22 نوفمبر، 2024 4:58 م
Search
Close this search box.

روسيا- امريكا: احتدام الصراع على خلفية الضمانات الامنية

روسيا- امريكا: احتدام الصراع على خلفية الضمانات الامنية

بعد الانفتاح الجزئي الامريكي في اتجاه روسيا، او الانفتاح مع روسيا بعد لقاء الزعمين الروسي والامريكي قبل اشهر من الآن، وايضا بعد لقاءهما عبر تقنية الفيديو قبل اسابيع؛ مما دفع المحللون السياسيون على اعتبار هذين اللقاءين؛ بداية لانفراج العلاقة المتوترة بين الندين. لكن هذا التوقع لم يدم طويلا، أذ، سرعان ما عاد التوتر الى ما كان عليه قبل اللقاءين، بل اكثر كثيرا مما كان الوضع بينهما عليه في ذلك الحين؛ بعد الاعلان الرسمي الروسي حول الضمانات الامنية التي طالبت بها روسيا، امريكا وحلف الناتو. الاهم ان هذا الاعلان قد خلى تماما من الطريقة الدبلوماسية الناعمة التي اعتاد عليها الروس في مخاطبة الولايات المتحدة. المهم ان امريكا او ان الامريكيون قد اجابوا بالإيجاب على هذه الضمانات، وتم تحديد يناير القادم لأجرى مباحثات حولها. الامر المتوقع ان الطرفين سوف يتفقان على حل وسط، يقود الى طمأنة الروس؛ لأن لا خيار امام الدولتين النوويتين واللتان تمتلكان اكثر من 90%من الترسانة النووية في العالم، الا طريق الاتفاق ولو في الحدود المقبولة والمعقولة لكلا الخصمين. الرئيس الروسي في اخر تصريح له، قال ان الناتو، وهو في هذا يقصد امريكا لأنها صاحبة الثقل الاكبر في الصراع مع روسيا وليس بقية الاعضاء في حلف الناتو؛ انهم قد دفعونا الى هذا الموقف، واستمر يوضح قائلا؛ ان لا خط احمر عندنا، كل ما هنالك؛ ان الناتو( الولايات المتحدة الامريكية) قد اقتربوا او صاروا على عتبة باب بيتنا، وليس امامنا من خيار الا التحرك الى الامام، ولا مكان لنا الى الوراء. الناتو يريد ان ينشر الصواريخ الهجومية في اوكرانيا، فهذا يعني انهم قادرون على ضرب موسكو في وقت لا يتجاوز الخمسة دقائق او اربعة دقائق، والكلام لم يزل للرئيس الروسي الذي اكمل موضحا؛ نحن لن نقبل ان تنضم او يجري ضم اوكرانيا الى الناتو.
في المؤتمر الصحفي الذي اعتاد الرئيس بوتين عقده مع نهاية كل عام، منذ عام 2001، قبل ايام، قال ايضا في ذات السياق؛ اننا لم نذهب لهم، هم من جاءوا بصواريخهم على عتبة بيتنا؛ فقد نشروا الصواريخ الهجومية في بولندا ورومانيا، وعليهم التوقف عن التمدد بالقرب من حدودنا، وعدم نشر الصواريخ الهجومية والقاذفات الثقيلة. ان الاحتمال الارجح، كما اسلفت القول فيه، قبل سطور؛ سوف يتم الاتفاق على حل وسط يرضي الجانبين، وهو احتمال وارد جدا، ان لم اقل انه الخيار الوحيد؛ لإطفاء وقيد الاشتعال، قبل الضغط على زر الشعلة التي ان اشعلت بيادر الخلافات والتقاطعات والصراعات حول ساحات النفوذ؛ سوف لن تبقي ولن تذر، وتأتي عليهما معا. حتى ان جرى الاتفاق على الحل الوسط، وهذا هو ما سوف يحصل؛ سوف تظل العلاقة بين الخصمين في توتر دائم؛ لتقاطع المصالح والإرادات، فكل طرف يسعى جاهدا على محاولة ازاحة الند من مناطق نفوذه، او الجاهزة له كي يمارس على ارضها، مصالحه وتنميتها بلا ضجيج يثيره الخصم المنافس له في هذه الساحة او في تلك الساحة، في زمن يشهد تحولا كبيرا في العالم، لصالح عالم متعدد الاقطاب. وهنا تشترك معهما الصين، ليس على انفراد، بل في شراكة مصالح استراتيجية مع روسيا بالضد من امريكا. الولايات المتحدة تحاول او هي بالفعل تنشط في مواجهة خصميها، لكنها تريد ان تكون المواجهة بينها وبين خصميها، كل واحد منهما تواجهه على انفراد، وفي ميدان نشاطه. هذه لعبة مكشوفة ولا يمكن ان تنساق لها لا روسيا ولا الصين؛ لأنهما يدركان ان هزيمة اي منهما، سوف تقود لاحقا على هزيمة الثاني؛ لذا، فهما يعملان معا، او ينشطان معا في مواجهة الولايات المتحدة ولا اقول الاتحاد الاوربي.. في هذا الجانب نلاحظ وبوضوح تام؛ الدعم والاسناد المتبادل، لكل من روسيا والصين في مواجهة امريكا. روسيا تتوجس من الخطورة الكبيرة بتواجد الناتو( امريكا) على مقربة من حدودها، وفي البحر الاسود؛ وايضا النشاطات الامريكية المناوئة لروسيا، وعبر الوكلاء في القوقاز الروسي، أو في بقية الداخل الروسي، او في اسيا الوسطى، التي تضم دول رابطة الدول المستقلة، التي كانت ذات يوم جزءا من الاتحاد السوفيتي. والصين ايضا، تلعب امريكا معها ذات اللعبة ولو بطريقة وفضاء مختلفان، لكنهما يقعان على ذات المسار الذي يقود الى اشغال الصين وتحجيم اندفاعتها؛ في بحر الصين الجنوبي وفي تايوان، وفي المحيطين الهاديء والهندي، وفي الحزام والطريق، وفي الداخل الصيني( التبت والإيغور، والأخير يتعرض لاضطهاد الحكومة الصينية). كل هذا الذي تقوم به امريكا، هو الغرض منه ازاحتهما اي روسيا والصين من اللعب في الميدان العالمي حتى تخلوا الساحة الدولية منهما؛ لتصبح مفتوحة لها كما كان عليه الوضع الدولي قبل عقدين من الآن. الصين تحاول تهدئة الوضع او تبريد سخونة العلاقة بينها وبين امريكا مع الحفاظ على الشراكة الاستراتيجية مع روسيا، وعدم التفريط بها تحت اي ظرف كان، لأن التفريط بهذه الشراكة يضر بها ضررا كبيرا جدا، وكذا روسيا في علاقتها مع الصين. روسيا حاولت مع امريكا بذات الطريقة الصينية، لكنها لم تحقق المرجو من هذا الطريق، كما ان الصين لم تنجح في تخفيف حرارة المواجهة مع امريكا. وبالعودة الى الضمانات الامنية التي طالبت بها روسيا الولايات المتحدة؛ كان من بينها، هو تحديد خطوط وهمية على الارض، ولكنها معلومة من الجانبين كما كان الوضع عليه في زمن الحرب الباردة بين امريكا والاتحاد السوفيتي، اي ان يمتنع كل طرف من التحرك في اكتساب شراكات مع دول تقع في فضاءات الطرف الاخر. من غير المرجح ان توافق الولايات المتحدة على هذا الطلب الروسي، حتى وان وافقت عليه، فسوف لن تلتزم به ابدا. فهناك دول في اسيا الوسطى تنشط فيها امريكا، في ممرات حفرتها قبل عدة سنوات، داخل هذه الدول، من خلال او عبر وكلاء لها في هذه الدول، لتغيير المشهد السياسي، بالأغراء والترغيب، بطرح البديل الامريكي لجهة الدعم والاسناد بالمال والسلاح والاقتصاد. وهي تعمل بمختلف الاشكال والطرق في جذبها الى فضاءاتها؛ لتقليص مساحة التحرك الروسي، لجهة التأثير على مصالح روسيا الاستراتيجية في هذه الدول. انما الاهم في كل هذا؛ هو الوضع في اوكرانيا، التي تشكل الخاصرة الرخوة في جسد الدب الروسي. لذا، نلاحظ ان الرئيس الروسي ركز على الوضع في اوكرانيا وضرورة ان لا تنضم اوكرانيا الى الناتو، وتصبح قاعدة له؛ تهدد الاراضي الروسية، بل العاصمة موسكو كما قال بوتين. وهي لن تنضم وهذا هو الاحتمال الوارد جدا، كما ان الناتو لن يعمل على ضمها على الاقل في الامد المنظور. واذا جرى ضمها، من غير المحتمل ان يسكت الروس على هذا الضم، لأنه يهدد روسيا تهديدا كبيرا وخطيرا كما قال بوتين، بل ان الاحتمال الاكبر، ربما تقوم روسيا بغزو اوكرانيا، غزو محدودا، اي في منطقة الدونباس، كما جرى قبل سنوات في جورجيا؛ بهذا يصبح الضم عملية خطيرة جدا، ربما تقود الى الصدام العسكرين بين الجانبين، وهذا هو ما لا ترغب فيه امريكا وبقية دول الناتو. ان هذه المناورات السياسية والتخرصات والاستفزازات الامريكية؛ واحد من اهدافها أستزاف القدرات الاقتصادية للدب الروسي. لأنها تستلزم في اول ما تستلزم؛ هو الاستعداد العسكري وادامة هذا الاستعداد اي سباق تسلح.

وهذا هو ما يؤدي حتما ان استمر وأزداد مع الزمن؛ ان يستنزف القدرات الاقتصادية الروسية مما يؤثر مع تقدم الزمن على نمط العيش للشعوب الروسية، والحديث هنا لا يدور حول سنوات قليلة، بل عدة سنوات. بينما الصين لا يؤثر عليها هذا السباق التسلح هذا، بل العكس هو الصحيح، فأنها تعمل بسرعة وفي مسابقة مع الزمن في زيادة ترسانتها من الاسلحة النووية ونواقلها الاستراتيجية، كما ونوعا. قبل ما يقارب سنة من الآن، قال الرئيس الروسي؛ ان روسيا تمتلك صواريخ فرط صوتية، لا يوجد مثيلا لها في كل العالم حتى الآن، وهنا فأن بوتين يقصد ان امريكا لا تمتلك مثل هذه الصواريخ. فما كان في حينها من ترامب الا ان قال، ردا على ما صرح به بوتين؛ ان على امريكا ان تعمل وبسرعة في انتاج صواريخ فرط صوتية، بل يجب ان تكون اكثر سرعة من الصواريخ التي في حوزة روسيا. الرئيس بوتين قبل ما يقارب الشهرين، هدد بأن اي ضربات توجه الى روسيا من اي مكان في اوروبا، فأن روسيا سوف تقوم بضرب عاصمة القرار في الضربة وليس المكان الذي تنطلق منها، صواريخ الضربة الاولى. ان هذه الدول العظمى الثلاث، وبالذات روسيا وامريكا تتحاور باستمرار حول تثبيت الاستقرار الاستراتيجي، بينما الحقيقة في الميدان تختلف تماما عن المعلن؛ فيجري عمليا العمل بالضد من هذا التثبيت، سواء بطريقة سرية او بطريقة مكشوفة. ان من الخطأ؛ ان يتصور احدا ما او يُصِور احدا ما؛ ان هذا السباق هو لصالح الامن والاستقرار والسلم الدولي؛ هو في الاول والأخير لجني الارباح وتثبيت المصالح والتي هي في الأجل الاكبر منها؛ هو لحجز مساحة للتأثير في قرار دولة المصالح،( التجارة والاقتصاد والاعمال والمال، وكل ما له علاقة بهذا..) وبالذات بطريقة، أو على صعيد توريد الاسلحة المتطورة الخاصة بالتصدير، وليس المصنوعة لجيش دولة المصدر، من نفس النوع، وتوطين بعضها من تلك التي يجوز لدولة المصدر، توطينها في دولة المصالح، بالشكل الذي لا يؤثر على الفارق الكبير بين دولة المصدر ودولة المصالح. ان احتدام الصراع بين روسيا وامريكا، لا يتعدى هذا الذي قلته في السطور اعلاه. في هذا السياق؛ فأنه لا حرب بين روسيا والناتو( امريكا..) فقط هز عصا التهديد المتبادل، مع الاقتال الانابي في مناطق الاحتكاك والتماس، التي تتضارب فيها المصالح، مما يحتم عبر الوكلاء، في اوكرانيا، او في غيرها؛ ازاحة الخصم من هذه الدول، وطرده الى خارج ميدانها. ان هذه الصراعات سوف تظل على ماهي عليه، ما بقيت المصالح، أو ما بقيت الدول العظمى، تبحث عن مصالحها في العالم، بهذه الطريقة او بتلك الطريقة، طالما ظلت الدول العظمى تتحكم في مصير العالم، دولا وشعوبا. الاستثناء الوحيد هنا؛ هو وجود حكومة وطنية، تتمتع بالاستقلال والسيادة الكاملتين، والتي تمثل إرادة الشعب نصا وروحا، وتصريحا وعملا، وقادرة على انتزاع مصالح شعبها من فم الديناصورات الدوليين، وقادرة ايضا على اللعب، باستثمار؛ تقاطع المصالح بين هذه الديناصورات. السؤال المهم هنا، والذي يطرحه منطقة ومسارات هذه الصراعات: هل النظام الرسمي العربي، من هذا النوع، من الانظمة الوطنية؟ الاجابة بكلا، كلا كبيرة جدا.. كلا بسعة الوطن العربي.

أحدث المقالات