23 ديسمبر، 2024 6:02 ص

رهان أردوغان على رسم مستقبل البلاد وفق أيديولوجيته

رهان أردوغان على رسم مستقبل البلاد وفق أيديولوجيته

استفتاء الأحد هو إيذان بمرحلة جديدة في تاريخ تركيا، فمن خلاله تتغير صيغة الحكم وشكله، حيث يصبح رئيس الجمهورية الآمر الناهي وهو الذي يشكل الحكومة دون العودة إلى البرلمان.

تشهد الساحة التركية استقطابا حادا حول الاستفتاء الدستوري -اليوم الأحدـ بين تيارين بارزين، يتشكل الأول من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، في حين يتألف الثاني من حزب الشعب الجمهوري (حزب أتاتورك) ومن معه من قوى سياسية أخرى، أغلبها تيارات علمانية، وسط حديث عن تواصل مع حركة خدمة التابعة لفتح الله غولن غريم أردوغان وقائد تيار الإسلام الاجتماعي.

رغم تأكيد استطلاعات الرأي على أن الفارق بين التيارين لا يتعدى 2 بالمئة لصالح الأول إلا أن عنصر المفاجئة مازال قائما والنتيجة النهائية غير واضحة، فيما المؤكد أنه سيكون لهذا الاستفتاء، سواء تم التصويت بـ”نعم” أو بـ”لا”، تأثيرات على مستقبل تركيا خاصة الممارسة الديمقراطية والوحدة الوطنيّة.

يتوقع البعض من المراقبين أن التصويت سيكون بـ”نعم”. وهذا يخدم سياسة وتصورات الرئيس رجب طيب أردوغان. ويرجعون ذلك إلى جملة من المؤشرات، منها مرجعية الاستفتاء، حيث تمّ التصويت في 20 يناير الماضي في البرلمان لصالح طرح التعديلات المقترحة على الاستفتاء بأغلبية 339 صوتا، متجاوزا بذلك الغالبية المطلوبة من ثلاثة أخماس والتي تضم 330 صوتا.

ومن الأسباب الأخرى التي يسوقها المراقبون يتمثل في تخويف المواطنين من أن معارضتهم للاستفتاء تصب في خانة دعم جماعة فتح الله غولن، ما يعني تأييدهم لما حدث من انقلاب فاشل في الصيف الماضي، يضاف إلى ذلك سيطرة التيار المؤيد للتعديل على معظم أجهزة الإعلام العامة والخاصة.

الواقع أن بعض التعديلات ليس محل خلاف بين قوى الداخل ولا هي مرفوضة من الخارج. وتبدو تلك التعديلات مفيدة وتخدم العملية الديمقراطية، على الأقل من ناحية الصياغة النصية، من ذلك رفع عدد النواب من 550 إلى 600، وخفض سن الترشح لخوض الانتخابات العامة من 25 إلى 18 عاما، وإجراء الانتخابات العامة والرئاسية في نفس اليوم كل 5 سنوات، واستخدام البرلمان صلاحيته في الرقابة والتفتيش والحصول على المعلومات، وقدرته على اتخاذ قرار بإجراء انتخابات جديدة بموافقة ثلاث أخماس أعضائه، وإسقاط العضوية البرلمانية عن النواب الذين يتم تعيينهم في منصب نواب الرئيس أو وزراء، وإلغاء المحاكم العسكرية، بما فيها المحكمة القضائية العليا العسكرية والمحكمة الإدارية العليا العسكرية، وحظر إنشاء محاكم عسكرية في البلاد باستثناء المحاكم التأديبية.

ومن التعديلات المفيدة أيضا عرض الرئيس القوانين المتعلقة بتغيير الدستور على استفتاء شعبي في حال رآها ضرورية، وعدم حق الرئيس في إصدار مراسيم في المسائل التي ينظمها القانون بشكل واضح، واعتبار المرسوم الرئاسي ملغى في حال أصدر البرلمان قانونا يتناول نفس الموضوع، وحق البرلمان في طلب فتح تحقيق بحق رئيس الدولة ونوابه والوزراء، ولا يحق للرئيس في هذه الحالة الدعوة إلى انتخابات عامة، وعرض رئيس الدولة الميزانية العامة على البرلمان، وإجراء الانتخابات العامة والرئاسية المقبلة في 3 نوفمبر 2019.

غير أن باقي التعديلات المتعلقة بمنصب الرئيس ودوره والصلاحيات المتاحة له ونظام الحكم بشكل عام فتطرح عددا من التساؤلات وتظهر مخاوف معلنة في تركيا وخارجها، ومن تلك التعديلات ما لا يمثل خلافا عاما لأنه يخدم العملية الديقراطية -ولو بنسبة ضئيلةـ مثل مدة ولاية رئيس الدولة البالغة 5 سنوات فقط، وفوز المرشح الذي يحصل على أغلبية مطلقة في الانتخابات بمنصب الرئاسة وعدم تولي الشخص منصب الرئاسة أكثر من دورتين.

الواضح أن التعديلات الدستورية تخدم مصالح الرئيس رجب طيب أردغان وهو تميز على طول الفترة السابقة وخاصة بعد الانقلاب الفاشل ببراغماتية سياسية توظف الدولة لصالح الحزب -حزب العدالة والتنمية- وتوظف الحزب لصالح الرئيس
لكن، هذه التعديلات تفقد قيمتها وميزتها في ظل ما تمنحه بقية التعديلات من صلاحيات مطلقة للرئيس. فهناك تعديلات أخرى مخيفة للغاية وتشي في نظر الرافضين لها بدكتاتورية الشخص الواحد والحزب الواحد، وهي تظهر في عدم قطع رئيس الدولة صلته بحزبه وتولَّيه صلات تنفيذية وقيادة الجيش ويحق له تعيين نوابه والوزراء وإقالتهم وإصدار مراسيم في مواضيع تتعلق بالسلطة التنفيذية وتعيين نائب له أو أكثر وإعلان حالة الطوارئ في حال توفر الشروط المحددة في القانون وإلغاء مجلس الوزراء (يلغى منصب رئيس الوزراء)، ويتولى الرئيس مهام وصلاحيات السلطة التنفيذية بما يتناسب مع الدستور.

والمحصلة في كل هذا أن التعديلات الدستورية تركّز على الأخذ بالرئاسة التنفيذية التي تحلّ محل نظام الحكم البرلماني القائم وإلغاء منصب رئيس الوزراء ورفع عدد المقاعد في البرلمان وتغييرات في المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين واستخدم البرلمان صلاحيته في الرقابة والتفتيش والحصول على المعلومات عبر “تقص برلماني” أو “اجتماع عام” أو “تحقيق برلماني” أو “سؤال خطي”.

لكن دور البرلمان سيتراجع أمام سلطة الرئيس شبه المطلقة. ولذلك يعمد حزب العدالة والتنمية الحاكم وشريكه حزب الحركة القومية على حشد الجماهير لتأييد التعديلات الدستورية تحت عنوان “نعم” في حملتيهما المنفصلتين في الدعوة للتصويت بالإيجاب على التعديلات. في الوقت الذي يحمل حزب الشعب الجمهوري بشكل علني عنوان”لا”، الذي اتخذه شعارا لحملته الداعية للتصويت ضد التعديلات، معوّلا في ذلك على تغير حالة الاصطفاف السياسي في الاستفتاء عما سبقها من اصطفافات خلال الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة.

الملاحظ أن الشعارات المرفوعة في الحملة تتحدث جميعها عن المستقبل، حيث يرى المؤيدون أن التصويت بـ”نعم” على التعديلات يسهم في استقرار تركيا ووحدتها، في حين تتخوف المعارضة من السلطة المطلقة للرئيس أردوغان ومن تحكُّم الإخوان المسلمين عبر حزب العدالة والتنمية، بالتالي توجيه جهود تركيا إلى دعم الإخوان المسلمين في الدول الأخرى.

لكن ما يشكل هاجسا للمعارضة هو “الخشية من تحويل تركيا إلى فيدرالية” على غرار الصين، وذلك للخروج من تحدي الأكراد للنظام الحاكم، ومحاولة استيعابهم ضمن شمولية الدولة التركية والحيلولة دون توظيفهم من طرف الخارج أو تحولهم إلى قوة مهددة للجبهة الداخلية، خاصة بعد أن تمكن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي من استقطاب معظم الأكراد وأيضا بعد إعلان أكراد العراق عن إجراء استفتاء في المستقبل للانفصال عن بغداد وظهور الأكراد السوريين في شكل قوة مدعومة من الخارج.

ومع ذلك يرجّح بعض المراقبين حدوث “انعطافة في تصويت أنصار حزب الشعوب الديمقراطي الكردي لصالح تأييد التعديلات الدستورية بعدما أشارت كثير من المؤشرات إلى تحول قطاع من أنصار الحزب لتأييد حزب العدالة والتنمية، كون أن تحويل تركيا إلى فيدرالية يخدم أهداف الأكراد.

استفتاء الأحد هو إيذان بمرحلة جديدة في تاريخ تركيا، فمن خلاله تتغير صيغة الحكم وشكله، حيث يصبح رئيس الجمهورية الآمر الناهي وهو الذي يشكل الحكومة دون العودة إلى البرلمان، ولا ينتظر منه منح الثقة ولا يشترط أن يكون أعضاؤها من البرلمان، وبذلك سيتقلّص دور هذا الأخير وسيحرم الشعب التركي من النقاش الذي كان يتابعه لعقود من خلال جلسات البرلمان.

الواضح أن التعديلات الدستورية تخدم مصالح الرئيس رجب طيب أردغان وهو تميز على طول الفترة السابقة وخاصة بعد الانقلاب الفاشل ببراغماتية سياسية توظف الدولة لصالح الحزب -حزب العدالة والتنمية- وتوظف الحزب لصالح الرئيس.

وإذا كان بعض أعضاء حزب العدالة والتنمية -على قلتهم-يرفضون التعديلات خشية استغلال رئيس آخر مستقبلا الصلاحيات التي ستمنحها التعديلات للرئاسة في غير صالح البلد، فعليهم أن يدركوا أن أردوغان قد رتّب هذه التعديلات لصالحه مادام في السلطة وذلك لمدة 12 سنة مقبلة، سنتان في عهدته الحالية و10 سنوات في عهدتين بعد انتخابات نوفمبر 2019، وهو بذلك يختطف مستقبل تركيا قبل الأوان في محاولة منه لجعل عمره السياسي أطول من عمر تركيا الراهن.

لكن هل سيعمّر؟ وما هو فاعل في تركيا ودول الجوار؟ وهل سيبقى في السلطة إلى ذلك الوقت؟ والأكثر من ذلك ما موقفه في حال تمَّ التصويت بـ”لا” للتعديلات، مع أنه احتمال ضئيل لكنه لا يزال قائما؟

الإجابات على هذه الأسئلة جميعها مرهونة بالتغيرات المقبلة في تركيا.
نقلا عن العرب