9 أبريل، 2024 8:21 م
Search
Close this search box.

رواية ” ذاكرة حجر “لآمال الجبوري ..رحلة في مأزق التأريخ ومشهد المأساة العراقية!

Facebook
Twitter
LinkedIn

في روايتها الموسومة ” ذاكرة حجر ” تضع الروائية أنفال الجبوري تأريخاً محدداً من التأريخ السياسي للعراق تحت مجهر شاهد على الاحداث مرموزيته حجر في جدار بيت هو الوطن .
تختار الجبوري منطقة تأريخية شديدة الحساسية في تأريخنا تبدأ من التاسع من نيسان عام 1939 وهو يوم مقتل الملك غازي الاول بحادثة سيارة اثيرت حولها الكثير من الشكوك ، وتتوغل في الرصد الشواهدي للتأريخ العراقي المعاصر حتى التغيير في التاسع من نيسان 2003 وهي ليست مصادفة ان تكون بدايتها السردية في التاسع من نيسان ونهايتها من التاسع من نيسان 2003 وماتلاها من احداث .
وزعت الروائية الجبوري فصول روايتها الى ” اليهودي ” غائرة في مرحلة التهجير اليهودي او ما سميّ وقتها بـ ” عام الفرهود ” ، لكنها تشير بنباهة كما لو انها تستنبيء ماسيحدث الان الى ان الهجرة اليهودية وما رافقها من اعمال نهب لممتلكاتهم هي عمل سياسي لاعلاقة له بالتعايش السلمي بين اليهود في العراق وبقية مكوناته فقتول على لسان والد مارسيل احد شخوص الرواية العراقي اليهودي مجيبا على سؤال ” هل تعتقد ان هذا امر مخطط له؟”.. ” في الواقع هناك خطوات واثقة ومتأنية تدار في الظلمات لاخراجنا وتهجيرنا من بلدنا ” ويلقي الشاهد الحجري الضوء على احداث ماجرى في البلاد في هذا المفصل تحديداً في جوانيته الشعبية ” بعد هذه الحادثة (يقصد الفرهود لاملاك اليهود) بايام اجتمع في المنزل ( الذي هو الوطن ) عدة شخصيات من العوائل اليهودية ومن الجيران المسلمين والمسيحيين ، والذين ابدو استعدادهم لمساندة بعضهم البعض في ظل الازمات واتفقوا على البقاء متحدين في وجه من يريد تفرقتهم ” وما اشبه اليوم بالبارحة !
تتعرض في الفصل الثاني المغنون ” ” الباشا ” الى مرحلة تشكيل حكومة نوي الباشا سعيد الذي كان يعمل على اخراج العراق خلال خمس سنوات من عام (1941) من خانة دول العالم الثالث الى دولة اقليمية كبرى في المنطقة حسب حواره من ضيف البيت الجديد وهو الانكليزي الجميل ، الذي كان له اعتقاداً مختلفا فيقول للباشا “ارى ان الشارع مغتاظ واعتقد ان العسكر مساندين لهم ” فيجيب الباشا على اشارة الانقلاب العسكري ” الحكومة مشغولة بعقد الاتفاقات مع كبرى الشركات العالمية بينما الشيوعيون يحرضون البسطاء من الشعب بقولهم ان نوري باشا يقضي ايامه متنزها في اوربا ” ..
الفصل الثالث المعنون بـ ” الضابط ” يلقي الضوء على ثورة تموز 1958 ومارافقها من صراعات ادت في النهاية الى مقتله بانقلاب عام 1963 ، ويتدخل الشاهد في حوار زمن الانقلاب بالقول “لقد كان خلوقا ونزيهاً..عاشً ومات بزيه العسكري “.
في الفصل الرابع ” الجندي المجهول ” ينقل لنا الشاهد الحجري المشهد العراقي منذ لحظة الغاء اتفاقية الجزائر عام 1957 عبر بيان في السابع عشر من عان 1980 أي قبل اندلاع الحرب العراقية الايرانية بخمسة ايام ، ويصف الشاهد حال البيت ـ الوطن ” بقيت وحيداً دون انيس ، بدأت الفئران تملأ المكان والطيور تبني اعشاشها ، هجر المكان واصبح خالياً بعد موت الضابط ” وفي حوارية ساخنة يتبين للقارىء الرفض الحقيقي للحرب وويلاتها يقول احد الجنود الفارين من الجيش لجندي آخر مسنسلم لقدره ” لم اعد اطيق الحرب ، لم اعد اطيق رؤية الدماء تتطاير حولي في كل مكان ، موت اصدقائي وتناثر اشلاءهم يؤرق نومي ” .فصل ادانت به الحرب ليس من خلا الجمل الانشائية الجاهزة بل من خلال تفاصيل حياتية دقيقة ذات طابع شخص فالجندي الفار يطلب من صديقه الجندي الآخر وهو في طريقه الى جبهات القتال ” أخبر أمي إن ابنها لم يكن يوماً جباناً ولم يهرب لانه خائف ، هرب لانهم اعاد يطيق العنف ولغة السلاح “..
الشاهد الحجري يرصد لنا مرحلة الحصار التي ابتدأت مع اندلاع حرب تحرير الكويت في السابع عشر من كانون الثاني 1991 مفتتحا الفصل بخطاب صدام حسين الذي ينتهي ب” وليخسأ الخاسؤون ” . يقول لنا الشاهد ان هذه المرحلة كانت مرحلة تاريخ جديد للعراق بعدما تكالبت عليه الدول خصوصا بعد ان استعد الخصوم لتقسيم كعكعة البلاد ” شعرت بالسوء ، القهر يعتصرني ، وحصري في مكان ضيق بعدما كنت اطل على كل المنزل ، او ربما اقتلاعي من مكاني وهدم جداري الذي التصق به ..روحي تنزف دماً لايرى وقلبي الحجري يشهق ..في تلك اللحظة بدأت كتابة تأريخ جديد وعهد جديد “.! ”
في فصل “الرسام” الذي يبتدىء في التاسع من نيسان 2003 ن ومرموزيته ان هناك لوحة جديدة للمشهد العراقي وتأريخه الحديث ، ” وضع (الرسام ) حاملاً لرسم اللوحات في زاوية الغرفة ..احضر الطاولة ..ابتعد عن اللوحة ينظر اليها متأملاً ترتيبه مقتنعا بمكانه ” لتنطلق اللوحة الجديدة بمشهد واقعي ” فجأة ظهرت طوائف ومذاهب متصارعة وفرضت سيطرتها على واجهة الاحداث ، عنف وحشي أعمى ” ويتساءل الرسام بعد ان تزدحم لوحته بالشهداء والجثث وتحول لون نهر دجلة الى الاحمر ، نظر الرسام الى اللوحة وتساءل ” الى أين ياعراق ؟ ومتى سينتهي نهر الدماء هذا ؟ ..يشعر الشاهد الحجري بالخطر الذي يحيق به من جراء احتمالات تهديم الدار الذي هو حجر فيها لكنه يقرر” لن اسافر حتى اتأكد انه ماعاد لي مكان في بلدي ”
ويصل الشاهد الى قناعة مايجري في المنزل ـ الوطن ” لم اعد اعرف من يحب من ومن يواسي من ؟ من يجب ان يغفر لمن ؟ اختلطت المفاهيم واختلفت الموازين ،” لكن الامل مازال يجري في جسده الحجري فيقول ” ربما تعود الحياة لبغض هدوئها مع عودة النزلاء للسكن في الغرف ” !
في الفصل الاخير يخرج الشاهد عن صمته واكتفائه بالمراقبة ليعلن ” دمروا مكاناً حمل تأريخهم وذكرياتهم وافراحهم واحزانهم ..رأيتهم ارواحا عارية مجردة من العواطف والمشاعر ، ارواحاً لاتعرف طريقاً لمباهج الحياة ، الجشع رفيقهم والظلم قائدهم ” !
رواية ” ذاكرة حجر ” لأنفال الجبوري الصادرة عن دار سنا للنشر والتوزيع عام 2021 ، رواية فوق التوصيف التأريخي والرصد االمجرد ، انها رحلة مؤلمة في تأريخ موجع لهذي البلاد التي قد يعود ساكونها اليها بعد ان تنقشع الغمّة !

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب