18 ديسمبر، 2024 6:55 م

رواية الفضاء بين تواتر المحكي و عبثية الخسوف المضموني

رواية الفضاء بين تواتر المحكي و عبثية الخسوف المضموني

قراءة في رواية ( الكافرة ) للروائي علي بدر
تشخص رواية ( الكافرة ) للروائي المبدع علي بدر عنفها
السردي و الحكواتي عبر مجموعة من الكيفيات العلامية التنصيصية المستوعبة لفضاء محورية المحكي في كافة أبعاد تمظهرات مادته الروائية و شغلها الأساس في بنية الفضاء / المناصصات وصولا الى خطاب سردي مثقل بتكاثفات حجب المكونات العلائقية المعقدة و المفبركة في مسارية الإيقاع الدرامي لشخوص رواية راحت تنزلق بالإحباط و التخاذل في فترات زمنية مشحونة بمشاهد العنف المسلح في وجه وقاع مدينة عربية لم يفصح عن هويتها داخل شعاب و مساقية صخب الأحداث في فضاء السرد الرواية . تروي قصة الرواية عن شخصية
فاطمة التي كانت تحيا في قرية نائية أخذت تسيطر عليه جماعات من المتشددين حيث أجبرواها و أفراد عائلته على خدمتهم بطريقة مشبعة بالإذلال و الاحتقار بعد ما كا والدها ــ أي فاطمة ــ قد أنخرط بجانب صفوف تلك الجماعات المسلحة بالعنفوان و التعصب العرقي و المذهبي . فيما أخيرا قد قتل والدها في عملية انتحارية بعدها تزوجت من شاب عاطل عن العمل ليبحث هو الآخر عن فرصة مأتية للأنخراط في عملية انتحارية أيضا . و بعد موت زوجها بشكل مباشر قرر المتشددون تزويجها الى عنصر من جماعاتهم التكفيرية لكن هذه المرة لم تمتثل الشخصية فاطمة لأوامرهم و قررت الهرب بعيدا مع ذلك المهرب الذي اغتصبها عنوة و هما في طريقهما الى أوربا .
( البنية السردية صياغة وقائع زمنية مغايرة )
النظام السردي في رواية ( الكافرة ) يشكل سردا مكونا لازما لأحداث النص . إذ هو الذي بات ينظم أحداثه و شخصياته و بالتالي فضاءاته و أزمنته و من ثم أنتساب الى الخطاب أو المبنى من حيث هو صياغة وقائع فنية

و زمنية مختلفة في محور اشكالها المتباينة لمساحة الحكاية

و المتن الذي يجوز للمادة السردية في صيغتها الخام . و

هكذا تنطلق محاور و ثيمات حكاية الفتاة فاطمة داخل أجواء

تلك القرية المحاطة كليا بأغلال و أصفاد المسلحين حيث

تسعى مع شخص أمها الى قضاء كل الأعمال التي تتعلق

بمأكل و مشرب و صيانة غرف تلك الجماعات الظالمة

صباحا . أما في المساء فتعرجان بالمغادرة الى منزلهن

الواقعة على بعد غير كبير من مقر هذه الجماعات :

( كنت سألتني مرة : صوفي أنت لم تحك لي عن حياتك..

قلت لك ..سأحكي لك عن حياتي يوما يا صديقي ولكن ليس

الآن / كنا جالسين في الدفء الذي يأتي من خشب الكابينة

المغلق .. جالسين لنفطر معا على الطاولة و بعد أن شربنا

القهوة أخذنا نتمشى طوال اليوم على الشاطىء .. ثم عمنا في

البحر حتى تعبنا تماما .. و حين عدنا الى الفندق كدت أسقط

من النوم .. انتظرتك في الفراش و جسمي هادىء و ثقيل بعد

هذا التعب الحلو .. بسبب السباحة و الجري على البحر

طوال النهار .. و حين انسللت انت الى الفراش الى جانبي

شممت رائحة جسدك .. تحسست ملمس جلدك الناعم ..

قلت لي : صوفي أحكي لي عن حياتك فيما مضى .. في

لقاءنا الأول .. كنت حدثتيني عن المتشددين ؟ إلا أنك لم

تذكري شيئا فيما بعد .. من أنت صوفي ؟ من أي بلد أنت ؟

تظاهرت بالنوم .. لا تتظاهري بالنوم .. قلت لي ؟ تصمت

قليلا و هي ترفع رأسها كأنها تتذكر شيئا عزيزا عليها ..

لكنني نمت فعلا ) تنقسم فضاءات رواية ( الكافرة ) الى

قسمين أو الى حياتين . القسم الأول هو ما عاشته فاطمة /

صوفي مع عشيقها أدريان حيث أننا و نحن نقرأ كل مشهد

مع هذا الحبيب تصاحبه في نهايته صورة استرجاعية حول

زمنها في تلك القرية التي كان يحاصرها المشددون . و في

سياق هذا الانفتاح على أتون المراحل الزمنية في حياة فاطمة

/ صوفي يتبدى لنا النسيج النصي كشاهد على زمن ملتبس

لا ولادة فيه إلا داخل بين منطقة الفضاء الحميمي ــ أدريان ــ

و بين الفضاء المضاد الذي ينتمي الى زمن حياتها في تلك

القرية المأسورة : ( من الأشياء التي لا أنساها أيضا لا أنسى

صوت أمي المتهدج في الليل .. كنت اتلفلف في الفراش و

اتظاهر بأني نائمة : قالت لراضي الرجل الذي تزوجته بعد

مقتل أبي .. لا تضرب على وجهي ؟ .. حاولت أن تدير

وجهها على الجهة الأخرى .. فجرها بيد خشنة قوية و

أنزل قبضته الأخرى على وجهها بقوة فسال الدم من

أنفها : ـــ عاهرة أنت عاهرة قولي أنك عاهرة لن أتركك

حتى تقولي أنا عاهرة .. قالت له ــ البنت نائمة لا أريدها

أن تسمع .. رائحة الكحول الممزوجة بالثوم كانت تملأ

الغرفة .. ثمله لا يخفف من قوة ضرباته التي يسددها الى

بطنها وهو يقول بصوت ثابت لا يلين : ــ قولي أنك عاهرة ؟

راضي البنت نائمة الله يرضى عليك و أخشى أن تصحو : ــ

بنتك ستصبح عاهرة مثلك أنتن عاهرات ) هكذا عاشت

فاطمة في منزل زوج أمها حيث أشتد بؤسها الى حدود لا

توصف .. في رواية ( الكافرة ) ثمة خطوط لأوصاف

صورية متشظية تلتحم بالمكونات التخييلية و الأبعاد النفسية

الواقعية في حدود هيئة تداعيات حسية و كلامية و حدثية

طافحة بالألم و الأسى مما يجعل الأفق الصوري للسرد

شبيها بالترجيعات النغمية البائسة لحيوات فاطمة التي بلا

جدوى دائما . فهي حتى عندما فكرت بالبديل كهروب من

ظلام حياتها الشخصية كانت تلقى العكس مما يجعل رؤيتها

سوداء الى أنوثتها و عواطفها كفتاة يانعة و فاتنة لحد

الجاذبية و السحر : ( لقد توافق تحول جسدي مع ظهور

المسلحين في حياتنا .. بدأ صدري يكبر قليلا و بدأ ينبت لي

زغب خفيف .. أنشغلت بهذا الأمر كثيرا طالما أن العالم

الذي حولي قد انشغل بالفتاوى و الملصقات التي كان ينشرها

المسلحون ذو اللحى الكثة في المدينة .. أثناء عملنا في هذا

المنزل الذي يقطنه المسلحون رأينا الكثير من النساء ..

نساء منقبات جئن من أماكن مختلفة من العالم . كانت أجدى

وسائلي التي تسليني ذلك الوقت هي مراقبتهن و أطلاع

أمي أولا ــ بأول على كل تفاصيل حياتهن التي أجمعها

بسرية تامة .. هذه اظلعمال التجسسية هي التي أرهفت

حالتي الجسدية و الحسية معا .. فلولا معرفتي بهذه التفاصيل

الكثيرة لتلك النساء في ذلك النزل الكبير .. نساء غامضات

أشبه بالسجينات أو المحظيات لأصبحت حياتي مضببة

غائبة في عتمة الحجرات ) لعل في هذه الفقرات المشهدية

من رواية علي بدر ما يشف عن امتزاج صوتي السارد /

الروائي و في هذا الأمتزاج ثمة شبكة حوارية مفتوحة بين

الصورة المركزية ( المؤلف ) و بين الامتداد الصوتي للنص المروي و على نحو ما يجعل الشخصية تنطق بهواجسها

المخترقة بطعم الخوف و ظلال الهروب ورائحة الأنسداد

في الآفاق . وهو الذي يجعل من صوت السارد في نمو

السرد يستحضر مثاله الروائي بوصفه تجسيدا للأستحالة

التخييلية و مرجعا لتضمين الحرفية الروائية في آن .

( محيط يكف عن منح الشخصية جدواها )

ونحن نتابع مسار أحداث الرواية لاحظنا بأن الشخصية

فاطمة و تحديدا في بلوغها مرحلة النضج الأنثوي لديها

حيث أجج هذا الأمر حافزها الاسترجاعي الأنثوي ما

بات يولد لديها في الوقت نفسه قيمة مواكبة مشاعرها

المتفاقمة مع حجم تلك اللوعة النابعة من أقصى أعماقها

الشخصية المعذبة . و النتيجة هو وصول أحد أبناء راضي

زوج أمها لزيارة والده : ( كان شابا وسيما من دون لحية

مرتديا ملابس حديثة يعمل طالبا في الجامعة .. حقق معه

المسلحون للسماح له بذلك .. هكذا عاش معنا أحمد في

منزلنا كل صيف حيث كان في عطلة الجامعة الصيفية ..

وقد تغير راضي بوصول أبنه فقد أصبح أكثر هدوءا و

أفضل من الأيام السابقة لم يعد يضرب أمي أو يقسو عليها

.. كما أني لاحظت تبدل أمي وهي تنظر الى أحمد أبنه.. لقد

لاحظت تبدل أمي يوما بعد يوم .. لقد رأيت أمي تتغير شيئا

فشيئا . كان حلمها أن تتزوج شابا مثل هذا الشاب .. لاسكيرا

مثل والده ولا معتوها مثل والدي .. وقد اتاحت لي عاداتي

الطويلة في التجسس أكتشاف مخبأ زجاجة عطر التي كانت

تلفها في كيس من النايلون و تضعها في كيس العدس .. و قد

حمل لأمي سرا بعد الماكياج كان قد جلبه لزوجة والده

الجديدة ) و إزاء هذه المشاهد الجديدة في منزل فاطمة نكون

أمام سرد مراوي يستثمر تقنية الانشطار ما بين عاطفة الأم

نحو ذلك الشاب و ولع عاطفة البنت فاطمة بذات ذلك

الاحتراق حتى لتغدو صورة الأم مرآة عاكسة لذوات و

نوازع عاطفة الفتاة إزاء ذلك الشاب و تبعا لهذا الأمر تغدو

الأم / فاطمة بمثابة المرآيا المتماوجة تتقعر على صفحاتها

الصقيلة حكاية عشقهن لذلك الشاب ولكن عبر منظور مغاير.

و لعل مبدأ التجاذب و المضاعفة راح يطيل بمحكيات

أخرى ، بل أنه راح يغذي حكاية مصغرة تتيح لحكاية

الرواية أن تتمرأى في صنيع سر وجودها اللااكتمالي

المتخيل .

( عبورية المراوحة و تجريح المكبوت )

يرتبط وعي الضدان الأم / فاطمة بعالم و ملامح و سطوة

الشاب أحمد ذلك المؤول السنني الذي من شأنه جعل تحقيق

السمات المتبدية في الرواية ضمن فعل مغاير و معاكس

لنظر أمنيات الأم / فاطمة . وهكذا بات شعورهن بذلك

الشاب يشوش وجودهما العاطفي وصولا الى أدلة ظرفية و

قدرية معاكسة من حيث طموحهما بذلك الشاب : ( لقد احست

بالكراهية في أول الأمر اتجاه أمي لأني كنت أشعر أن هذا

الرجل الذي يحتل كل فضاء المنزل و كل أهتمامها كان من

المفترض أن يكون لي .. أما هي فلها زوجها هذا السكير

الذي ينام معها في الليل .. و قد تحول الآن مثل جرو وديع

عند حضور ولده .. لقد اشمأززت من تملق أمي له ومن

أهتمامها بشعرها و بطلاء أظافرها و وقاحة هذا النذل الذي

جعلها تخدمه بهذه الصورة : كنت أقول في نفسي : من هذا

لكي أهتم به ؟ أنه مجرد طالب أفاق ضئيل الأهمية .. أبن

هذا السكير القواد الذي ينام مع أمي ) و رفعا للألتباس نقول

بأن عواطف فاطمة كانت متزحزحة و ازدواجية إزاء ذلك

الشاب الوسيم الذي بات مع الأيام يتبدى متفرد الصوت في

كوامن قناعاتها العاطفية و الغريزية الحارقة : ( الحدث

الأكبر في تحولي نحو حين شعرت مرة بأنه يراقبني لقد

مررت من أمامه فشعرت أن عينيه كانتا تلاحقاني و تنظران

الى مؤخرتي منذ تلك الليلة صرت أراه بصورة مختلفة لم

أعد أكرهه و لم أعد أحقد عليه فقد كرمني ــ على الأقل ــ

بالنظر الى مؤخرتي لم أعد أشمئز منه .. كلما رأيته أو

سمعته يتكلم أتذكر تلك النظرات المرتجلة و أشعر مجددا

بالهياج في جلدي و الاضطراب في روحي و بأحتدام محموم

لا أعرف كيف أصوغه في كلمات ) فضلا عما أضحى

يخالج حقيقة عاطفة الشخصية صرنا نعاين فجائية أرتفاع

موجة هياجها المسكوت عنه سلفا . فهي من ذي قبل تقاوم

فرصة لقياها بما يجسد لها ديمومة موسومها الرغبوي

القاتل .. ولشدة وصول رغباتها الساخنة بذلك الشاب الىأقصى درجات الأحتدام فأنها راحت خلسة في الدخول الى

حجرته لتمثيل دورها الجنسي مع أغراضه و أشياءه وحتى

حقيبة ثيابه : ( و في يوم كان قد خرج كل من كان في

المنزل خرجت أمي لتعمل في المدينة خرج هو مع والده

ليقدمه الى أصدقائه .. فعرفت أنها فرصة لأدخل الحجرة

التي يعيش فيها معنا .. دخلت و أغلقت الباب ورائي ..

فتحت حقيبته بهدوء و حذر شديدين .. رأيت ملابسه مكوية

و موضوعة بترتيب متأنق لطالب في الجامعة .. صورته

بالأسود و الأبيض كانت في الجيب العلوي .. أخرجتها و

يداي ترتعشتان .. قربتها من عيني أردت تحسس شفتيه

و وجهه بأصابعي و ضعت شفتي على شفتيه في الصورة

و أغمضت عيني . وضعت يدي على صدري .. فأنتصبت

حبتا الكرز الصغيرتان في نهدي مسببتين لي ألما .. أعدة

الكرة أكثر من مرة .. خلعت ملابسي .. خلعت جلبابي ..

ثم خلعت كالسوني .. حملت مرآته الموضوعة بعناية بين

اغراضه .. مسحتها بيدي نظرت بها وجهي .. أخرجت

قميصه و وضعته على جسدي كأني تحسست سخونة

جلده ) غير أن ممارسات فاطمة للحب الحلمية و هي عارية

مع أشياء و حرارة ظلال ثياب ذلك الشاب لم يقدر لها أن

تدم طويلا فقد حدث و أن غادرهم في نهاية الصيف :

( كنا أنا و أمي أكثر حزنا عليه من أبيه و ما يسعدني و

يجعلني مبتهجة و ربما حتى هذه اللحظة أنه لم يترك

كالسوني في الحجرة وراءه .. أنما أخذه معه في حقيبته )

للأسف الشديد لم تتحقق أحلام الأم و فاطمة بممارسة حية

وجادة مع جسد ذلك الشاب رغم زمن الحاح الأم على زوجها

راضي الى أن يدعو أبنه أن يأتي مرة أخرى ليزورهم ..

و قد دعاه فعلا و كانت الأم و فاطمة ينتظرانه بفارغ الرغبة

الجامحة . لكن ما أفسد الأمر في الواقع هو أن الأب لم يقدم

على رخصة من المسلحين بزيارة ولده هذه المرة : ( وفي

يوم سمعنا اضطرابا كبيرا في منزلنا هرعت أمي راكضة

الى الشارع لم يكن راضي هناك بل بضعة نساء و رجال

من الجيران يرقبون شابا مشنوقا و مثبتا على نخلة هرمة ..

شاب نحيل .. أسمر بارز العظام كان حافيا عاريا .. ما

خلا فردة واحدة من حذائه معلقة بقدمه ) لقد فارق الحياة ذلك

الشاب تاركا قوافلا من الذباب تحوم حول شعره الأسود :

( و صوت أمي العبثي التي كانت تقف أمام الجثة أشبه

بفزاعة / لقد قتل المسلحون الشاب الذي جاء لزيارة والده..

مثلو بجثته .. قصوا أذنيه .. جدعوا أنفه و تركوه هكذا يتدلى

وعلى وجهه خثارات دم و حروق جافة .. لقد رفض

المسلحون انزاله بقي هكذا ليومين .. وهو معلق مفتوح

الساقين و خصيتاه مسحوقتان مثل عجينة )

( رد الفعل السلبي تجاه الأسلام )

لقد جسد الروائي علي بدر رؤيته الحضارية الجديدة النازعة

لحدود كل قيم الأحتشام بشخصية ( صوفي ) بدلا من أسمها

السابق فاطمة . لاسيما و أن فاطمة قد هاجرت موطنها

العامر بالمسلحين و القتلى و الحرمان الجنسي و الحرية

المفقودة في ممارسة الجنس مع كل من يعجبها من الشباب

الاوسماء في أوربا . كانت الشخصية فاطمة قبل هجرتها الى

أوربا قد تزوجت بشاب أسمه رياض و عاشت في البدء حياة

سعيدة مع ذلك الشاب الذي أتضح عليه بعد أن ماتت أمه بأنه

رجلا لا يفقه من الأعمال و الحرف أي شيء و في يوم عاد

الى المنزل مساء و وجهه المتوتر يقول أشياء كثيرة .. وجهه

الصامت يحمل أفكارا غامضة : ( ذهبت الى المطبخ لأعد

الطعام له جاء ورائي و جلس على الكرسي قبالتي .. نظرت

في عينيه و سألته : ــ ما بك ؟ لم يقل شيئا إلا أنه أخرج من

جيبه رزمة من المال و وضعها على الطاولة : ــ مال ؟ قلت

له هل سرقت ؟ أبتسم و قال بصوت هادىء :ــ لا لم أسرق ؟

من أين لك المال إذن ؟ سكت كررت عليه سؤالي : ــ من

أين لك المال إذن ؟ قال لي :ــ من المجاهدين !:ــ من من ؟

قلت له باستنكار كامل : ــ أخفضي صوتك ؟ : ــ قل لي من

من ؟ : ــ من المجاهدين .. من المجاهدين : ــ لماذا ؟

سأذهب بتنفيذ عملية غدا ) خرج زوجها رياض و لم يعد و

بعد أيام قد استدعيت الى مقر المسلحين لأمر عاجل ..

عرفت حينها أنه مات : ( قلت بيني و بين نفسي .. نعم سأسأل الله أن ألتحق بالجنة و لكن ليس معه .. سألتحق

بجنة أخرى بجنتي أنا لا بجنته ) . و بعد وصول فاطمة و

التي هي صوفي الى أوربا و مع عشيقها أدريان و قد تم

الأمر بمساعدة ذلك الرجل المهرب الذي قام بمضاجعتها

أثناء عبورهم للحدود .. هكذا عاشت صوفي قصة حبها مع

الشخصية أدريان الذي كان من أصل لبناني حيث أخفى عنها

حكاية أنتماءه الى الأصل العربي و ذلك لأسباب تتعلق

بالحروب الصليبية الأهلية في لبنان و أخبرها بأنه مواطن

اسكندنافي نظرا لمنبوذية المواطن المسلم العربي في بلدان

أوربا : ( أتذكر المهرب وهو يتحرك أمامي و سيجارته في

فمه كان يذكر لي البلدان التي ستمر بها.. سنهرب الى أيران

و من أيران الى تركيا .. سنذهب في منزل شخص أسمه

ألماز : ــ ما أسمه ؟ أنا أسأله : ــ ألماز هو يقول مبتسما :ــ

يا للأسم الجميل؟ يواصل كلامه في الصباح تأتي شاحنة

الفواكه ستدخلين في أحد الصناديق هناك : ــ في شاحنة

الفواكه ؟ أقاطعه ؟ : ــ نعم في شاحنة فواكه سنعبر أوربا؟

:ــ يا للجمال .. ياللحظ .. هنا لا أحد يأكل الفواكه غير

المسلحين .. يواصل كلامه .. ستعبر بك الشاحنة الى اليونان

من اليونان الى بلغاريا و من هناك سندخل ألمانيا و من

ألمانيا سنذهب الى بلجيكا ) لقد تصرفت القابلية الفضائية

السردية في أخضاع الواقعة الشخوصية ( صوفي / فاطمة)

نحو مستوى التمايز لتكون دلالة الفكرة المقترحة ( الكافرة )

أكثر خصوصية و قدرة في مواجهة مصيرها الفردي في

بلجيكا . ففاطمة قد تنكرت لأصلها العربي و عقيدتها الأسلامية و أسمها الذي يقترن بأسم سيدة نساء العالمين

فاطمة الزهراء بنت الرسول محمد( صلى الله عليه و آله

وسلم ) : أن شخصيا قد لا أظهر للقارىء مدى أسفي على ما

كتبه الروائي علي بدر و ذلك من خلال مسخ عقيدة شخوصه

و تلوينهم بسمات الخلق الأوربي و أنما أعيبه من ناحية

واحدة حصرا ؟ لقد أعلمنا العنوان بأن مسمى الرواية هو دال

( الكافرة ) أي تلك الشخصية الملحدة و المشيطنة و التي

ليس لها أي قيمة وحدانية بالله . غير أننا ونحن نتابع مسار

الأحداث شخصية الكافرة فلم نجد بالمقابل سوى عوالم

ممارسات عاهرة حقيقية تشتهي الرجال في كل أوقاتها

العمرية و الزمنية و بلا أدنى حرج و بأمتياز كبير . إذ كان

الأجدر بعلي بدر تسمية روايته بالعاهرة و ليس الكافرة

لاسيما و أنها كانت تمقت حتى لفظة الأسلام و أسم فاطمة

في مسمى أسمها الجديد صوفي . أود أن أذكر الروائي علي

بدر بأمر ما يتعلق بدلالة مقولة منظورية يذكر فيها : أن

الموقف الأشاري و العنواني ما هو ألا موقفا محوريا و

موضوعيا رصينا .. أيضا هو معنى محدد يحافظ عليه

و على مهمته في استقراء هوية الأشياء و الظواهر

و المحسوسات إجمال.

( رواية الفضاء في مسارية دلالة النص الروائي )

أن لدلالات ( رواية الفضاء ) ثمة أهمية قصوى في

حيز تشكيل الفرد لهواجسه وارهاصاته و انفعالاته

الزمكانية . من جملة هذا الارتباط يظهر لنا تمظهر

الوعي بالاحساس المكاني و الزماني و عبر ماهية

الكينونة الشخصانية في ماهية السرد الروائي المشكل

بالاتنماء الحقيقي الى مفاصل أفق الحدث السردي

لتتشكل لنل من خلاله معالم بنية الفضاء الروائي . و يمكننا

القول بأن الأنسان كائن فضائي يغير الفضاء و يتغير به

و هذا ما ذهب إليه إي .. ريلف قي علاقة الانسان بالمكان

إذ إنه يصور هذه العلاقة الأحتوائية تصويرا راصدا حيث

يقول : ( لكي تكون أنسانا ينبغي لك أن تحيا في عالم مليء

بأمكنة ذات مغزى و لكي تكون أنسانا ينبغي أن تملك مكانا

و أن تعرفه ) من هذا المنطلق نستشعر ريلف أنه يقدم حيز

الفضاء على عاملية المكان . و لربما هذا الأمر يكون

راجعا الى قصدية الفضاء بالحركة و الانتشار و شموليته

على عناصر المكان و الزمن و الشخوص و الحوار و السرد

وحتى الأبعاد الإيحائية لمجالية الحس الأجتماعي و النفساني

من هنا نفهم بأن الفضاء له دلالات خاصة مبعثها مجلى

الأحداث و التفاعل بين الشخصيات داخل مكونات الخطاب

الروائي . و الشخصية الروائية في مستحدثات القراءة النقدية

قد تحتل دائما فضاء فسيح في تكوينات الأفق الحدثي في

مسار السرد . و لكن لا يشترط أن تحتل دائما المكانية

في مسار السرد . فهذا بدوره بوصلة توجه جادة و جديدة

في مكونات المباحث النقدية .. فقد أصبحت معارف النقد

لا تنظر و لا تشترط بأن الفضاء هو مادة للمكان السردي ،

بقدر ما أنها أخذت تفترض بأن للفضاء أسس و إتجاهات

تتشكل من خلالها ثنائية ( الفضاء / الزمن ) و هما ثنائية

علاقة تكاملية بين طرفيها . فالفضاء و الزمن في رأي النقد

السيميائي محكوم عليهما بالتلاشي إذا نظرنا الى أحدهما

منعزلا عن الآخر . وذلك أنه لا يمكن ملاحظة الفضاء إلا

في حدود تمظهرات زمنية كالتتابعية و الأرتدادية في مسار

الزمن الروائي . و من هذا المنطلق رأينا فضاء رواية

(الكافرة ) وكيفية تشكيل مسارها العلائقي داخل رقعة

منظومة الفضاء الروائي . فالفضاء في رواية علي بدر

كان عبارة عن مسارات من الأمكنة التي لا تعالج شكلية

المكان بل أنها كانت فضاءات متعددة سواء كانت واقعية

أو خيالية تستغرق حلولية الأشياء المادية و المعنوية و على

نحو ابعد و أعمق من وظائفية المكانية و الزمانية داخل

مسار السرد الروائي .

( تعليق القراءة )

أن ما جرى لشخصية صوفي / فاطمة بعد زمن من عيشها

في بلجيكا هو ذلك الإفراط الغريب في عشق أدريان اللبناني

الأصل و الذي أكتشفت عنه أسرار كبيرة بعد انتهازها

فرصة رقاده في المستشفى عليلا . في حين راحت تبحث

صوفي سرا في شقته باحثة في أشياءه و صوره و ألبوماته

الشخصية و ثمة أقراص لأفلام وثائقية وصولا الى أكتشافها

بأنه كان متزوجا . أن رواية ( الكافرة ) رواية أبداعية

حاذقة من خلال أدواتها الروائية و البنائية و الأسلوبية و التي

تعود حتما لرؤية كاتبا روائيا متمرسا في خط مخططات

أمهر النصوص الروائية . غير أنها للأسف لم تصفح عن

نهاية روائية ناجحة . و السبب في ذلك يعود لرؤية الكاتب

اللامتكاملة في صياغة حبكة مضمونه الروائي . نهاية

الرواية جاءتنا على قدر من المثالب و الهفوات الكبيرة . و

ختماما بعد أن صارحت صوفي أدريان بحقيقة نهاية حبهم

صارت محض فتاة عاهرة بل أنها باتت تتفنن بعلوم الإباحية

و الإعلان الشاق عن جسدها فرجة و مشتهى لكل من هب

لتناول كأس خمر في أحدى الحانات الرخيصة 🙁 لم يبق لك

شيء مني سوى هذه المعانقة التي ستأخذها غضبا مني ..

سأضحك عليك في سري و أنا أراك تعود خائبا و أعرف

أنك الآن عائد الى شقتك لتأخذ دوشا باردا و تنام الى الصباح

على وجهك .. تنحني و تقول : بون ويكيند ياصديقي .. تغير

لهجتها أو أقول لك نعم تعال معي ../ ليس الآن ليس الآن ..

فيما بعد فيما بعد هذا ما سأسمعه منه هذا ما تقوله لي ..

بعدها تخلع ملابسك تحت الفراش بأنتظاري ستكون متأهبا )

هكذا أنتهت نهاية فاطمة بنت القرى المسلحة بالأرهاب والتكفير و القتل و النقاب و الأستمناءات الخيالية الى

أضواء وحانات أوربا حيث تاريخها الحافل بالمضاجعات

بدءا من أزواجها الى المهرب ثم الى أدريان ثم الى

فسحة طويلة و متينة من الأجساد الأوربية التي أخذت فاطمة

من تحتها تتلمس فرصة الأنتهاء من أجل نيل فرصة المبيت

ليلة واحدة في فراش دافىء من الزنا و روائح الأجساد البشرية المتنوعة . هكذا هي رواية الكافرة يتبدى من خلالها

كاتبها مأخوذا بصور الزنا و العشق التي تغدو لنا جميعها

قوة تخترق رواية الفضاء بكافة قيمها المتواترة في أتون

عبثية ذلك الأنخساف و الأنسحاق المضموني الشارد و الفاتر فنيا و ابداعيا .