19 ديسمبر، 2024 1:40 ص

رواية (في محطة أمستردام) لقصي صبحي القيسي .. حقيقة الرؤية السياسية والدينية

رواية (في محطة أمستردام) لقصي صبحي القيسي .. حقيقة الرؤية السياسية والدينية

لعل رواية (في محطة أمستردام) لاتستحق كل الجدل الذي أثير حولها والذي بلغ ذروته في اتهام كاتبها بازدراء الأديان والازدواجية في المواقف السياسية ، فالكاتب (قصي صبحي القيسي) قبل كل شيء عرف ككاتب صحفي وشاعر ، ولم يعرف عنه أنه كاتب روائي حتى لحظة صدور روايته هذه ، فينبغي أن نطرح على أنفسنا السؤال التالي : هل هي رواية احترافية لكاتب اصدر قبلها عدة روايات؟

الرواية من حيث الحجم يمكن عدّها (رواية قصيرة) ، اي انها ليست عملا ابداعيا ضخما فيما لو نظرنا الى التكثيف والاختزال في احداثها واكتفاء الكاتب احيانا ببضعة سطور للحديث عن قضية تتطلب الكتابة عنها بإسهاب .

ولستُ هنا بصدد مهاجمة الكاتب ولا الدفاع عنه ، فهو في النهاية حر في التعبير عن وجهة نظره من خلال هذا المنجز الأدبي شئنا أم أبينا ، ولندخل في صلب الموضوع :

في الجانب السياسي ، قد يتفق معه الكثيرون على ان غزو العراق من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها عام 2003 كان نقطة البداية باتجاه مضي هذا البلد السيء الحظ نحو وضع اكثر سوءا مما كان عليه في زمن النظام الشمولي ، ويعلن الكاتب بصراحة على لسان بطل الرواية (في الصفحة 78) بأن الحكومات التي جاءت بعد 2003 (فاشلة فاسدة ترعاها الادارة الامريكية) ، ويضيف (في كل الازمنة والحقب الشعب هو الخاسر ، واليوم هذا الشعب اما يعاني الفقر والبطالة ويكتوي بنار الارهاب في الداخل ، او مشرد في دول العالم) .

هذه النظرة التشاؤمية وللأسف قد تتطابق كثيرا مع الواقع ، إلا انها وضعت الكاتب في مرمى سهام نقد كلا الفريقين : الفريق الذي يرى الاحتلال الامريكي تحريرا من الدكتاتورية، والآخر الذي يراه غزواً جلب الدمار للعراق .

لكن القضية هنا لا لبس فيها ، فبطل الرواية باختصار جندي فضّل القاء سلاحه على الدفاع عن النظام الحاكم ، وبعد سقوط النظام صدم بحجم فساد الحكومات التي تعاقبت بعده في بلد بات ساحة مفتوحة للارهاب والصراعات القومية والمذهبية .

والحوار الذي دار بينه وبين السائق المغربي في هولندا يعبر بوضوح عن شعوره بالذنب والخجل من كونه كان متحمسا لمجيء قوات التحالف التي اجتاحت البلد وأسقطت النظام .

كما ان التوجهات السياسية (الحقيقية) للكاتب تتضح من خلال النزعة اليسارية لبطل الرواية (وهي ذاتها التي جعلت البعض يتهم الرواية بالنزوع نحو الإلحاد) ، فالكاتب بحسب علمي ماركسي شيوعي ، وهنا يلتقي امران متضادان لدى بطل الرواية ، فقد كان كأي شيوعي يحلم بسقوط عدوه الطبيعي (نظام حزب البعث) ، لكن النظام سقط على يد العدو التاريخي للشيوعية (الامبريالية الامريكية) التي هيمنت على البلد بالكامل وسلمت مقاليد الحكم لأحزاب (اسلامية وعلمانية) تتلقى منها التوجيه المباشر .

وبناءا على ما سبق ، فإن كل ما كان يطمح اليه بطل الرواية هو العيش في بلد لايحكمه نظام دكتاتوري شمولي ، ولا رأسمالي خاضع تماما لإرادة امريكا ، وهذا الطموح لم يتحقق .

اما فيما يخص اتهام الكاتب بازدراء الأديان ، فربما وقع خلط بين ازدرائه للارهاب والعنف باسم الدين ، وبين النزعة الفلسفية التي توصل اليها بطل الرواية بعد ان فجع بموت حبيبته في تفجير ارهابي ، واعلانه صراحة بأنه لم يعد يؤمن بالغيبيات.

وهذا الامر ايضا لايستحق اثارة ضجة او جدل باعتبار أن الكاتب حتى الان غير معروف او مشهور ككاتب روائي ، فهو كاتب صحفي وشاعر كما أسلفت ، ومع احترامي لهذا العمل الابداعي (الرواية القصيرة) فهي ليست رواية نجيب محفوظ (اولاد حارتنا) التي أقامت الدنيا ولم تقعدها بسبب نزعتها الإلحادية الواضحة ، ولا هي في شهرة رواية (وليمة لأعشاب البحر) للكاتب السوري المعروف حيدر حيدر والتي تندرج ايضا في خانة الأدب الشيوعي .

ولكن هذه الرواية (في محطة أمستردام) تبقى عبارة عن شهقات صادرة من رئة عراقية معبأة بدخان الحروب ، طابعها العفوي الساخر يمزج بين الحزن والفكاهة والبؤس والسعادة ، رواية تستحق أن نقرأها رغم قسوة أقلام النقاد عليها .

أحدث المقالات

أحدث المقالات