20 ديسمبر، 2024 4:50 ص

روسيا العظيمة الاضحوكة

روسيا العظيمة الاضحوكة

لم يكن من المنطق ان قلاقل حكم تافهة في كابول كانت كافية لاستجرار الاتحاد السوفيتي في عز ايامه نهاية السبعينات لغزو افغانستان و كابول تبعد عن موسكو اكثر من اربعة الاف كيلومترا و الغالبية من الشعب الافغاني تسكن الجبال في فقر مدقع و بالكاد تعرف السيارة.

التفسير الذي سرى في اروقة جامعة موسكو و طلبتها ايامها ان القيادة السوفيتية وقعت في فخ نصبته لها المخابرات المركزية الامريكية لم تتنبه اليه غافلة و حدث ما حدث و تحققت الورطة الكبرى.

ثم جاءت ايام غزو العراق للكويت و جولات بريماكوف المكوكية و التي احسسنا جميعا اثناءها ان الاتحاد السوفيتي انما يتصرف كـ أكسسوار او مغني كومبارس ثانوي في مشهدها لا و كأنه دولة كبرى تشغل مساحة سدس العالم و لكلمتها ثقل في الشأن العالمي.

الامال التي علقها العراق على دور موسكو ايامها لم تكن في محلها اذ اثبتت الاحداث ان الاتحاد السوفيتي لم يكن اكثر من اداة لا تقدم و لا تؤخر، لا – بل تضر كثيرا بالذين يعلقون عليها الامال، لا تمسك بزمام صناعة القرار فيها إلا المخابرات المركزية الامريكية ذاتها ايضا، حالها حال السعودية، دول الخليج، مصر و غيرها كثير من دول العالم الثالث.

ثم جاءت الطامة الكبرى حينما تدخلت موسكو عسكريا في سوريا و بداية مذبحة الالوف من المدنيين بسلاح طيرانها التي تتواصل و تتصاعد اعلى و اشرس كل يوم.

كيف غاب عن ذهن المخطط الروسي عواقب الهبوط بمكانة موسكو الدولية الى درك حماية نظام حكم في الشرق الاوسط و تاريخ الشرق الاوسط حافل كله بالانقلابات و “الثورات” منذ الخمسينات، يأتي فيه نظام و يذهب آخر كما تستبدل الملابس القذرة؟

بل من المؤكد ان السماء ما كانت ستنطبق على الارض لو ان الكرملين كان قد شجع الاسد فيرحل بالحسنى في مراسيم رسمية وقورة تصدح فيها موسيقى الحرس الجمهوري و السجادة الحمراء تنتهي بسلم الطائرة التي تقله و عائلته و الحقائب الملئى بملايين الدولارات في ايديهم نحو المنفى، فلا تهجم سوريا ساحرة الجمال على رؤوس ابناءها، او يتوجب ان تتدخل موسكو عسكريا في آتون صراعها و لا ابادة مئات الالوف من المدنيين الابرياء تصبح لازمة.

ان تدخل موسكو في سوريا عسكريا لا اقل من برهان دامغ على انها ليست اكثر من العوبة بيد الغرب منذ ايام الاتحاد السوفيتي و ما زالت.

ارادها مهندس الأمم في افغانستان، ذهبت موسكو الى افغانستان مدعية الغفلة و الغباء وهي ام الاقمار الصناعية و فنون التجسس، فخلق بريجينسكي و رهطه ما يسمى بحركة المجاهدين الافغان، القاعدة، في اليوم التالي للغزو، و ارادها الاخ الاكبر تذهب لـ سوريا، فتذهب موسكو الى سوريا كالكلب الوفي، تذبح و تقطع في اوصال الشعب السوري الجريح و كأن الجيش الروسي هو مليشيا من قتلة و سفاكي دماء لا اكثر.

و الآن ها نحن جميعا نذهب الى مصيبة المصائب، فالسعودية ايضا لكز احد ما لكزا وعيها المشوش و تريد الان الذهاب بدورها الى الشام بجيش لا نعرف من اين اتت به، فتزيد الطين بلة!

بالمحصلة، اربعة اكبر مصدري نفط في العالم، روسيا، السعودية، العراق و ايران يحشرهم الغرب في انبوبة اختبار واحدة كما فئران التجارب او ديكة الرهانات و سيتركهم يستبسلون في قتل احدهم الاخر و كأن ما من شمس ستطلع غدا، في حركة دخان و مرايا بهلوانية مكشوفة لم تكلف النظام العالمي الجديد اكثر من درزينة او اثنتين من صواريخ تاو تظهر في المعارك حينما يريد و تختفي من المعارك حينما يأمر، و كدس من تذاكر سفر بالطائرة لـ كيري.

النفط ستبيعه الدول الاربعة قريبا بالمجان بينما ستتراكم عليها الديون من البنك الدولي و غيره بما يرهن مستقبل شعوبها لمئة عام اخرى، ستلم الفاقة و العوز و الحرمان بسكانها، لا بل من المرجح ان شعوبها ستعود الى ما قبل العصر الصناعي مرة اخرى، فينفرد الغرب بالتمتع بنعمة طاقة النفط بينما اصحاب النفط الحقيقيون يتوسلون للحصول على ضوء الشموع.

لأخي القارئ الحصيف، حينما ترى وفودا من روسيا، امريكا، السعودية سوريا، العراق، كردستان، ايران، تركيا، كذا كذا في مؤتمرات و مفاوضات الخ الخ، لا تترك للصور فرصة لايهامك ان هؤلاء اندادا و اعداءا فيما بينهم بل جميعهم ممثلين و خدما لارادة النظام العالمي الجديد على اهبة الاستعداد لتجريد شعوبهم من ثرواتها و ذبحها من الوريد الى الوريد.

لو كان قد قدر لك زيارة روسيا او العيش فيها لكنت ادركت كم هي عظيمة روسيا، بطبيعتها، تاريخها، إرثها، ثرواتها و طموح شعبها و لكن ما فائدة كل ذلك و مهندس الامم جعل منها اضحوكة فاقدة الرشد و الإرادة – منذ ايام دعمه لـ لينين بالمال الذي تدفق

عليه من وول ستريت نيويورك ابان الثورة البلشفية عام 1917 ثم في عهد ستالين – و حتى روسيا بوتين اليوم، كما طفل غبي، غر، لعبة بيد اسياده الكبار.

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات