18 ديسمبر، 2024 10:05 م

رواية (سين عين) واحة ابداعية

رواية (سين عين) واحة ابداعية

صدق من قال: أنك إذا شعرت وأنت تقلب الصفحة الأخيرة في الكتاب الذي تقرأه أنك فقدت انسانا عزيزاً، فأعلم أنك قد قرأت كتاباً رائعاً، وهذا ما حدث بعد ان انتهيت من قراءة الرواية التي حملت عنوانا لافتا هو (س ع) للكاتب د. إياد طه، وجدت نفسي في حيرة بماذا ابدا سطوري واكتب عن صفحات الألم التي خاضها بطل الرواية.
ففي هذه الرواية، وضع الكاتب الوطن في المقدمة، فيما جاءت حيثيات الزوجة والاهل والولد والذات في الختام، كان جوهر الرواية الكفاح من اجل الحقوق في الحياة والعيش الحر والكريم، انها رواية قل مثيلها، امتلأت بمذكرات ضمت الايجابيات والسلبيات بلغة جميلة، ساحرة، متحدثة عن واقع حقيقي سردها بطلها برموز يصعب تحليلها للكم الهائل من الارقام والاحداث التي كانت سرية للغاية، قبل ان توضحها الرواية حيث عبر فيها المؤلف، بسرد روائي عميق الدلالة ،عن التضحيات المخفية التي يتعرض لها بعض البشر والوجوه القبيحة التي لا نراها عن قرب او نجهلها لبعدنا عنها ، وكم من الصعب علينا ان نخفي واقعنا الحقيقي وننكر ذاتنا واهلنا ونبتعد مع شوق وحنين ولهفة للحضن الحنون وغبطة قوية لمن يسكنون القلب.
جوهر الرواية، يتمركز بحقيقة ان الانسان خلق من مجموعة من المشاعر فهه يضعف أحيانا، لكن بطل الرواية كان قويا شجاعا حمل في ضميره ثقلا كبيرا تجاه الأبرياء من أبناء الوطن، وسط مفاهيم هي أقرب ما انتجته منظمة مافيا وارتباطاتها بقوى الدولة الام، ومعروف ان عصابات المافيا هي أشهر وأعتى عصابات الجريمة المنظمة في العالم. وقد أصبحت محوراً للعديد من الأعمال السينمائية والأدبية، وحيكت حولها الكثير من الحكايات والأساطير.
نشأت العصابات في جزيرة صقلية الإيطالية وامتد نفوذها إلى أوروبا وأمريكا، وبرغم كل المحاولات المبذولة للقضاء عليها، لا يزال تأثيرها القوي على الساحة السياسية والاقتصادية العالمية والإيطالية خاصة، هو يقلق الساسة والشعوب على حد سواء. واليوم تستخدم كلمة (مافيا) مجازاً للدلالة على أقصى درجات الإجرام تنظيماً ووحشية، مثل المافيا الروسية والمافيا اليابانية ومافيا الرقيق الأبيض.
لذلك، أجد ان هذه الرواية يمكن ان تتحول الى فلم سينمائي او مسلسل كالمسلسل المصري (رأفت الهجان) فبطلها قاسى كثيرا من الم وحرمان من اجل أبناء وطنه، بشجاعة ووفاء، حيث شعر ان في عنقه رسالة اراد ان يكملها حتى لو كان وحده وتخلى عنه من وضعه امام الهدف، كان كثيرا ما يجلس ويتحدث مع نفسه ويتمنى الموت ليس حبا به، وانما لتعرف الزوجة الحبيبة سبب افعاله واختلاف تصرفاته وحتى سفره وغيابه المجهول، ولأنه لا يستطيع اخبارها الا بعد موته، تمنى تلك اللحظة ليترك ارثا يفتخر به ولده الوحيد.
يعتبر (الإنسان) عند كاتب الرواية كائن رمزي أساسا، والرمز يشكل وعيا وذاكرةً للإنسان، فيفرغ الإنسان شحناته بشكل رموز، تمثل له بعد ذلك الذاكرة التاريخية، وقد يكون هذا الرمز صخرة أو بيتا أو صحراء شاسعة، والوطن في شموليته رمزا لذلك، هاجس العودة للمنفيين والمبعدين هو هاجس العودة للرمز، أو ما يمثله؛ مكان الولادة والعيش المشترك رمز للإنسان.
وخلال تصفحي للرواية في رموزها الملحمية والاستخباراتية، وقفت امام براعة الاسلوب، لاسيما في شجاعة بطلها في تنفيذ عملياته السرية.
ويمكن القول ان الرواية عمل ماهر ومركب في احداثه يبقى للتاريخ، يفتح نافذة على إرث تجربة نكبة قوية وحروب لم تنته، موضحة كيف تعيش الذاكرة التاريخية في الوقت الحاضر وتمتد للمستقبل.
لقد تداعت امامي حقائق، حول اعمال ملحمية قرأتها لكتاب غربيين، ففهمت ان الكاتب الغربي ينتج لأن ذاكرته مستريحة وتعيش الحاضر والمستقبل، بينما ذاكرة العربي بشكل عام عليها أن تكون فعالة ونشطة دائماً خوفاً من سرقة التاريخ وتجييره أو إلغائه، فالتاريخ بشكل عام يعطي تصور وتوقعات في الحاضر ويعطي إمكانية لتصور المستقبل بدرجة من الدرجات لكن هذا ليس فقط المجال الوحيد في التاريخ، والذي له تأثير كبير جدا في قضية التنشئة الاجتماعية، اليوم نحن نتكلم عن التنشئة الوطنية والتربية السياسية، من أين تأتي فكرة التنشئة الوطنية؟
إنها تأتي كما تبين لنا الرواية، من حكاية تاريخ الوطن فنحن نروي لأبناء هذه الأمة أو الوطن ماذا أنجز أباءهم ماذا أنجز الأقدمين، ما الذي يفعله ذلك فيهم؟، نحن نورثهم الموضوع الاجتماعي الذي ورثته أمتهم، والأمر الأخر نخلق لهم تصور وانطباع أنهم ليس سقطا من المتاع ليس شيئا مهملا، سيعرفون إنجازات تمت في ماضيهم وأنهم يمكنهم أن ينجزوا في المستقبل.
ان العبر التي اكدت عليها الرواية، ان الحياة تمثل عن رحلة قصيرة نعيشها بحلوها ومرها، وكل يوم يمر ونحن على قيد الحياة نتعلم فيه العديد من الدروس المهمة التي يجب أن نستفيد منها لنتمكن من تحقيق المزيد من النجاحات في مسيرة حياتنا، ولنجعلها جميلة ومزدهرة. كانت رواية (س ع) واحدة من أجمل الروايات التي قرأتها.. شكرا للكاتب د. إياد طه. ونحن بانتظار الجزء الثاني من رائعته.