحت جسرا جويا لنقل السلاح الى أوكرانيا، وهو في معظمه او انه، لا يتعدى السلاح الدفاعي في مواجهة مع جيش مجهز بسلاح فتاك، من صواريخ وطائرات ومروحيات ودبابات وغير ذلك الكثير. في هذه الاثناء، او من اول اطلاقة مدفع بدأت الوساطات تلوح في الافق، لوضع حل لهذه الحرب، فهناك الوساطة الاسرائيلية، والوساطة الصينية والوساطة التركية، وعلى ما يظهر فان الوساطة التركية، مع اني كمتابع اشك كثيرا في نجاح هذه المفاوضات في الوقت القريب، ربما لاحقا بعد حين ما، تجد لها طريقا للنجاح. المسؤولون الروس، وعلى رأسهم بوتين؛ اتهموا امريكا بانها ألبت الاوربيين ضد روسيا. رغم كل الوساطات لم تظهر اي بادرة انفراج لهذه الحرب في الافق المنظور، انما رغم هذا؛ فأن الحل او وضع نهاية للهجوم الروسي، ربما يأتي عبر التفاوض، كما اوضحت في اعلاه، وهو احتمال كبير جدا، ان لم اقل اكثر من هذا.. من خلال فرض الإرادات بفعل الضغط العسكري الروسي على أوكرانيا.
الولايات المتحدة تريد ان تغرق روسيا في المستنقع الأوكراني، اي ان تغلق جميع ابواب الحلول، او تعمل على انسدادها بما تقوم به من تحريض، وبما تقوم به من دفع دول الاتحاد الاوروبي على الايغال بالعقوبات الاقتصادية على روسيا، وايضا عبر العمل على تدفق السلاح الدفاعي، في الجل الاكبر منه، والذي من بينه منظومات الدفاع الجوي، اس 300مثلا، والتي سوف ترسلها امريكا الى اوكرانيا، كما اوضح بادين في اخر خطاب له؛ اي توسعة مساحة المستنقع، لإيقاع روسيا في دروبه، وجعلها في نهاية المشوار، بعد زمن ما، عندما ينهكها الدوران في دوائر مغلقه لا مخارج فيها؛ تعمل على ايجاد هذا المخرج، للخروج من المستنقع الاوكراني، وهذا هو حسب التخطيط والرؤية الامريكية للحرب الروسية في اوكرانيا وتطوراتها مستقبلا. ان هذه الحرب، هي حرب تتعدى أوكرانيا، اي انها حرب استراتيجية؛ من يفوز بها بإمكانه لاحقا، ولو بعد زمن ما، ان يكسر عنق الاخر الند، او الاخر الخصم، وهي تدور في هذا الاتجاه بين امريكا وروسيا، وستلقي بتداعياتها على علاقات الصين مع روسيا، وعلاقة الاخيرة مع اوروبا، وعلاقة الصين مع امريكا واوروبا؛ وباختصار انها حرب مصيرية لجهة الاستراتيجية الكونية للقوى العظمى والكبرى. دول الاتحاد الاوروبي على الرغم من انها اعضاء في الناتو، أو ان الناتو بزعامة امريكا يعتمد عدديا عليها كليا، الا ان هذه الحرب ليست حربها على الرغم من ان الدولة المستهدفة بالغزو الروسي هي دولة اوروبية، لأن الابعاد الاستراتيجية لهذه الحرب، ليست اوروبية، بل هي امريكية وروسية، وتلقي بظلالها على التنين الصيني، الذي سيخرج رابحا، من هذه الحرب، مهما تكون نتائجها؛ على ضوء سياستها الحذرة، ووقوفها حتى اللحظة في المنطقة الوسط الى حد ما، بحساب بعض الميل، الى الجانب الروسي، انما هو ليس ميلا حاسما حتى الآن، انما بالحسابات الاستراتيجية، ليس من مصلحة الصين استراتيجيا ان تخسر روسيا هذه الحرب، لذا فان الصين في نهاية المطاف سوف تجد نفسها مضطرة للوقوف مع الجانب الروسي بطريقة او بأخرى، أو في اضعف الحالات لا تقف الى الجانب الامريكي والاوروبي مهما كان حجم الضغط والتهديد الامريكي لها، ومهما كانت حجوم المغريات لها من الجانب الامريكي. أما، ماهي مصلحة اوروبا في تحييد الدب الروسي، على صعيد المستقبل، وخصوصا وان هذا الدب فرصة تطوره، او امكانيات تطوره بالقياس على امكانيات اوروبا وبالذات المانيا وفرنسا، وامكانيات امريكا والصين، اقل كثيرا، كما ان هناك مصالح روسية كبيرة مع اوروبا، وعلى وجه التحديد النفط والغاز، والمعادن النادرة الاخرى، لذا ليس من مصلحتها التصادم مع الاتحاد الروسي، او ان تخسر دول اوروبا، علاقاتها الاقتصادية مع روسيا. لكن، في الوقت نفسه؛ اصبحت اوروبا وبدفع من امريكا ومن خلال منصة الناتو؛ خطرا على الامن القومي الروسي، وذلك بدخول دول اوروبية، على حدود روسيا في حلف الناتو. حتى العقوبات الاقتصادية سوف تكلف دول الاتحاد الاوروبي كثيرا وسوف تكون قاسية على الاقتصاد الاوروبي، على العكس منها، امريكا؛ فان هذه العقوبات كلفتها قليلة جدا، على الاقتصاد الامريكي. النفط والغاز حين تمتنع امريكا عن استيرادهما من روسيا ربما يشكل البعض من الضرر، لأنها تنتج ما يكفيها من المادتين وتعمل على تصدير الغاز المسال، اذا ما عادت الى تفعيل انتاج النفط الصخري، والذي سيكون مربحا جدا، في ظل ارتفاع اسعار النفط والغاز( ارجح ان تعود امريكا الى انتاجه) وهذا هو ما جعل دول اوروبا تمتنع عن ايقاف استيراد الغاز والنفط الروسيين. ألمانيا رفضت تزويد اوكرانيا بالطائرات المقاتلة، اكد هذا المستشار الالماني، واكد ايضا على الحل الدبلوماسي للحرب الروسية الاوكرانية، لكنه عاد بعد ايام بالسماح لشركات صناعة السلاح بتزويد اوكرانيا به، اي سلاح دفاعي. لكن الولايات المتحدة تدفع في اتجاه اخر، وهو استمرار تزويد اوكرانيا بالسلاح الدفاعي، كما انها تضغط وبقوة على بقية دول الاتحاد الاوروبي، على القيام بتزويد اوكرانيا بالسلاح، وقد نجحت في هذا الى ابعد الحدود. الاتحاد الروسي وعلى ما يظهر؛ من انه قرر المضي في المواجهة الى نهاية الشوط، مهما كان الثمن، اي تحقيق اهدافه من هذه العملية الخاصة في حماية اقليم الدونباس، كما يقول عنها الجانب الروسي. الرئيس الروسي بوتين اصدر قرارا بمنع الصادرات والواردات للمواد الخام، من والى روسيا، وهي خطوة جوابية على العقوبات الاقتصادية الغربية. كما ان الاتحاد الروسي، فرض شرطا جديدا لإحياء الصفقة النووية بين ايران والقوى الدولية العظمى، التي بات الاتفاق عليها، اي على الصفقة النووية، على الابواب. ان هذا الشرط؛ هو ان لا تؤثر العقوبات الغربية على روسيا، وعلى التعاون او العلاقات الايرانية الروسية، في الحقل الاقتصادي والتجاري والاستثماري والعسكري. امريكا قدمت تلك الضمانات المكتوبة كما قال وزير خارجية روسيا. وزير خارجية ايران صرح بان روسيا كانت قد ابلغت ايران بان الحرب في اوكرانيا ليس لها علاقة بالصفقة النووية. عليه فان الصفقة سيتم ابرامهما وبكل تأكيد. الولايات المتحدة، تعلم تماما؛ من ان روسيا في الايام المقبلة او الاسابيع المقبلة، سوف تكمل احتلال اوكرانيا، اذا كان هذا هو مخططها من العملية العسكرية في اوكرانيا، واذا لم تنجح الوساطات. لذا، فهي اي امريكا تجيش العالم ضد روسيا، او ضد العملية الروسية في اوكرانيا، مع عقوبات غربية غير مسبوقة؛ وتدفع في اتجاه غلق ابواب اي حل دبلوماسي، يقود او يفضي الى اطفاء نيران هذه الحرب. أما الغاية او الهدف الامريكي، من هذه السياسة؛ هو اولا: استنزاف القدرات الروسية سواء ما كان منها عسكري او اقتصادي؛ كي تؤدي او يؤدي هذا الوضع الى توليد كتلة صلبة مضادة لسياسة بوتين، وبالتالي تقليل مساحة حركته او حريته في الحركة، مما يقود؛ ان ينقلب الوضع في الدخل الروسي عليه، وعلى سياسته. ثانيا: دق اسفين بين الاتحاد الروسي ودول اوروبا وبالذات المانيا وفرنسا؛ كي تستمر في مواصلة حمايتها لأوروبا، وبالنتيجة تظل اوروبا، تحت مظلتها، اضافة الى تحويل اعتمادها على الغاز الروسي الى اعتمادها الى الغاز الامريكي المسال من الآن في حدود ما وفي المستقبل جزئيا، والى غاز الخليج العربي مستقبلا، اي تفكيك اكبر عقدة في التعاون الاقتصادي الروسي الاوروبي. ثالثا: العمل على تفكيك عرى التبادل المعرفي والتكنولوجي في حقل التكنولوجيا الاوربية المتطورة، بمعنى اكثر وضوحا؛ هو حرمان روسيا من العمل على توطين التكنولوجيا الاوربية، بفرض طوق من العزلة حولها. الرئيس الروسي، قال مؤخرا؛ حول تلك العقوبات، من انها سوف تدفع روسيا او الاقتصاد الروسي الى التطور بمعزل عن اوروبا على الرغم مما سيترتب عليها من اثار سلبية. هل ان روسيا ورئيسها الذي عرف بالدهاء، على مدار سنوات قيادتها للاتحاد الروسي؟ يبلع الطعم ويوغل في العملية العسكرية في اوكرانيا الى نهاية الشوط، اي احتلال اوكرانيا واسقاط نظامها، والإتيان بنظام بديل؟. ان الاجابة على هذا السؤال، من الصعوبة بمكان او انه صعب في ظل تدافع الاحداث على ساحة الحرب، في اوكرانيا، واختلاط اوراق اللعبة الدامية هذه. انما بالإمكان تلمس البعض منها؛ بالفحص المتأني لمجريات الهجوم الروسي او العملية الروسية في أوكرانيا، وايضا من خلال تصريحات المسؤولون الروس. القوات الروسية حتى كتابة هذه السطور لم تدخل المدن الكبرى، باستثناء المدن والبلدات والقرى التي تقع ضمن جغرافية اقليم الدونباس. فقد اكتفت بمحاصرتها، كما ان هجوم تلك القوات انحصر في دونباس، وفي المناطق المجاورة لها، وايضا السيطرة على المحاطات النووية. هذا من جانب اما من الجانب الثاني؛ فقد ركزت القوات الروسية المهاجمة، جهدها العسكري على تدمير البنية التحتية للجيش الاوكراني، وهي اي هذه القوات تواصل علمية التدمير الممنهج بلا هوادة، وعلى مدار الساعة، وفي كل يوم من ايام الحرب، وحتى وقت كتابة هذه السطور. المسؤولون الروس سواء العسكريون منهم او المسؤولون السياسيون وعلى اعلى المستويات؛ اكدوا ان العملية العسكرية كما يصفونها، تهدف الى؛ نزع سلاح اوكرانيا، والقضاء على النازيين الجدد او القوميين المتطرفين. كما ان المطالب الروسية تمحورت في ضمان حيادية اوكرانيا، واعترافها بضم روسيا للقرم، كونها ارض روسية، والاعتراف الاوكراني بجهوريتي دونباس. مع استمرار الوساطات؛ تغيرت مواقف كل من روسيا واوكرانيا؛ فالروس صرحوا من انهم لا يعملون على اسقاط حكومة كييف، وليس من مهاهم العملية هذا الهدف، في تناقض مع تصريحاتهم في بداية الهجوم، فقد بينوا من انهم او ان العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا من مهامها هو اجتثاث النازية في كييف، اي اسقاط حكومة كييف. الاوكرانيون ايضا حدث تغيرا في موقفهم؛ فقد قبلوا بالشرط الروسي الا وهو ان تكون اوكرانيا دولة حياد، مع الضمانات امريكية والمانية وروسية، لاحقا طالبوا بضمانات اسرائيلية. روسيا طالبت ان تكون اوكرانيا حيادية كما هو الوضع في النمسا وفي السويد لكن الاوكرانيون رفضوا هذا الطلب، وزير خارجية روسيا صرح من انه من الممكن التوصل الى حل وسط في المفاوضات. اعتقد ومن وجهة نظري المتواضعة؛ ان الروس والاوكرانيين؛ سوف يجنحوا الى الحل السلمي لهذه الحرب، ولو بعد حين، ربما لا يطول كثيرا. الاتحاد الروسي، سوف يحصل على ما يريد من هذه الحرب، الا وهو حيادية اوكرانيا، اضافة الى الاتفاق على ترتيب ما، في الذي يخص الدونباس؛ حكم ذاتي او استقلال ذاتي وهذا الاخير هو الهدف الروسي؛ والذي سيحصل الروس عليه وذلك بأحياء اتفاقات منسك، بطريقة ما او بأخرى، بصورة ما من الصور، أو استقلالهما. الاتحاد الروسي سيعمل ما في امكانياته على تجنب الاطالة في هذه الحرب بمختلف الطرق؛ لأدراك الروس ما يخطط الخصم الامريكي لهم في هذه الحرب، او لجهة الواقع لهذه الحرب. وهذا هو ما يجعلهم يركزون كل جهد قواتهم العسكرية في الميدان على الارض، او من السماء؛ على تدمير جميع البنية التحتية للجيش الاوكراني، من دون احتلال المدن، او دخول قواتهم فيها، باستثناء مدن وبلدات جمهوريتي الدونباس، اضافة الى السيطرة على المحطات النووية، ربما لهم فيها مأرب اخرى هي ابعد من السيطرة، بما يقع، ربما في سد باب الطموح الاوكراني في انتاج سلاح نووي مستقبلا. ان هذه العملية، بخططها العملياتية سابقة الاشارة لها في اعلى هذه السطور؛ هو اجبار الجانب الاوكراني على الرضوخ ولو جزئيا للمطالب الروسية.. خصوصا وان الناتو قد تخلى عن الدعم العملياتي لأوكرانيا او عن التدخل في الحرب وذلك بسبب كلفتها المدمرة، او التي ان تدخَل الناتو سوف تأتي على كل شيء، اي حرب كارثية على كوكب الارض.