12 أبريل، 2024 8:34 م
Search
Close this search box.

رواتب ومخصصات الموظفين بين التحذير والتخدير

Facebook
Twitter
LinkedIn

مرة أخرى يطل علينا وزير المالية الاتحادي السيد هوشيار زيباري عبر وسائل الإعلام ليصارحنا بحقيقة الوضع المالي العراقي خلال 2016 معبرا عن ذلك بالأرقام ، ففي طلته السابقة قال إن الحكومة ستجد نفسها محرجة ابتداءا من نيسان المقبل لان إيراداتها غير كافية لسد متطلبات رواتب الموظفين والمتقاعدين ، ولكن سرعان ما ظهر بعد هذه التصريحات ( النارية ) ليعلن بان الحكومة اتخذت إجراءات لتأمين الرواتب خلال العام الحالي ، ويعتقد البعض إن ظهوره الأخير هو الأقرب للواقع لأنه ذكر بان أسعار النفط في الموازنة اعتمدت على أساس 45 دولار لبرميل النفط ولكن واقع الحال يشير بان أسعار بيع البرميل هي أقل من 25 دولار ، وهي تعني من فمك أدينك لان وزارته بالمشاورة مع وزارة التخطيط هي من قامت بوضع الأرقام بالموازنة قبل أسابيع ، وقد خالفت اللجان المختصة في مجلس النواب بأن سعر 45 دولار بعيدا جدا عن الواقع إذ أصر مجلس الوزراء على اعتماد هذا الرقم الذي يتحمل مسؤوليته الوزير زيباري باعتباره وزيرا وخبيرا للمالية ، فمن واجباته إثبات الحقائق أمام أنظار مجلس الوزراء والإصرار عليها حول تقديرات الإيرادات بضوء الأسعار العالمية الحقيقية وظروف البلد في فرض وجباية الرسوم والضرائب والأجور .

ورغم عدم معرفة السر الحقيقي من وراء ظهور بعض المسؤولين وهم يعرضون حقائق وتصريحات مخيفة للشعب وأسباب تضارب تلك التصريحات مع بعضها البعض بدلا من معالجتها من موقع مسؤوليتهم ، إلا إن الهدف من الظهور الأخير لوزير المالية واضحا للعيان فقد أراد أن يوصل رسالتين مهمتين ، الأولى إن الرواتب مهددة بالتوقف كلا أو جزءا في أي شهر من أشهر السنة المالية الحالية وهو ما يجب على الموظفين أخذه بالحسبان ، وثانيهما إن الحكومة ستصدر حوالات أو سندات الخزينة بمبلغ 4 مليارات دولار لسد العجز في القدرة على تغطية النفقات وان هذه الحوالات قد تستخدم لدفع جزءا من رواتب الموظفين ، وهي حوالات واجبة السداد بعد 3 أعوام ومن الممكن تحويل بعضها إلى سيولة نقدية من خلال إستخدامها لسد الديون بذمة الموظفين التي يحددها مجلس الوزراء كأجور الكهرباء والماء وبعض الرسوم والضرائب ، وهي على غرار الإدخار الإجباري على الموظفين ولكن بتسمية أخرى لا تجذب الإنتباه اعتقادا بأنها سوف لا تسبب ردودا سلبية من قبل الموظفين ومن سيشملهم الاستقطاع ، وربما سيتم اختيار إسما ( أجمل ) لها رغم إن الهدف واحد وهو الاستقطاع من رواتب ومخصصات الموظفين والمتقاعدين بغطاء العجز المالي الحكومي .

والأمر الذي يثير الانتباه في أغلب التصريحات بخصوص تغطية رواتب الموظفين إنها تأخذ أشكالا مختلفة ، ففي الوقت الذي يظهر فيه وزير المالية محذرا يعقبه ظهور رئيس مجلس الوزراء ( مخدرا ) ليعلن عن قدرة الحكومة على عبور الأزمة رغم الصعوبات ثم يظهر الناطق الحكومي ليطمأن الجمهور ، وبعدها يظهر المستشارون ليقولون بان الأزمة المالية صعبة ولكن يمكن تلافي أغلب صعوباتها ثم يظهر أعضاء من مجلس النواب ، ليؤدوا دورين وهما دور المؤيد بالقدرة على دفع الرواتب ودور النافي في تدبير الإيرادات اللازمة لعبور 2016 لان العجز الحقيقي هو ضعف الرقم المخطط في قانون الموازنة الاتحادية ، أما الخبراء والمحللون الذين تتكاثر أعدادهم يوما بعد يوم فأنهم يعطون آراءا ما انزل الله عليها من سلطان ، وفي حقيقة الأمر إن اغلب الاهتمامات تدور حول رواتب الموظفين والمتقاعدين دون النظر شموليا إلى مجمل ألازمة وسبل معالجتها وليس وصفها ، لان أسبابها واضحة ومعروفة لكن حلولها تحتاج إلى شجاعة وترفع ونكران للذات ، ولعل أولى القرارات اللازمة لمعالجة أي شأن اقتصادي أو مالي أو نقدي هو تحريم أي منصب فيها على السياسيين والهواة وحصره بالتكنوقراط فحسب وعدم جواز إشغال المنصاب فيها بالوكالة قط .

وهدف أغلب التصريحات بخصوص رواتب الموظفين والمتقاعدين هو إبقاء المتضررين من التخفيض بين التحذير والتخدير وبشكل يسمح للحكومة باتخاذ ما يناسبها من قرارات لتغطية الفشل في الأداء ، وعند خروج التظاهرات أو لومها على إيقاف أو تخفيض الرواتب أو المخصصات ستتم إجابتهم ببرود إننا حذرنا وبذلنا أقصى المحاولات ولكن المشكلة أكبر من الحلول المتاحة ، ففي ظل مؤشرات الواقع الحالي للإيرادات سيكون من الصعب الاستمرار بالإيفاء بجميع المتطلبات وبشكل يجعل الخيارات محصورة بين استخدام الاحتياطيات وتغيير أسعار صرف الدينار وتخفيض الرواتب لان القروض الخارجية وتعويم العملة خارج الإرادة المحلية ، ولا نتوقع أن تكون هناك أية حلول فاعلة ومؤثرة لمعالجة الأزمات المالية التي يمر بها بلدنا ، لأن العديد حذروا من تداعياتها منذ سنين وارتفعت أصواتهم بعد بداية انخفاض أسعار النفط ولم تتخذ إجراءات إصلاحية بالمعنى الصحيح ، وقد أشارت المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف على لسان السيد الصافي خطيب الجمعة ( أمس ) في كربلاء المقدسة ، بان الأصوات الداعية للإصلاح ( بحت ) دون جدوى في إحداث الإصلاح ومعالجة الفساد ومحاسبة الفاسدين وإدارة الدولة بالشكل الصحيح ، وهذه الكلمات معبرة وهي ليست بحاجة إلى تفسير وتحليل واستنتاج لأنها معروفة المصدر والهدف وهي عربون التغيير .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب