23 ديسمبر، 2024 5:00 ص

رواية النبطي ليوسف زيدان تأويل الأحداث التاريخية وتمجيد اليهودية لصيد الجوائز العالمية!

رواية النبطي ليوسف زيدان تأويل الأحداث التاريخية وتمجيد اليهودية لصيد الجوائز العالمية!

بصراحة أدهشتني تماما رواية النبطي ليوسف زيدان، من حيث طريقة تناولها الغير حيادي لنشأة الاسلام واسلوبها “الاستشراقي الطرح”، وكأن الذي يكتبها روائي غربي “مستشرق متعصب” متعاطف مع اليهودية كديانة وكاره للعرب والمسلمين، حيث قام زيدان هنا بتركيب 
عيون سردية جديدة تتعاطف كثيرا مع الأقباط المصريين واليهود العرب، واقتحم بجرأة نادرة قضايا جدلية كبيرة ترتبط بالسياسة والاستبداد والحرية والايمان، مسلطا كاميرا “زووم” مكبرة لمعاينة نشأة الاسلام هذه المرة، وكأنه عايش الأحداث شخصيا!
ويبدو أن فوزه الكاسح بجائزة البوكر عن روايته الشهيرة عزازيل قد رفع سقف طموحه لكي يسعى للفوز بجائزة عالمية، وقد أصبح العالم مشحونا بالاسلاموفوبيا، فكيف اذا “شهد شاهد من أهله”؟!
أعادتنا رواية عزازيل للقرن الخامس الميلادي، وللممارسات المستبدة القاهرة والعنيفة للأرثوذكية المسيحية، أما في هذه الرواية فيعود بنا لفترة نشأة الاسلام الاولى ولادعاءآت اضطهاد اليهود العرب، وربما ستنال بحال ترجمتها العالمية لرضى وبركات النقاد الغربيين 
المتصهينين بوجه خاص…
يستهل زيدان روايته بجملة مكتوبة في الفقرة الاولى: “ان الامور التي تروى متشافهة، لا يحق لك اثباتها بالكتابة”، وكأنه يناقض نفسه ويتنصل من كل ما كتبه بحجة أن الكتابة غير محقة والتوثيق غير شرعي، وبالتالي فهي تتحمل الخطأ والصواب، وهذا بالحق تهرب 
ذكي ولافت، كما انه يضع تنويها في الصفحة التالية ينص على أن “نهايات هذه الرواية قد كتبت قبل بداياتها بقرون”، وقد رسمت النهايات البدايات، وهو تعبير فلسفي بالغ الدلالة، فالنهاية هي بالفعل التي تقود للأحداث …
وفي تفاصيل الرواية الجدلية هذه، نجد أن فصل الخروج الأخير هو الأكثر تعبيرا عن مغزى الرواية، حيث تتماهى شخصية الراوية وهي قبطية مصرية، اسمها الأصلي ماريا والعربي ماوية، وتكاد تتماثل مع شخصية النبطي المتوحدة والمتفلسفة، حيث كل العرب الأنباط 
هنا بصدد الهجرة من ديارهم تمهيدا لغزو عربي قادم، كما طلب منهم “عمرو بن العاص”: لا تتأخروا في الرحيل، واللذين الى الشمال من هنا، ينزحون الى الشام مع أهل كرام، وانتم ومن يسكنون وادي رم وسيناء، تهبطون الى مصر ان شاء الله آمنين، فتبشرون الناس 
بقدومنا لخلاصهم مما يعانون، فمن دخل منهم معنا في الدين، صار عليه خراج أرضه، ومن بقي على نصرانيته وضع الجزية عن بد وهو صاغر.
تضج شخصية “ماوية” بالحنين والشوق والحب لشخصية النبطي، متعاطفة مع عناده وتمسكه بوطنه حتى لو مات وحيدا، حيث تقول: “كان النبطي مبتغاي من المبتدأ، وحلمي الذي لم يكتمل الى المنتهى…مالي دوما مستسلمة لما يأتيني من خارجي، فيستلبني…أحجر 
انا حتى لا يحركني الهوى، وتقودني امنيتي الوحيدة؟”…وأخيرا فهي تنطق بالجملة الأخيرة المعبرة (ص.381): ” هل اغافلهم، وهم أصلا غافلون، فأعود اليه…لأبقى معه، ومعا نموت، ثم نولد من جديد”!
تتحدث أحداث الرواية عن انطباعات مصرية قبطية مع زوجها وقبيلة زوجها النبطي وما يحدث في البتراء ووادي رم، ويدور كل شيء على خلفية بدايات ظهورالاسلام كدين جديد، وتدخلنا لجوهر الصراعات مع الوثنيين واليهود تحديدا، وتتعرض بمجاز لافت لتفاصيل 
للغزو والفتوحات الاسلامية…فعندما تعلم هذه القبطية “ام البنين” بخبر دخول مكة، تصيبها هستيريا وتقوم بالطواف حول صنم اللات قبل أن تسقط ميتة: فنبي المسلمين دخل مكة منتصرا، وحاصر الطائف بعد شهر، فهدم كعبة اللات الكبيرة، وقتل الكاهنة الكبرى، وسلب 
القبقب!
…. وتبخيس “غير مسبوق” لحضارة الأنباط:
يبدو حماس الكاتب للديانة اليهودية جليا، حيث يقول على لسان اليهودي: (ص.301) …وعندئذ ينزل في السماء “الماشيح المخلص”، ليملأ الأرض عدلا بعدما امتلأت جورا، ويصير اليهود أبناء الرب، ملوكا على الناس أجمعين، ثم يمازح النبطي أخيه الهودي قائلا: بل 
تحكمهم ذرية من اليهود، كما حكموهم في زمن يوسف بن يعقوب، أيام كان الحكم للأنبياء…والغريب (الذي لم يلتفت اليه احد من النقاد) أن المؤلف المبجل يجرد الحضارة العربية النبطية العريقة من سمة “الفن والابداع” (بجرة قلم)، وذلك عندما تبرر احدى الشخصيات 
وتدعى ليلى وجود “النقوشات والمباني المنقورة” قائلة: أظنه للزينة، فحسب، مثل بقية الأشكال…فالأجداد لم يكن عندهم احيانا ما يفعلونه، فيتشاغلون عن العمل بنحت الجبال، وهذه الصخور هشة على كل حال، ينحتها الحديد اذا حكها (تأملوا درجة الاستهتار هذه وعدم 
مبالاته لثقافة وادراك القراء الأفاضل)! هكذا يتحدث بسخرية ولا مبالاة عن حضارة الأنباط العريقة، ولكن عندما يتعلق الأمر بخزنة فرعون فهو ينحى منحى آخر أكثر هيبة وجدية واحتراما: لماذا تسمونها بذلك؟ لأن المصريين ساعدوا الأنباط في بنائها (شوفينية “فرعونية” 
غريبة)! وهكذا يبقى “النبطي” صامدا ووحيدا في أرض الأنباط بعد رحيل الجميع، يؤكد دوما
أنه ليس نبيا، مع ان الالهيين يلهمان قلبه بالحقائق، حيث يشرح أسرار اللغة قائلا: ان الكلام البليغ ضرب من السحر النبيل، منه شعر ومنه نثر، مقدسا المعتقدات الوثنية العتيقة: النثر هو صوت اللات فينا، والشعر هو همس آيل! كما يفسر شعور الانسان بالعيش 
سابقا، يقع ذلك للانسان نادرا، بسبب توالي الحيوان، وتتالي انتقالات الروح في الأجساد والجمادات، وهو سر غريب، يتجنب الناس الخوض في بحاره المغرقة.
طموح للعالمية واضطهاد الديانات الاخرى:
لا شك أن هذه الرواية مصاغة بنفس ابداعي وصفي نادر، وهي تتناول انطباعات فتاة قبطية جميلة، فيما يتعلق بزوجها البدوي وعشيرته، وتظهرهنا كراوية تتأمل القبائل العربية، وتغوص بالتفصيل لواقع العلاقات الاجتماعية البدوية، وطرق تناول الطعام والعادات 
الجنسية، وبلا تنميق او تزويق، وباسلوب روائي آخاذ وممتع، ولكنها كما قلت تتطرق لبدايات انتشار الاسلام وغزواته في خلفية الأحداث “بعين يهودية” متحيزة ناقدة نوعا ما، وتتظاهر “ماوية” بالحيادية عندما تقول: ” لم اشاركهم كلامهم، ولا اهتممت بما يقولون، كنت 
غارقة في، وفي بعض الأحيان أنتبه اليهم (ص.261): قالوا أن الفرس انكسرت شوكتهم ولن يعود مجدهم، وقلب الجزيرة يغلي بالغزوات والحروب، والنبي القرشي يغتال كبار اليهود ويحارب الجماعات والقبائل…وفي اطراف الجزيرة “أنبياء” يختلفون ويتقاتلون ويتهادنون، 
فالأنحاء مضطربة كلها!
الأكثر أهمية هو الفصل الثالث وما وراء السطور؟
هناك سرد تفصيلي (لا يخلو من الملل) في الفصلين الأولين، حيث يتناول الكاتب حياة ونشأة ماريا في قريتها القبطية الهادئة، ثم يتطرق لتفاصيل هجرتها الطويلة لأرض الأنباط، هنا يبدأ الفصل الثالث “المحوري” الفائق الأهمية، وربما قصد الكاتب ذلك لكي لا يلفت 
الانتباه منذ البداية لمجريات احداث روايته الجدلية، الحافلة بالأحداث والتداعيات الحياتية والتاريخية والدينية، والتي تتطلب تركيزا كبيرا من القارىء لالتقاط المجاز وما وراء السطور، وهو يركز على أحداث الغزو الاسلامي في بداياته الاولى ويتطرق للهيمنة واضطهاد 
أصحاب الديانات الاخرى، كما لا يغفل عن اغراءآت الغنائم الكبيرة الكثيرة، حتى يضرب مثالا قي الصفحة 262: أمير المؤمنين ابن الخطاب عزل أمير حربهم ابن الوليد…الروم يتذبذبون، والفرس يتراجعون.
لكن زيدان بالمقابل وبغرض احداث توازن، وتجنبا للانطباع بأنه ينحاز ضد الاسلام في روايته، يضع هنا وهناك شذرات وصفية تتعاطف حقا مع الدين الجديد، وكلها تروى عن طريق ماريا: ” فكنت بعدها أنصت من حجرتي، فأفهم معظم الكلام، فالقرآن بليغ ومدهش 
(ص.361)، لكن المسلمون يقتلون اليهود(ص.342)، لا…كان هؤلاء اهل يثرب وخيبر، وكانوا يؤذون النبي محمدا، وخانوه، فحاربهم وطردهم…أما يهود الشمال فأهم من هؤلاء الهالكين، وأعرق في اليهودية”. ثم يستطرد “أشهد أن لا اله الا الله (ص.340)، قلت كما 
قال، فابتسم وهو يقول أنت الآن مسلمة، وسوف يدخل الايمان رويدا رويدا الى قلبك”…ثم تبلغنا بصراحة عفوية بأنه يكفي أن الاقلاع عن شرب الخمر (لأنها محرمة) قد ادى أخيرا لاختفاء رائحة الفم الكريهة الخانقة لزوجها سلومة، والتي كانت تعاني باشمئزاز منها ومنذ 
بدء زواجها منه!
 [email protected]
by يوسف زيدان (Goodreads Author), Youssef Ziedan 3.43 · Rating Details · 12,010 Ratings · 1,528 Reviews
تدور أحداث الرواية فى العشرين سنة التي سبقت فتح مصر، ويظهر في بعض مشاهدها الفاتح عمرو بن العاص وزوجته ريطة (رائطة) والصحابي حاطب بن أبى بلتعة، إضافة إلى شخصيات خيالية يكشف من خلالها النص الروائي عن طبيعة الحياة والإنسان 
والاتجاهات الدينية التي كانت
سائدةً في المنطقة الممتدة من دلتا النيل إلى شمال الجزيرة العربية، في الوقت الذي ظهر فيه الإسلام وانتشر شرقاً وغرباً http://www. …more
Paperback, 381 pages
Published November 2010 by دار الشروق (first published 2010)