22 ديسمبر، 2024 10:11 م

رواية سويلم  .. حكاية الأسى العراقي

رواية سويلم  .. حكاية الأسى العراقي

تعد رواية “سويلم ” للكاتب ( حمزة الخطار ) الصادرة عن دار كانون 2016 واحدة من الروايات التي تناولت صوراً من الأسى الذي عاشته الشخصية العراقية عبرأكثر من ثلاثة عقود تعاقبت فيها انظمة حكم اختلفت في الهوية لكنها التقت بالسلوك والنتائج ، فــ ” سويلم ” ــ الشخصية الرئيسية في الرواية ــ يمثل جيلا عراقيا اكتوى بنار الحروب المتلاحقة التي لم ينقطع نزيفها حتى اليوم بسبب العقلية السياسية المتخلفة والمأزومة التي حكمت البلاد وأوصلتها الى هذا الدرك من الخراب والفساد على الصعد كافة ، فمن خلال هذه الشخصية يستعرض الروائي واقع العراق السياسي الذي ابتلى بطبقة سياسية دكتاتورية ، قمعية ، متخلفة ، فاسدة ، مأزومة ، أنانية ، غارقة بالعمالة والجرم بحق شعبها ، حيث رصدت الرواية في احداثها 35 سنة دموية من تارخ العراق عاشها البطل بين ويلات الحرب والأسر في ايران مستعرضاً مآسي الحرب العراقية الايرانية التي حصدت اعداداً كبيرة من الارواح البريئة وخلفّت دماراً هائلاً وصولاً الى مانعيشه اليوم من حالات غريبة  بالفساد والخراب وفوضى ضربت اطنابها في عموم مفاصل الحياة العراقية بعد عام 2003ممثلة في غياب العدالة واعتماد المحسوبية في توزيع المناصب ومنحها للأقارب وخضوعها للتلاعب والعلاقات المختلفة دون الاستناد الى معايير موضوعية كالأهلية والكفاءة فـ ” سويلم ” أبن شهيد وخريج كلية الآداب عاد من الأسر بعد اعاقته نتيجة انفجار لغم أرضي لكنه لايجد فرصة عمل الاّ ساعي بريد حاصلاً عليها بتزكية من الشيخ ودفع مبالغ بالدولار ، بالمقابل يتسلط الجهلة والفاسدون والعملاء على المناصب العليا في الدولة ويتحكمون بمصائر ورقاب الناس ممثلا بـ ” ماهر مهران ” رئيس المجلس المحلي و ” سوادي ظنه ” عضو المجلس البلدي الذين قدمهم الكاتب رموزا تمثل العهد الجديد التي انشغلت بالسرقات والفساد وأغمضت عيونها عن واقع الطفولة العراقية التي تنبش القمامة بحثا عن رزقها في بلد يطفوا على بحيرات من النفط ،  وايغالاً في تجسيد القهر الجسدي والمعنوي الذي تعرض له العراقي بعد التغيير فقد سلطت الرواية الضوء على التعامل الفج للأمريكان مع العراقيين من خلال الممارسات اللانسانية ممثلة باهانتهم ومحاولة التعدي على حرماتهم وعدم مراعاتهم لقيم المجتمع ، وبسبب هذا التراكم الكبير من القهر والاذلال وغياب الوطنية عند السلطة الحاكمة وانشغالها بمصالحها سقط ثلث البلاد بيد الارهاب أعقبت ذلك مجازر فظيعة كان أبرزها جريمة سبايكر التي من ضحاياها ” عامر ” ابن اخت ” سويلم ” الذي اراد له المؤلف ان يكون امتداداً لجيل سويلم في البؤس واستمرار المعاناة .
مايلفت الانتباه في الرواية ان الكاتب أسرف في اسقاط مظاهر البؤس والنحس على شخصيته الرئيسية هادفاً من ذلك ، التعاطف معها واثارة السخط على من تسبب في معاناتها  فـ “سويلم ” ولد هزيلا ومريضا بعلة السحايا وفي مرحلة الصبا يفقد أباه في الحرب التي يلحق بها ويصاب بالعوق ويقضي سنوات شبابه في الأسر ويعود منه ليجد امه قد رحلت عن الدنيا وعندما حاول تعويض ذلك بالحب والاستقرار عن طريق الزواج فانه يفقد زوجته عند الطلق بسبب موت الجنين ، الا ان هذه المبالغة في تقديم مأساة البطل خرجت عن المألوف نتيجة المصادفات المتعددة التي التقت عند شخصيتة . وتنتهي الرواية بنقمة الشخصيات على حكومتها نتيجة تردي الاوضاع والهتاف سرا وعلنا بسقوطها مشيرا بذلك الى حركة الاحتجاجات الاخيرة التي تشهدها البلاد ، وبالرغم من ايقاع الرواية الثقيل حيث لم تكون هناك هزة في احداثها التي جرت برتابة وبطء الاّ ان لغتها الأنيقة التي تمتاز بالحرية والانطلاق استطاعت انقاذ شيء من هذه الرتابة .
نستطيع القول ان رواية ” سويلم ” هي محاولة مخلصة للكشف عن حقبة سوداء عاشها العراق ، كما انها تمثل ادانة مبطنة لرموز سببت الخراب والتمزق للنسيج الاجنماعي العراقي .