18 ديسمبر، 2024 7:36 م

روح شيوعية بثقافة إسلامية 

روح شيوعية بثقافة إسلامية 

بعد مقالي الذي كتبته عن كتاب , ذكريات الزمن القاسي , للاستاذ محمد الشبيبي , و بمقارنة بسيطة في استمالة الشيوعيين للشباب لمشروع الموت , ثارت ثائرة الاخوة الشيوعيين , تعليقات خاصة و عامة , الغريب ان بعض التعليقات جاءت بنفس اسلامي خالية من دلالة شيوعية .منطق الحقيقة المطلقة او الكل المطلق , منطق بات لا يمر دون تفتيش و مداولة صارمة , تحقق المعنى الابستي لصيرورة الكشف عن الذات , وكما يقول فريدرك نتشة , لا توجد مسلمات أبدية و لا توجد حقائق مطلقة . يشير هذا المعنى ان العقل البشري لا يمكنه التوقف على مرحلة زمنية خاصة او إمكانية التشابه في الايمانات التي يعتقد بها الناس .
أعود الى بعض التعليقات فاقول بكل محبة ، الى الذين حاولوا الدفاع عن الشيوعيين و عن الفكر اليساري , عن تراث كارل ماركس و سارتر و سيمون دي بوفوار و غرامشي و لينين , أنتم تدافعون عن نظريات فلسفية و اقتصادية كبيرة , لكنكم كنتم بعيدين كل البعد عن هذه الفلسفة و تلك النظريات . 
فبالوقت الذي تدافعون به عن مفهوم كان يمتلك خطابه و نهجه الخاص , أتيتم انتم لتقدموا خطابكم الخاص و بثقافتكم الخاصة , معتمدين في بعض ردودكم كلياً على الخطاب الاسلامي ! الذي يشكل تناقضاً و بدرجة كبيرة مع الفكر الشيوعي !
أنتم قدمتم خطاباً و استشهادات و صوراً لتراث إسلامي , بل هو تناص لما تقدمه الاحزاب الاسلامية و نسخة غير محرفة عن الخطاب الاسلامي المرتجل.
اين خطابكم اليساري و ثقافتكم الشيوعية ؟ جوابكم أضاف لي وضوحا ان بعض المشتغلين في الاحزاب اليسارية غير مدركين عمق الفلسفة التي انبثقت منها تلك الاحزاب . و إلا ماذا نسمي ان يتصدى رجل شيوعي للدفاع عن الشيوعية , مستخدماً خطاباً إسلامياً ! و مستشهداً بتاريخ لم يستطع الى اليوم ان يتخلص منه الاسلاميون انفسهم . 
كتب احد الشيوعيين تعليقاً على مقالي ( قراءة في كتاب ذكريات الزمن القاسي ) سأضع فقرةً مما كتب ، لكي يتضح عمق الفجوة بين الفكر و بين من يدعونه.
كتب:( فهل كان الأمام علي (ع) متهورا عندما قاتل معاوية بن ابي سفيان في حرب صفين، او متهورا عندما خرج لحرب الجمل وفي كليهما قدم الشهداء؟ وهل الشهداء مع علي (ع) مغرر بهم من قبل ابا الحسن. ثم ماذا يسمي استشهاد الحسين واخوته وابنائه وسبي عائلته واصحابه وقتاله الآلاف من اعدائه غير ابه بالنتائج رغم معرفته بها؟ هل كان مجنون ام متهور او مغرر به عندما قال: “لن اعطي يدي اعطاء الذليل واقر اقرار العبيد” رغم كثرة الجيش المحيط به من كل جانب. لماذا خرج الحسين (ع) على حاكمه يزيد بن معاوية، اما كان الأولى به مبايعة يزيد وحفظ دماء ابائه واخوته واصحابه وحفظ عائلته من السبي وما تعرضوا له من اهانة وجوع وحر وبرد الصحراء)
غياب الخطاب الخاص بكم ينبئ عن فجوة كبيرة بين النظرية و المعرفة بها و هذا لعمري لن يقبله الواعون و المفكرون و المثقفون من زملائك الشيوعيون . كان هذا جوابي له. 
كتبتُ عن مذكرات الزمن القاسي للاستاذ محمد علي الشبيبي , و حاكيت المؤلف و كأنه ابن التاسعة عشر اي الشاب اليافع , تفاعلت مع الكتاب و بطريقة الاستاذ الشبيبي في صياغة حياته و ذكرياته , لم أتطرق الى الحزب الشيوعي بشكل مفصل , لكن المؤاخذة الكبيرة ان الشيوعيين لا يختلفون عن الاسلاميين في استمالتهم او أدلجتهم للشباب , و أحياناً تركهم فريسة سهلة بين انياب وحش مفترس . ثم ان الشيوعيين في تلك الحقبة سيطر عليهم عقل التضحية و القتال و الصمود ولم يستنجدوا بعقل ماركس المفكر و السياسي و الاقتصادي , فكانوا هشيماً أمام ضربات متتالية . التحرك الثوري يحتاج الى آليات و خطط و قدرة ثورية , خاصة اذا كان الخصم لا يعبأ بطريقة الاقصاء . غايتي ان ابعد الشباب عن الانسياق خلف أفكار و أدلجة تودي بهم الى الهلاك ، ولو كنت مشرعاً قانونياً سأمنع انتماء الاشخاص دون عمر الثلاثين الى اي حزب. عندها ستكون بعض الحقائق واضحة أمام الشباب و سيكون معنىً للمثل الذي يقول ( ما هكذا تورد يا سعد الابل )