25 فبراير، 2025 3:14 ص

روسيا …. اوكرانيا ، الماضي والحاضر والمستقبل

روسيا …. اوكرانيا ، الماضي والحاضر والمستقبل

هكذا هو التاريخ ، لاتكتمل أواصره إلا بخواتيم تأرخته . وهكذا هي الجغرافيه ، حاضنة التاريخ وسور حدوده ، وهكذا هي الفلسفه ، التي تقع على عاتقها الامرين : قراءة التاريخ في خضم الجغرافيه وإحتضان الجغرافيه في تأرِخة وقائعه . لامناص من ذلك وإلا نقع في مستنقع الضلال والجاهليه . التاريخ ، كائن حي يُرزق ، نبضه بمثابة إستأذان للكاتب في ان يلج ابوابه .
روسيا ، الآتيه من تاريخ ألف عام في مسيحيتها الارثدوكسية ، واوكرانيا المستنبتة من ذات العروق . تاريخ مشرأب من أب وأم وحاضنه واحده .
تستطيع اوكرانيا الآن على لسان قادتها ان تتملص من هذا التاريخ ، لكن الجغرافيه ، بل ان التاريخ ذاته كصيروره زمانيه ، يأبيان ذلك . الإتكاء على التاريخ فقط لايجلب سوى الخيبه ، وخيبه مؤكده لإولئك الذين يعتمدون على الجغرافيه وتضاريس الأرض وحسب .
هاهما ، كِلاهما في نفق مظلم في حرب الدم الواحد والديانه الواحده والتاريخ المشترك والجغرافيه الواحده بل والمستقبل الواحد .
يعلّمنا استاذنا ” مكيافيلي “ في كتابه الأغر ” الأمير ” أن المصلحه هي لُب السياسه وذاتها ، عدّاها تتبخر كل الأماني والرغبات ونشدان الخير . المصلحة ، ثم المصلحة اولاً واخيراً. وإذا ماكانت هذّه المصلحة مقرونة بالماديات والمنفعه ستضحى لدى السياسيين ورجال السلطة بل والحاكم ذاته أيقونة السلطه والقوه والاستماتة. الا نعرف ان ثمة في العلوم الاجتماعية نظرية قائمة بذاتها تدعى نظرية المنفعة !
أوكرانيا المُستَعلِيه الأن ، او بالأصح ماتتخيل وماتظن ذلك ، مع ان الواقع لايؤكد ، بل ويدحض ذلك ، ماهي سوى لقيطه في عالم الجغرافيه وليست إلا جزء يسير ، بل وضئيل في عالم التاريخ . لاأنطلق في ذلك من هوى وظنّ او تصور غير واقعي ، وإنما من وقائع تاريخية وجغرافية متأصلة.
لننظر معا ، إن سمحت ، في التاريخ الحديث في ذلك .
مابين عامي 1923 – 1954 ، ولدعاوي شتّى عمّدت السلطه السوفيتيه على إلحاق 8 مقاطعات وأراضي شاسعه إلى أراضي أوكرانيا كان من بينها من حيث الأهمية الاقتصادية والسعه الجغرافيه منطقة ” الدانيسك ” عام 1923 , غرب اوكرانيا الحاليه ، وهي بالأصل أراضي بولندية عام 1939 , زاكرباتيا عام 1945 واخيراً وبمبادرة من الزعيم السوفيتي ” خروشوف ” تم إلحاق شبه جزيرة القرم بما فيها المدينتين التاريخيتين وذات البعد الاستراتيجي يالطا وسباستوبل عام 1954 ( انظر مقالتي في ” كتابات ” بتاريخ 13 أيلول 2019 “
من هي اوكرانيا ، التي ادخلت السياسه والمصالح النفعيه وايديولوجية الفاشيه الجديده في رحم هذه العلاقه التاريخيه بينها وبين حاضنتها الام ، روسيا . وهي الآن مُعلَقّه مابين حلم الانتصار على روسيا ، وهذا بالقطع سوف لن يتحقق ، وبين زوالها كدوله ، أو على أفضل الاحوال تقزيمها وتشظيها في حالة هزيمتها ، وهذا هو الاحتمال المنطقي . وتشير آخر التقارير الى ان كل من بولندا وهنغاريا ورومانيا على اهبة الاستعداد لطرح هذا الامر على طاولة المحادثات بعد انتهاء الحرب .
الغباء ليس وحده هو الذي يستطيع ان يخلق سياسه رعناء ، بل ايضاً عدم او تجاهل قراءة التاريخ من منظور الواقعيه وتوازن القوى . ولنا في تجربة إحتلال دولة الكويت من قبل البعث الصدامي خير دليل على ذلك .
المهم بالنسبه لاوربا ان تبقى روسيا في حالة حرب ، ليس بالضروره من اجل هزيمتها ، الامر الذي لاعتبارات تاريخيه وعسكريه لايمكن ان يتحقق مائه بالمائه ، بل من أجل إستنزافها بالتدريج وعلى الامد البعيد ، وهذا هو بالضبط معنى الحلم التاريخي لدى مجموعة الأنكلوسكسوني بقيادة بريطانيه وبرعاية الولايات المتحده الأمريكية ضمن اطار الماسونيه العالميه . هذه هي الغايه . اوكرانيا هي بالضبط بالنسبه للغرب ولامريكا هي الفرصه المُواتيه والمُبتغاة لهذا الهدف الاستراتيجي . لماذا ؟ لأنها الأقرب جغرافياً إلى روسيا وتمثل العمق الجغرافي ، بل الجيوسياسي لها . وتغدو ارواح القتلى الأوكرانيون لاأكثر من كبش فداء . الان إستجد عامل جديد بانتخاب ” ترامب ” رئيسا للولايات المتحده الامريكيه ، والذي رفع ، على عكس سلفه شعار البراغماتيه – العقاريه – الربحيه في حل الأزمات الدوليه . وما يؤرقه اليوم هو استعادة الأموال الامريكيه التي قدمتها إدارة بايدن لأوكرانيا ، وكذلك التفكير بتفعيل الاستثمار الخارجي بما فيه في السوق والاقتصاد الروسي ، والذي انسحبت منه جُل الاستثمارات الامريكيه إتساقاً والعقوبات الامريكيه والاوربية ، خلال الأعوام الثلاث الاخيره .
وحسب ( كيريل ديميترييف ) رئيس صندوق الاستثمارات الروسي فان الشركات الأمريكية قد اضاعت 324 مليار دولار عند انسحابها من السوق والاقتصاد الروسي إمتثالا للعقوبات الامريكيه ، وإذا مااضفنا 350 مليار دولار قيمة المساعدات الامريكيه ، بشقيها العسكري والمالي ، فان الخسائر الامريكيه بالإجمال تبلغ حوالي 700 مليار دولار في ظل ولاية رئيس أمريكي واحد وهو ( بايدن ) ، الذي يسمّيه خلفه الان بالرئيس الغبي ، لاأكثر ولكن ليس أقل !! ، بل والأنكى من ذلك ان نصف المساعدات الماليه الامريكيه وعلى لسان الرئيس الأمريكي لايعرف الرئيس الاوكراني ذاته أين ذهبت ، باعتراف الأخير ذاته !!
والشيء بالشيء يذكر فان الشركات الأمريكية والأوروبية التي انسحبت من السوق الروسي تحاول الآن جاهدة للعوده ، ولكن هذه المرة على أساس المنافسة وليس على أساس المقبوليه المطلقة التي اعتادت عليها ، كما صرح بذلك ( انطون اليخانوف ) وزير الصناعه والتجاره الروسي .
في كتابه ” البحث الثاني حول الحكومة ” كتب ” جون لوك – 1704 – 1632- المفكر والفيلسوف الإنكليزي ، والذي كانت لآرائه مكانة استلهام فكري لإعلان استقلال الولايات المتحدة الأميركية عام 1776 ،” اليوم كل العالم امريكا … ” – أورده زبيغنيو بريجنسكي في كتابه ” بين عصرين ، امريكا والعصر التكنتروني ص. 245 – . أيا تُرى ألم يستلهم السيد ترامب فلسفة هذه المقوله التي كتبها “لوك ” قبل حوالي ثلاثمائة عام ، في تعامله الان مع الأزمه الاوكرانية، وكذلك مع القضيه الفلسطينية، وبالأخص فيما يتعلق بقطاع غزه !
الدوله المعاصرة اليوم لايكفيها إنها تتكيء على جغرافيتها او على تاريخها. هذا لايكفي في عالم اليوم . الدوله المعاصره ، الحديثه ، العلمانيه اليوم إنما تستند على العتلات التاليه : القوه ، القوه الناعمه ، غنى الموارد ، حسن القياده ، والتوافقات الدوليه . وأود هنا أنّ أقف ولو قليلا عند مصطلح ” العلمانيه ” لكيما لايؤول الأمر عند البعض إلى إلتباس وربما جهل في فهم المصطلح ، ولكيما أؤكد ان العلمانيه ليست كما يروج البعض من انها معتقد أو نظريه ضد الدين ، بل هي نظام حكم الدوله ، وهي كمصطلح وكتطبيق بعيدة كل البعد عن اقحام نفسها في المعتقد الديني . قد يعود السبب في تشويه معناها وفلسفتها إلى سوء والتباس ترجمة الاصطلاح ذاته الى اللغة العربية ، حيث ان مصطلح “ secularisme “ لدى “ Google ” تعني ” العلمانية ” وفي ” المورد ” للموسوعي الراحل ” منير البعلبكي ” تعني (” الدنيوية ” : عدم المبالاة بالدين او بالاعتبارات الدينيه ) – ” المورد ” الطبعه الثالثة عشر ص. 827 – اي انه أسقطها على الشخص ، الفرد ولا تتعلق بالدوله ككيان مؤسسي ، والأصح إستخدام مفردة “ secularity “ وتعني حسب ” البعلبكي ” ايضا ” الصفه الدنيويه او المدنيه ” بمعنى الإدارة اللادينية للدولة ، وتبعاً لذلك فصل الدين عن الدوله وإدارتها ، ولا تعني أبدا ” الإلحادي ” عندما يسقطها البعض للأسف على شخص ما !
قد يكون من المناسب احيانا ان يتم تحقير السياسه وتدنينها إلى لااكثر من صفقه عقاريه ، قوامها الربح والخسارة. هذا العلم ، اي علم السياسه ، عند ذاك سيؤول إلى ما كونه في التحليل الفلسفي لااكثر من آلة نقد بتعبير مشوه من ” ماركس ” وسيتحول في فضاءه إلى صفقة … نقد … صفقه .
هذا هو الحال الان في سياسة ومقاس الرئيس ترامب ، وما على اللاعبين الثانويين ، وهم في هذه الحاله أوكرانيا ذاتها وكذلك الاتحاد الأوروبي برمته إلا ان يتقبلوا ذلك ،ويعدو الامر كملهاة لااكثر أمام اوربا ، فان كل ماقدمته من مساعدات عسكريه ومالية وسياسيه في اطار استراتيجيتها الأنكلوسكسونية ، آلت إلى هباء . ولا اكثر من عناء للتاجر من ان يشعر ويتحسس من ان تجارته أضحت هباءً منثورا . فلم تحصل اوربا ولا حتى على مقعد في طاولة المفاوضات بين ممثلي ” ترامب ” و ” بوتين ” في المملكة العربية السعودية . على ان هذا الطيش في السياسه الاوربية ، لايقف عند هذا الحد ، وياليت ان يكون او يضحى ذلك ، بل تعداه إلى إملاق معيشة المواطن الأوربي ذاته من حيث ارتفاع نسب التضخم وجهنم لهيب الاسعار ( سعر القهوة مثلاً ارتفع بنسبة مائة بالمائة منذ العام الماضي ) ، وتفاقم أزمة الهجرة ، وتشظي التضامن الاجتماعي وتماهي المعقول واللامعقول في حلّ المشكلات الجتماعيه والصحية لمواطنيها . وبحيث أضحى الهاجس اليومي للحكومه البحث عن منافذ جديده ومبتكره وليس بدون مساعدة الذكاء الاصطناعي لاستحداث ضرائب جديده على مواطنيها ، وان استعصى ذلك فمضاعفة الموجود منها . ولا أستغرب أبدا ان نصحو يوما على ضريبه جديده على المواطن الأوروبي اسمها ضريبة استنشاق الهواء ، لماذا ؟ لأنه هواء ديموقراطي ، إستثنائي ، على غرار ضريبة الملح زمن الملك لويس السادس عشر في فرنسا ، وأود ان استدرك ان ماقلته أعلاه ليس بالمره مستنبط من تخيل او من رأي مسبق ، بل من واقع معاش . ولمن ، ولماذا ؟ من اجل إستمرار تغذية ماكينة الحرب في اوكرانيا في السلاح والذخيرة ضمن الأهداف الاستراتيجية للماسونية العالمية ، وإتخام رموز قيادة الحرب من الفاشيين الجدد في اوكرانيا في حسابات بنكيه سريه ، سوف تُعرف وتتكشف لامحال عاجلا ام أجلا .
اوربا الان في موقع لايحسد عليه ، عبر عنه بالبكاء والتَهدُج رئيس منتدى ” ميونخ ” للأمن قبل ايام . اوربا ، الان في متاهة ، لاهي في ماتظن انها في سياق قومي آمن ولا هي في بحبوحة عيش . هكذا وفي لحظة جُرِدَت او تكاد من الحمايه السياسيه الأمريكية ، وهي الان في شك وبلا يقين عندما يشكك الشريك الأمريكي الأكبر على لسان نائب الرئيس في ديموقراطيتها على عكس ماتعتقد هي في كونها أيقونة الديموقراطية . ففي تصورها ان لبّ الديموقراطيه يكمن في الإفصاح والاختيار ليس بين ان تكون ذكرا او انثى وحسب بل وايضا متحول / متحولة جنسيا ، او ان يقف أفاق مهووس في ساحه عامه لكيما يحرق القرآن الكريم وبحراسة الشرطة وقوى الأمن بدعوى الحريه الشخصية والديموقراطية الاوربية !!
” ماعِز ” أضلّ طريقه الى بقية قطيعه ، وما عليه الآن إلا الإنتظار ،لكيما يأتي راعيه ليدله على الصواب . هكذا هي حالة أوربا الان بدون اية مبالغه . ماعدا ذلك فان ماتسمعه يوميا من هذا المسؤول الأوربي أو ذاك ، هي لااكثر من تسطحات إعلاميه ، كاذبه ، مُرائِيه ، ونَفح إستعراض قوه وطَنين بعوض وبدون أية إعتبارات خَجلى .
الان يحاول الرئيس الاوكراني المنتهية صلاحيته ان يعرض بضاعته – المعادن الثمينة – في باطن الارض الاوكرانية في سوق الهرج الأمريكي لقاء استمرار مده بالأسلحة والذخائر بغية استمرار الحرب والحفاظ على السلطة في آن واحد . وحسب كثير من خبراء الجيولوجيا فان جُل هذه المعادن ( حوالي 70% ) إنما تقع الان في الأراضي التي تسيطر عليها روسيا في كل من دانيسك والدونباس ، أضف الى ذلك ، حقيقة انه من اجل الانتفاع من تلك المعادن ، التي مازالت تحت السيطرة الاوكرانية فان الأمر يتطلب 10 – 15 عاما مع ضخ استثمارات للاستخراج تبلغ مئات المليارات الدولارية وفي ظل اوضاع الحرب الراهنه لايبدو الامر منطقيا وجاذبا للاستثمار .
حددت روسيا ، وهي الان في موقع قوه ، شروطها لانهاء الحرب كالتالي : حياد اوكرانيا الأبدي وبلا ناتو واية تحالفات عسكريه اوربية او / و أمريكيه وتحت اي أسم كان ، الاعتراف بسيادتها على شبه جزيرة القرم والدونباس والمقاطعات الاربعه الروسية المحرره من قبلها ، إستئصال الفاشيه / البانديريه من سدة الحكم في أوكرانيا ، إلغاء القيود والمحرمات على اللغه الروسيه ، وعلى الكنيسة الأرثوذكسية التابعة للبطريركية الروسيه ، وإعادة ممتلكاتها المصادره . ولكيما يتحقق ذلك فان من اللازم إجراء انتخابات رئاسيه في اوكرانيا مخولة دستوريا للتوقيع على اية اتفاقية سلام ، إذ أنّ الرئيس الحالي منتهي الصلاحيه ولا يحق له ابرام معاهدة دولية.
” وإنك لَذَهّاب في التيه ، روّاغ عن القَصدِ ” هكذا كتب الإمام علي بن أبي طالب ( ع ) في رساله جوابيه له لمعاوية بن أبي سفيان ” نَهج البلاغة ، الطبعة الرابعة ص. 527 “ . هذا ماينطبق بالضبط على ” زيلينسكي ” الرئيس المنتهية صلاحيته لأوكرانيا ، وحيث ان ( اليكسي ارستوفيج ) احد ابرز مساعديه الأقربين إلى وقت قريب والمنشق عنه حاليا وبذات الوقت من اللذين ينظر اليهم كأبرز مرشح للرئاسه وعد في حالة انتخابه ملاحقته أينما كان ، وفي ان لامكان آمن له في اية بقعه من الارض إلى ان يقضي بقية عمره في السجن لقاء مااقترفه من خطايا وجرائم حرب في حق الشعب الاوكراني . وان لِناظره قريب .

أحدث المقالات

أحدث المقالات