صدر عن دار غاوون للنشر الرواية الجديدة للروائي حمودي عبد محسن بعنوان ( امرأة الحلم ). واستغرق المؤلف في تأليفها خمس سنوات كاملة ويمكن وصفها برواية بطل محور شخصيتها الرئيسية رياض وربما استطيع وصفه وتسميته بالشيوعي الاول والاخير يكتشف تأريخآ وعالمآ ممزوج بالحزن والقتل والخيانة وصراعه مع الواقع والتأريخ وكل التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدها العراق على مدار فترات متعاقبة منذ الاساطير القديمة وحالة التداعي الفلاش باك وتأريخ العراق القديم والجديد وفق تركيبة المونتاج المتوازي في السينما اي حصول حدثان في أن واحد وتبقى المرأة هي رمز الوطن والتي تعكس فكر المؤلف فهي النصير لقضيته وتشكل الحب والمستقبل والتأريخ الحافل بالاخلاص والتجلي النبيل ففي رواية إمرآة الحلم حقق الكاتب فكرته وموقفه من حقائق تأريخية ومن الواقع المعاصر بكل سلبياته وايجابياته،فشخصية رياض هي رمز الوطنية والنقاء ومتن الرواية وركائزها هو فن الادب وفن التصوير ووصف ايقاع وحياة الناس في بغداد وحياة ونبض أهلها ونمادجهم المختلفة في كثير من الاشياء ومتابعة حركة الناس والوانهم في أزقة بغداد وخاصة منطقة البتاوين ومذاق كل عراقي ونحن في أمس حاجة الى حوار هادئ لمناقشة الكثير من ألقضايا الساخنة ونزرع الحب في قلوبنا وننزع ثوب الكراهية وآشعة الشمس عمودية وخيوطها تلمع مثل الذهب وتشعل كل شيئ وساحة الفردوس وبيع المهفات في بلد بدون كهرباء وبغداد الجميلة كانت تشكل ذاكرة الاجيال وإذا بها تقع فريسة ينهال عليها الغزاة والدهماء واللصوص بكل بشاعة تسلخ في وضح النهار ويطبق الموت والصمت وتتحول الى مقبرة لكل الاحياء والاموات ،أي زمن قاتم الظلمة يسود المدينة وسنين من الخوف وسنين القتل بالمفخخات ورصاصة القتل بالكاتم وسنين الخوف والفجيعة وذاكرة الناس أصابها العقم بسبب الموت وإنتظار الموت في أي لحظة ويبقى رياض يصرخ وسط هذا الظلام الدامس وعتمة الحياة ومقاهي بغداد المدينة توشحت بالسواد مدن غادرها الفرح من زمان ربما تحول رياض الى هاملت وهو يحاور نفسه في حالة الهوس والجنون المبرمج :لماذا يجعل التأمل منا جبناء: وقعنا في بالوعة الموت ورائحتها النتنة وعطبت ذاكرتنا بسبب ويلات الحروب وشعب مدمن على الحزن وشرب الشاي وسعال التدخين ورياض يحلم وهو يبحر في تأريخ وطن كحلت عيناة بدموع الحزن والغربة والضياع والحلم المخادع ونزهة الكذب واصبح مصير شعبه يمشي على رأسه المعزول عن جسده ومصيره مثل مصير نخيله وقد قطعت ثمرة رأسه بسبب الحروب والهزائم وجحيم الموت والخراب والقذارة واليأس والجوع والعطش،حتى حانات بغداد وساقيها يطاردهم الكاتم وهم مصدر لقتل الحزن ونسيان الخراب وتحول الشعب الى رهينة او أسير أو مقتول أو قاتل أو مأجور ،وبيوتات بغداد أيلة للسقوط ودرابينها وأزقتها مستنقعات والحوسمي والجزار هو سيد الخراب اما جسور الحب والمودة والاخاء على دجلة الخير مابين الضفتين أصبحت ملغومة بالحقد والكراهية والصراع الطائفي وسونامي الخراب وتحولت بغداد الى خرابة ومزبلة وعصابات للقتل والخطف والقتل على الهوية وتزوير الالقاب والانساب والعشيرة لتكن وتتناسب مع كل شارع وحي ،ربما الناس يتحسرون على الماضي ولكن هيهات يعود الماضي،مدينتنا تحكي ألحكايات ولاأمان في حياتنا وحكايات الالم ومسلسل القتل والذبح وشعب إلتزم الصمت والسكوت والانزواء وأمواله تسرق وبلده ينهب على شاكلة سابقيه يذهب وغد ونذل ويأتي النهابون والاوغاد والانذال الانتقام والثأر ديدن الجهلة والمتخلفين والناس تجري نحو الهلاك ورياض يحلم بأمرأة الحلم وسط عاصفة الغبار والعجاج والمدينة تغرق بالرمال والناس تجري نحو الهلاك والشعب الحر والوطن السعيد لازال الوطن محتل بالتناوب وحكومات العادة الشهرية وحاكمها بول البعير وشعبه ألتعيس والحزين كلامه وصوته مثل الناي الحزين وأدمن على اللطم والنحيب وشق الخدود وقد حلت اللعنة على البلاد وإمتلأت سماؤه بالقذائف وإرتفع صراخ وجثت الناس الابرياء ودوي المفخخات وصراخ الناس وعويلهم وصل الى السماء والناس تستنجد بالخالق ورب السماء والارض دون جدوى وترك عباده يواجه الموت لوحده ،بلاد تحولت الى سجون وسجانون وسادت سمفونية والحان الموت ورائحة القبور ومستقبلهم قاتم وأشد قتامة بسبب الصراعات والخلافات وحلم السيطرة على كرسي الحكم والخوف من الارهاب والقتل، في بلد الاكاذيب المكشوفة على مر العصور وحاكمه البليد ينتمي الى حزب الاغبياء وأحزاب الطوائف المتخلفة وحزب القطيع وأعضاؤه من قطيع الجماهير البليدة والتي تصنع الابطال الوهميين والجبابرة ودولتهم نمر من ورق وهو رمز الامة أو الطائفة وهو المخلص والمنقد وسوبرمان العصر الحجري ومصيرهم مربوط بمصيره هو الدولة والحزب وكل الاشياء تختزل به وهو الاوحد وماكنته الاعلامية وقطيع الاقلام ألجاهزة للايجار لكل من هب ودب ولكل موسم وفصل والمطبخ الاعلامي أداة كبح وبلادة العقول، أما أحزاب النيكوتين وأحزاب النهابون والمقاولات السياسية ومجاميع تجيد فن التسلق ..وتحولت سيارات الاسعاف لخطف واعتقال الناس والمعارضين وحتى العروس البسوها كفن الموت بدلآ من ثوب العرس وسادت ثقافة المسدس والقتل والرجل الذي بدون مسدس مثل الرجل بدون عضو ,بلاد يحكمها الذئاب بملابس الحمل والقاتل بملابس رجل دين وحكامها من جزر الوقواق بلد العجائب والغرائب تماسيح في نهر دجلة ومدن تهددها الحيتان وفجر العراق رمادي عواصف ترابية تخنق شعبه وكانت بغداد رادار قلب العشاق ولكنها تحولت الى معسكر للقتلة والمجرمين، بغداد التي عرفها رياض ونحن كانت ملاك الحب للجميع وشمسها كانت ساطعة وعمودية وخيوطها تلمع مثل الذهب وعلى ضفاف دجلة كنا نعرف البرودة وظلال الاشجار وكان الحس الوطني ينساب مثل نقاء وصفاء دجلة والفرات وانسام شماله وجنوبه وكل بيت يشكل اركان الوطن والان ربما تخاصم النهران واصبح الحب من طرف واحد وتحول البيت الواحد الى بيوتات وأشلاء وطن كنا نمتلك مفتاحآ واحدآ لفتح جميع الابواب وندخلها بأمان وبيوتنا أبوابها مشرعة والان إختلفت المفاتيح والابواب ماكان الموت عدونا والان اصبح الانسان عدوآ لأخيه الانسان ،أنا المولود على ضفاف الفرات وكنت أنام على مخدته بأمان وأغازل وأحاور جريان مياهه وزلال ماؤه العذب أما ثقافة الماضي والحب والالفة ماكنا نعرف الخصام والعنف والعائلة والطائفة والموت المتواصل والظلم والاستبداد صحيح عشنا زمنآ لعينآ كان الواحد منا يخشى ويخاف أن يطير رأسه عن جسده في لحظة التجاوز اجتماعيآ وسياسيآ ،وكل الحروب النفطية أحرقت كل الاحلام التي كانت تنبت وأحرقت معها إبتسامة وبراءة الاطفال ولوتت المدن والبيئة وهذه الحروب هزمت الانسان وإرادته عبر فوهة المدفع والدبابة ومن ثم ابتلينا بحروب أشد قساوة وأشرس لؤمآ منها حروب ابناء الشعب الواحد وظهور المدفع الشيعي والسني والهاون الشيعي والسني وسيطرات وهمية ومليشيات للقتل على الهوية شيعية وسنية تحولت البراعم والزهور الحمراء الى دماء في ظل الموت أصبح زادنا ولغتنا وجنسنا حربآ والثأر والتعصب والانتقام والدوران في حلقة دموية ترافقنا منذ أزمان غابرة. الطغيان يلغي الحرية ويلغي الجمال والحب وسحق المشاعر الانسانية والثقافية وإغتصاب ذاكرة الحياة وحرق المكتبات والسلب والنهب وممارسة سياسة الارض المحروقة حولت الوطن الى صحراء يملؤها الطحالب ولايعيش في كتبانها إلا الزواحف السامة ,ولازال رياض يجوب عباب التأريخ وكتبانه ألرملية يحلم أن تبقى بغداد سيدة الدنيا وإمرأة الحلم وعروش بابل وسومر والرحلة عبر دهاليز مظلمة مع حور العينين ولاينفع معها خلود كلكامش وكل ألهة أشور وبابل وجدوة الامل وحلم رياض وزعماء الخراب, نحن ورياض وكاتب الرواية حمودي ولدنا وعندنا رغبة نقدية للواقع من خلال الكلمة والاغنية والسينما والمسرح وسبحنا عكس التيار وحلم التغيير كنا ننتظر سقوط جدار الصمت ياحسافة فقدنا أعز الاصدقاء وكانت اللوعة كبيرة ما بقى من صورة الوطن في وجداننا ,ماكنا نرغب الهروب في أنفاق التأريخ والنبش فيه ولكن الكاتب حمودي عبد محسن له مشتركات مهمة في كل رواياته جزء مهم من الذاكرة والحرية والوطن والمرأة ومنح شخصياته جزء من بصيص أمل في نفق مظلم وجزء من الحياة ولن نكون شهود زور على قتل الحرية والثقافة والجمال وجمال النفس وحب الناس هو منفد وشباك ومتنفس الحرية..