السياسات والتخبطات الغربية بلغت مرحلة إلى مالا يطيقه الدب الروسي الحليف اللدود الذي خاض معهم حروب الماضي القريب ضد الاستكبار النازي، وإنقلبت معادلة هذا التحالف فيما بينهم إلى حرب ضروس بسبب تقاطع الأهداف والتوجهات والمصالح، إلا أنها حرب باردة كان من نتائجها تفكيك جمهوريات الاتحاد السوفياتي الاشتراكية، خسرت فيها روسيا -الوريث الشرعي للاتحاد السوفياتي- المقعد رقم واحد في مجلس الأمن الدولي، وتراجعت كذلك روح القرار ونمطه، وبرز عامل النفوذ والتراجع السياسي فيه لصالح الولايات المتحدة الأمريكية لتتأهل بتبوء زعامة القطب الواحد على الساحة الدولية.
لذلك فإن القضايا العالمية الساخنة عندما تدار من قبة مجلس الأمن الدولي، تدار على أساس هيمنة القطب الواحد على بقية الأعضاء وعلى الجو العام السائد فيه، ولهذا السبب أصبحت محصلة قرارات مجلس الأمن تبدو وكأنها تعبر عن ارادة أمريكية وغربية خصوصا عندما تتناول تلك القرارات الشأن العربي والصهيوني.
ورويدا رويدا تحولت تلك القرارات إلى مهازل تكال بالمكيال الأمريكي المزدوج، ولما آل المآل لمناقشة الوضع السوري الشائك أدركوا بأنفسهم حتمية تعقيد الوضع السوري بسبب موقعها وتحالفاتها وامكانياتها العسكرية، رغم كل الضغوط الاعرابية التي تمارس في الهيئة والمجلس ومن خلف الكواليس ومن خلال اللقاءات الثنائية والثلاثية والعشرينية والبترودولارية لالحاق أكبر العقوبات بحق سوريا تمهيدا لاسقاط النظام القائم فيها، ورغم كل هذا التشديد والضغينة اللامتناهية، غير قادرة مجتمعة على تحويل كفة معادلة الغلبة لصالح بما يسمى بجبهة النصرة والجيش الحر الاعرابيين.
ويبدو أن النفس الاعرابي، يبدو عليه انه يتآلف مع الحشد الصليبي القديم-الجديد ومع التكالب العالمي ضد سوريا في مؤامرة قذرة حقيرة قل نظيرها في التاريخ، إذ يجري”الغربي” وفي رأسه خططا لتحقيق أهداف سياسية جغرافية سيتراتيجية في المنطقة لا تنتهي عند حد معين ذلك انه كلما يتحقق هدف يولد في دماغه هدف جديد آخر، ويجري خلفه”الاعرابي” لا لهدف يذكر، وهدفه الوحيد القضاء المبرم على أخيه الافتراضي ” العربي” أو “المسلم” مثله كمثل الخروف الذي يجري خلف مالكه من أجل حفنة من “علف” أو قضمة من “برسيم” ولا يدري اطلاقا ماذا سيفعل به سيده هذا، ولا يدري أصلا أنه سيذبحه أم سيبيعه لآخر بدنانير أو دراهم معدودات!!؟
إن حالة التكالب والجري هذه من قبل الغرب ضد سوريا لا تأتي أبدا من فراغ، فهناك أسباب منطلقها صليبية وصهيونية وعسكرية وطائفية مناطقية، وأهداف مخابراتية أخرى غير معلنة، سيفصح التاريخ القريب عنها في يوم ما، ولكن علينا أن لا ننتظر فصاحة التاريخ، بل نسعى لاستخلاصها بانفسنا وقراءتها جيدا لإفشال تنفيذها، ولعل في ذلك خير هذه الأمة وصلاحها، ومن المسببات التي يجب قراءتها هو أن منطقتنا كانت مهبطا للأنبياء ولإلتقاء الحضارات القديمة والأديان والتبشير الديني وما زالت، ولكنها تسافلت غن هذا المقام الذي ميزت به عن بقية مناطق وارجاء المعمورة بسبب الحروب والتجاذبات السياسية والطائفية والمذهبية والاطماع الغربية، فمنذ بداية القرن العشرين وما سبقه من حروب صليبية وإستعمارية،وصولا للقرن الحالي تسافلت لأن تكون ايضا مسرحا لاحتدام المعارك الطاحنة والمدمرة بين اقطاب الاستكبار الصهيوني العالمي والمناطقي، وستكون ووفق هذه المعطيات مسرحا رئيسيا لاحتدام المعارك الفاصلة القادمة بين الأقطاب الجديدة التي تخاض على أرضها بين القطبين الروسي الصيني الايراني العراقي السوري اللبناني وربما بعض دول آسيا وبعض دول العالم الآسيوي الاصفر، وبين قطب التحالف الاستكباري الصليبي الصهيوني الغربي الاعرابي الذي تقوده أمريكا لتخليص اسرائيل من السقوط والزوال الحتمي والمؤكد الذي لا يزيد عن العشرين سنة القادمة في جميع الأحوال.
نعود للتخبطات الغربية، واسبابها أن سوريا لا تستجيب لمشروع تغيير الخارطة في المنطقة الذي يسعى الغرب لتنفيذه على أرض الواقع والذي يهدف لتفكيك الأنظمة المعادية للمشروع الغربي الصهيوني الاعرابي الجديد، ونفهم من ذلك أن التباكي الغربي الأمريكي على الشعب السوري وانسانيته المنتهكة وحقوقه المسلوبة من قبل النظام وديكتاتوريته كذب في كذب، فلا تباكيهم حقيقي ولا خطاباتهم صادقة، ولا إعلامهم واعلام القنوات الاعرابية منصفة فكل أصابه العور في ما ينقلون ويصفون ويكتبون، فيحولون الحقائق إلى أكاذيب، والأكاذيب إلى حقائق، ولا حتى خطابات المنابر الدينية والخربشات الرومانسية الشعرية والأدبية الاعرابية هي أيضا بصادقة، إن كل ذلك يصب في تحقيق أهداف وكالة الاستخبارات الأمريكية والغربية البريطانية والفرنسية وأذناب وكالات عملائهم الاعراب وتحقيق مهامها بالمال الاعرابي، من أجل دعم عصابة الارهاب التي اتخذت من نفسها عصا ردع بيد هؤلاء في سوريا المتمثلة في ما يسمى “بالجيش السوري الحر وجبهة النصرة” الذين عاثوا فسادا في البلاد والعباد، وإجراما منكرا من ذبح للناس بالسكين والتعذيب الجائر والاغتصاب وجهاد النكاح واستعمال الغازات الكيماوية السامة ضد السكان حسب ما تشير اليه الأدلة الدامغة التي بثتها وكالات الأنباء الدولية المنصفة عبر الأقمار الصناعية.
ونسأل أنفسنا متى كانت أمريكا وحلفائها في الغرب عبر تاريخهم المعقد الأسود والمرير، أن تعاطفت مع الشعب العربي ومع قضيته المركزية، حتى تتعاطف الآن وتتباكى على الشعب السوري؟
وإذا كان الجواب لهذا السؤال ب”نعم” فهل نكون حينئذ على قناعة تامة واطمئنان بائن عن أن هذا التباكي وكل ما تجرى من فبركات لاستغفال الرأي العام العالمي هو عملا خالصا لوجه الله سبحانه ولمصلحة الشعب السوري؟
فإذا قالوا “نعم” فلم ولن نقتنع ب”نعمهم” هذه مهما قدموا من حجج وقرائن، ومهما كان تأثير الاعلام، ومهما كانت درجة ارتفاع عاطفة أذيالهم من شيوخ الاعراب وعلمائهم الأبالسة وفقهائهم الشياطين المدلسين وصفوفهم من الشعراء والكتاب الشحاذين وسياسيهم المتاجرين بأموال ودماء المساكين، طالما انهم يقفون ضدنا مع أعداء الأمة العربية والاسلامية، وتبنوا دعوة المجتمع الدولي إلى دعم وتسليح المرتزقة الأجانب من القاعديين وبما يسمون بالمجاهدين ودهانقتهم الدجالين باسم الإسلام وارتداء عباءة الدين.
فأي دين هذا يتبنى ذبح رجل بالسكين امام أطفاله؟
وأي دين يقر بنكاح امرأة من عديدين وهي مازالت بذمة زوج شرعي، وأي وأي…حتى ينقطع النفس؟؟.
هاكم هذا الرجل المعتوه وهو رئيس سابق لدولة غربية كبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن، ومن الشخصيات التي أقرت الزواج المثلي في بلده، الرئيس الوقح الفضفاض، هاكم ماذا قال للصحافة الدولية؟
إنه قال: “بأنه لن يتخلى عن الشعب السوري العظيم، مهما كلفه الأمر، ولو غامر بالديموقراطية الغربية وحقوق الإنسان”
واضاف آخر انه يتوجب على الرئيس السوري أن يرحل، و يرحل وبس، أويلقى نفس المصير الذي تلقاه القذافي.
وهذا نصه: “أما أن يقبل الإملاءات الخارجية”للمجتمع الدولي” أوسيُرحَل كما تم ترحيل القذافي”.
أستحلفكم بالله باي منطق يتكلمون هؤلاء؟ وبأي حق؟ وبأي قانون؟
أية عقلانية هذه وأي سياسة التي يحملها هؤلاء الناس؟
إننا حقا نعيش في زمن الهمجية، وفي زمن السفهاء الأوباش، وسلطة الاعراب، “الزمن الذي قل فيه الديانون”.
أو لسنا نعيش في هذا الزمن الذي وصفه سيد العاشقين الامام الحسين(ع) حين قال: “إن الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون” من أمثال ساركوزي وأوباما وأردوغان وسلاطين وفقهاء الاعراب.
ختاما، فرب سائل يسأل: ماهي أسباب وقوف روسيا إلى جانب سوريا الرسمية في محنتها الحالية؟
والاسباب كثيرة اضافة للاسباب الآنفة الذكر، ولكني استخلصها بنحو الاقتصاب، فكان من أهمها عمق العلاقات الدبلوماسية والتجارية الطويلة الأمد بين الدولتين، وذكريات وقوف الغرب برمته كجبهة واحدة ضد ليبيا، الأمر الذي حدا بروسيا أن تتخذ جانب الوقوف مع سوريا لكي لا ينسحب هذا الاستفراد على سوريا من قبل الغرب الانتهازي والذي لو حصل كما حصل في ليبيا فذلك ينعكس على تخلخل الأمن في الشرق وتعثر المصالح الروسية التجارية العسكرية للانهيار، وسبب آخر هناك أيضا محاولة لاعادة انتخاب “فلاديمير بوتين” لولاية أخرى، وهذا يعني فيما يعني أن الشعب الروسي يميل إلى ابقاء علاقاته الطيبة مع سوريا وإدامتها.
ثم إن العداء التاريخي بين روسيا وتركيا، أيضا يعد سببا غير مباشر من أسباب انحياز روسيا للجانب السوري لإلتقاء وتقاطع الأهداف والعلاقات الثلاثية، وانحياز تركيا لجانب المقاومة المسلحة الميالة بولائها لملوك وسلاطين الاعراب جعل من روسيا قلقة من عدم ضمان قيام المعارضة بعلاقات تجارية عسكرية طيبة معها في المستقبل، فضلا عن الكفة ستكون راجحة للجانب التركي فيما لو نجح المسلحون بثورتهم واقامة علاقات تعاون عسكري مشترك مع تركيا قد يقلل من أهمية ميناء طرطوس السوري الذي تحتفظ فيه روسيا بجزء من اسطولها الحربي القابع فيه والذي يضم قاعدة روسية تستقبل السفن الحربية الروسية المسلحة بأسلحة نووية، اضافة إلى أن إغلاق تركيا لمضيق البوسفور امام الاسطول الروسي ومنعه من المخور في البحر الأبيض المتوسط سيزيد من عزلة روسيا العسكرية واضعافها امام التحالف الغربي، لأنها لو ابقت المضيق مفتوحا فإن روسيا ستقوم بضرب تركيا من جهتي البحر الأسود والأبيض.
ووقوف روسيا مع سوريا هو بمثابة رسالة يوجهها الكرملين إلى المتمردين الإسلامويين في داغستان والشيشان وانغوشيا من وجهة نظر روسية أنه لايمكن أن يكون هناك أي دعم لهذه السياسات المتطرفة المنحرفة، وأن روسيا ستقف بالضد منهم وقمعهم بقوة بسبب تلك السياسات.
علما أن روسيا مكتفية ذاتيا من حاجتها لانتاج الطاقة المعتمدة على النفط لأنها أكبر منتج للنفط في العالم، ولا تعتمد على الصادرات النفطية من الدول العربية السنية ولا على مواقفها السياسية، فهي تقوم بدورها الخاص بعيدا عن الجامعة العربية الراضخة لإملاءات الغرب.
ولا يتصور البعض أن هذا الميل للجانب الروسي لسوريا بسبب علاقات شخصية مع ساسة النظام القائم في سوريا، ذلك ما صرح به وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف باعترافه قبل التصويت في الأمم المتحدة “إن الروس ليسوا أصدقاء بشكل خاص للرئيس الأسد، إلا أن روسيا تريد أن تحل الأزمة السورية بطريقتها الخاصة”.
ف”سوريا هي واحدة من حلفاء روسيا الأكثر أهمية في العالم العربي، إذا تخلت موسكو عن دمشق في هذه اللحظة الحرجة، فإن الرسالة التي سترسل إلى الحلفاء في شتى أنحاء العالم هو أن المرء لا يستطيع الاعتماد على الكرملين”.