نص يجمع بين حب الكتب والأسرار القديمة والمجتمع السري والاختيارات ذات العواقب الحاسمة والأبواب التي تفتح على حيوات أخرى. تقدم رواية “كتاب الأبواب” The Book of Doors ، وهي أول رواية لغاريث براون، هذا التفاعل الفريد، حيث تفتننا الحبكة وتسكننا الشخصيات وتصبح الكتب مركزا لموضوعات تُسائلُنا.
تبدأ أحداث الرواية في نيويورك، في مكتبة صغيرة تعمل فيها كاسي أندروز، الشغوفة بالأدب، ذات الطبيعة المتحفظة ولكن الفضولية. تعيش حياة هادئة محاطة بالروايات التي تعتز بها، إلى أن يأتي يوم يعطيها فيه شيخ دفتر ملاحظات غامض. تنقلب حياة كاسي رأسا على عقب. تكتشف أن هذا الدفتر عبارة عن كتاب ثمين وغامض، يتمتع بقوة مذهلة: قوة فتح الأبواب على حيوات أخرى وإمكانيات أخرى. إنه محفز للمصائر.
سرعان ما تدرك كاسي أن هذه الهدية أو العطية ليست بلا عواقب وأنها تنطوي على مسؤوليات كبيرة. لأن هذا الدفتر، مرغوب فيه، ومراقب، ومُحسود عليه. ثم تبدأ مهمة داخلية محفوفة بالمخاطر بين العالمين، المرئي والسري.
منذ الصفحات الأولى، يخلق غاريث براون جوا ملائما للدهشة. رواية “كتاب الأبواب” هي إعلان عن حب الكتب، عن قدرتها على تغيير الحياة وشفاء كل شيء، ونقل قارئها إلى مكان آخر مهم ومفيد.
إن الكتب كائنات حية، قوية، وأحيانا خطيرة. إنها تحتوي، قبل كل شيء، على مفاتيح الواقع، فضلا عن بذور العجائبي.
المكتبة التي تعمل فيها كاسي هي مكان مقدس، أشبه بملاذ. يصبح الكتاب ناقلا للاتصال، ولكن أيضا للتحقيق والألغاز والذاكرة. يذهب غاريث براون إلى أبعد من ذلك: فهو يصمم رواية تتمتع بقوة سحرية، قادرة على إعادة كتابة حياة. لأن أحد أهم جوانب الرواية، يكمن في التأمل الذي تقدمه حول القدر والإرادة الحرة. هل يمكننا أن نغير مسار حياتنا؟ هل نحن أحرار حقا أم أننا سجناء سلسلة من الأحداث المحددة؟ الكتاب الذي عُهد به إلى كاسي يجسد هذه المعضلة: فتح الباب يعني اتخاذ خيار، ولكن أيضا قبول إغلاق خيارات أخرى.
ليس من خلال كاسي فقط، ولكن أيضا من خلال حاملي الكتاب الآخرين، يتساءل غاريث براون عن رغباتنا اللاواعية في السيطرة والإصلاح وإعادة التشغيل. تغيير حياتنا، نعم، ولكن بأي ثمن؟ ماذا لو كانت الإجابات لا تكمن في ما يمكن أن نكون عليه، بل في قبول ما نحن عليه؟
إن العلاقة بين القدر والإرادة الحرة موجودة في جميع أنحاء الرواية. تواجه كل شخصية في الرواية هذه الأسئلة الحاسمة: المغادرة أم البقاء؟ المثابرة أم الاستسلام؟ محاولة تصحيح ما حدث في الماضي أم قبوله؟ في هذه المتاهة من الخيارات، تفتح رواية “كتاب الأبواب” مسارات للعيش بشكل كامل في حياة المرء.
تتنقل أحداث الرواية بين فترات زمنية ووجهات نظر مختلفة، وتبني حبكة هي جزء من الإثارة والفنتازيا والخيال العلمي والرواية المعاصرة. لم يسمح المؤلف لنفسه بأن يتم تصنيفه، ويبدو أنه كان يستمتع كثيرا ببناء التوتر تدريجيا. كل فصل هو مفاجأة حقيقية ويقدم وجهات نظر جديدة حول الشخصيات والقضايا.
إن الافتقار إلى وحدة المكان يعطي هذه الرواية نطاقا عالميا، ويسمح للسحر بأن يترسخ في الواقع. على عكس روايات الفانتازيا، فإن السحر في رواية “كتاب الأبواب” مكتوم، متحفظ، وهش تقريبا، ينزلق إلى طيات الحياة اليومية، إلى لقاء غير متوقع، أو وجهة غير متوقعة.
لقد أتقن غاريث براون قواعد التشويق. إنه يترك أدلة، ويطيل اللغز. يفعل هذا عن قصد، لأن كل شيء له معنى في النهاية، حتى ما يبدو حكائيا في البداية.
تتألق رواية “كتاب الأبواب” بشخصياتها الجذابة، حاملة النور. كاسي، بطبيعة الحال، هي روح الرواية. هذه الفتاة الشابة في طور التكوين، التي تشك، وتتعثر، وتبحث عن مكانها. إن ضعفها يجعلها أكثر إثارة للمشاعر، لكن إحساسها بالقيم يجعلها استثنائية. عند تلقيها “كتاب الأبواب”، فإنها لا تصبح “الشخص المختار”، بل شخصا يجب أن يتعلم كيفية التعامل والاستماع إلى حدسه والثقة به. إنها تتطور بطرق خفية وتدريجية، وفي هذا التطور بالتحديد يكمن سحر هذه الشخصية.
لكنها ليست وحدها. هناك أيضا إيزي، صديقتها الرائعة، النشيطة، المليئة بالحيوية، والتي تجلب لمسة من الخفة والدفء إلى الرواية. هناك شخصيات أخرى أكثر غموضا تملأ رواية “كتاب الأبواب”: المبتدئون، حراس المعرفة، أولئك الذين تم اختيارهم، مثل كاسي، والذين يشكلون قلب الحبكة في كوكبة من القصص المتشابكة.
تتمتع كل شخصية بوظيفة محددة في إطار النص، ولكن لها أيضا عمقها الخاص. تظهر الرواية كيف يحمل كل شخص جرحا، أو حلما مجهضا، أو حبا ضائعا. وفي هذا، تلمس الرواية جوهر إنسانيتنا بعمق.
ومع تقدم الرواية، يفهم القارئ أيضا أن قوة “كتاب الأبواب” لا تكمن بالضرورة في إمكانية تغيير حياة المرء، بل في إمكانية تحقيق السلام مع ماضيه. تتناول الرواية بحساسية الحزن والخسارة والشعور بالذنب: ما كان بإمكان المرء أن يفعله، ما لم يقله، وما يندم عليه.
يصبح الكتاب، إذن، مساحة للذاكرة ومكانا للإصلاح. يقدم فرصة ثانية، ولكن ليس من دون التسبب في الألم: إن إعادة النظر في الماضي تعني أيضا الاستسلام لإعادة إيقاظ الجروح، ومواجهة ما يفضل المرء نسيانه.
هذا البعد الاستبطاني يعطي الرواية عمقا نادرا ويسمح للقارئ باستخلاص أوجه التشابه مع حياته الخاصة. إنه نص تخييلي يحمل معنى ويثير أسئلة.
شعرت بالامتنان بعد قراءتي هذه الرواية، بالامتنان لهذه التحية للأدب باعتباره علاجا وملجأ. شكرا للمؤلف على التقاط جوهر ما يمكن أن تفعله الكتب بنا. الامتنان للشخصيات التي تذكرنا بأن الحياة كلها تتعلق بإيجاد طريقنا، وأن كل وجود ثمين، حتى لو كان غير كامل.
تحتفل هذه الرواية بالأدب كمكان للتحرر والهروب وللحقيقة أيضا. لا أستطيع أن لا أتفق مع هذه الطريقة في رؤية الأشياء. وهذا يثبت أن القصص التي نقرأها أو نكتبها أو ننقلها هي أعمال مقاومة في مواجهة الفوضى والاضطراب. تفتح القراءة الأبواب، وأحيانا تمنحك الفرصة بل والسعادة في العثور على نفسك.
إن القوة الأدبية للخيال تكمن في قدرته على تعليق الواقع وتقديم مخرج جميل من صخب الحياة اليومية. عندما تسمح رواية مثل “كتاب الأبواب” لنفسها بهذا النوع من التعويذة السردية، فإنها تعمل كمفتاح غير مرئي وسحري: مفتاح يفتح بابا داخليا إلى مكان آخر حيث يصبح كل شيء قابلا للتخيل وممكنا.
إن قراءة رواية “كتاب الأبواب” هي بمثابة تجربة تغيير كامل للمشهد، حيث تسمح لنفسك بالانجراف إلى واقع مواز حيث تختفي قيود العالم وأعباؤه. الخيال هو ملجأ، نَفَس، قوة قادرة على الإصلاح وخلق السحر والجمال. في هذه اللحظات المعلقة، من الممكن أن ننسى الوقت والهموم وثقل الأيام، ويصبح القارئ بعد ذلك مستكشفا وشاهدا ومسافرا في عالم لا يمكن إلا للخيال أن يجلبه إلى الحياة بهذه القوة والأصالة. لقد كتب غاريث براون رواية أولى رائعة.
بعيدا عن الإيماءات الكبرى، يقدم قصة حساسة وعميقة، حيث يعمل السحر على الكشف عن المشاعر الإنسانية.
ستجذب هذه الرواية محبي الأدب وعشاق القصص التي تجمع بين الواقعية والعجائبية، وخاصة أولئك الذين ينقذهم الأدب من كل شيء.
إنها رواية تعزينا، تنعشنا، وتعيدنا إلى الحياة.