واجب ضروري أن يعرف القارئ الكريم الاختلاف اللغوي والتطبيقي بين مصطلحي الاحتلال والاستعمار، وأثر هذا الاختلاف المعنوي بينهما. في الحقيقة أن الكلمتين مختلفتين في رسميهما، وهكذا في مضمونيهما. مثال الاحتلال العربي للعراق، بلا أدنى شك أنهم محتلون لهذه الأرض، التي لم يكن لهم وجود عليها قبل مجيء الإسلام، أي عام الثاني عشر للهجرة، لذا أنهم محتلون وليسوا مستعمرون؟، لأن المستعمر بقدر ما يأخذ يعطي أيضاً، أي أنه كما المصطلح – مستعمر- يعمر البلد ويأخذ به نحو الاستقرار السياسي والرفاه الاجتماعي ويحقق التطور الصناعي ويدعم القطاع الزراعي الخ، وهذا ما لم يفعله العرب، منذ أن وطئت حوافر خيولهم هذه الأرض وإلى يومنا هذا،أقولها لك بكل بساطة، لأنهم يعملون بلا هوادة بحجز مواقع لهم في العالم الآخر، عالم اللا عودة، وفي هذا العالم الواقعي أنهم مشغولون فقط ببناء وتعمير وصيانة صروح ومراقد وتكايا لرموز الاحتلال العربي للعراق، أي أنهم مهتمون بشؤون الأموات فقط، وتاركين الأحياء دون أي اهتمام!. بينما هناك شواهد ودلائل كثيرة في البلدان التي استعمرها الغرب (الكافر) لا زالت معالم العمران والبناء التي شيدها لخدمة الإنسان شامخة وشاخصة للعيان، كالجامعات والمستشفيات والمدارس وتعبيد الطرق الخ. على سبيل المثال وليس الحصر، لو تلقي نظرة عزيزي القارئ على أية منطقة في كيان العراق الحالي وهي تحت سلطة الاحتلال العربي الغاشم سترى القمامة والنفايات والأوساخ القذرة منتشرة في جميع شوارعها وأزقتها، والمياه الآسنة أصبحت بحيرات تحيط ببيوت المواطنين من كل جانب، والخدمات معدومة كلياً في جميع المؤسسات الصحية والخدمية، وبسبب تلوث الأرض والماء والهواء الأمراض الخطيرة متفشية بين جميع المواطنين، والماء الصالح للاستهلاك البشري لا يصل إلى الموطن نهائياً، والمرحومة الكهرباء صارت في ذمة الخلود لقد شيعت إلى مثواها الأخير منذ أمد بعيد. عزيزي القارئ، إن هذا الإهمال والتسيب الموجود، الذي رافق هؤلاء الغزاة إلى هذه البلاد لا تقوم به سوى سلطات الاحتلال لأنها خرجت من شبه جزيرتها الجرداء واحتلت هذه الأرض لغاية ما، سياسية أو عسكرية، أو اقتصادية الخ، لذا لا تريد هذه السلطات القروسطية أن تنفذ فيها مشاريع تنموية عمرانية وصناعية لأنها تعرف جيداً سيأتي يوم ترحل عنها وتعود من حيث أتت؟. تأكيداً على ما نقول، لو تقارن مظاهر هذا الفساد الإداري والمالي والتنظيمي الموجود الآن في الكيان العراقي المهترئ ونحن في نهاية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين مع صورة من صور أيام الاستعمار البريطاني، ذلك الزمن الجميل، الذي كان سائداً قبل عقود من الآن في العراق لا تستطيع أن تقارن بينهما قط، حيث أن المستشفيات كانت نظيفة نظافة فائقة، والعناية بالمريض كانت من أولويات أعمال المستشفيات، والأطباء والممرضون كانوا يؤدون واجباتهم بصورة صحيحة وسليمة كما يجب، والكهرباء متوفرة للجميع في طول البلاد وعرضها، والماء الصالح للشرب متوفر باستمرار للمواطن، والبلدية تقوم بأعمالها اليومية بأسلوب حضاري، وحكم القانون كان سارياً على الجميع دون استثناء، والديمقراطية كانت أفضل مما هي عليها الآن، الخ الخ الخ. عزيزي القارئ كما رأيت هذا هو البون الشاسع بين الاحتلال العربي الإسلامي، والاستعمار الغربي (الكافر).للعلم، هل يعرف القارئ العزيز، أن شق الممر المائي الذي يربط بين بحري الأحمر والمتوسط والذي يسمى بقناة السويس هو من بنات أفكار الفرنسي (نابليون بونابرت) ونفذته شركة فرنسية فيما بعد؟. إما ما خلفه الاستعمار البريطاني في مصر فهي كثيرة، كنقابة الصحفيين التي كانت من بنات أفكار الإنجليز، ومد الإنجليز سكة الحديد، وأنشئوا الجامعات المصرية، وأنشئوا مدرسة الطيران الخ. وفي العراق لا زالت الأبنية والمشاريع العمرانية التي أقاموها باقية إلى الآن.هل يعرف القارئ، لم يوجد شارع في بغداد قبل الحكم البريطاني، سوى شارع الرشيد الذي عبدته الدولة العثمانية باسم شارع “خليل باشا جادسي”، إلا أن سلطات الاحتلال العربي غيرت اسمه إلى شارع الرشيد نسبة إلى رمز من رموز الاحتلال العربي لبلاد بين النهرين إلا وهو هارون الرشيد. أضف أن البريطانيين أنشئوا سدة الهندية، وسد الكوت، وجسر المود في بغداد، الذي شيده الجيش البريطاني. والبريطانيون هم من فتحوا مدرسة لتعليم الهندسة في بغداد الخ الخ الخ. وفي جنوب كوردستان رغم أنهم – البريطانيون- ظلموا الشعب الكوردي ظلماً كبيراً حين ألحقوا قسراً جزءاً عزيزاً من وطنه بالكيان العراقي المصطنع، لكن رغم هذا الذنب الذي لا يغتفر لهم أبداً، قد قاموا بعدة مشاريع عمرانية في جنوبي كوردستان، منها الطريق التي شقها المهندس (اي.ام. هاملتون = A.M.Hamlton) وألف بعد إتمامه كتاباً معتبراً سماه طريق في كوردستان (Road througa Kurdistan). مثال آخر للاحتلال العربي لجنوب وغرب كوردستان، أن السلطات العربية المحتلة لم تنفذ مشروعاً واحداً يستفيد منه الشعب الكوردي في كلا الجزأين المغتصبين، بل بخلافه، نفذوا سياسات التعريب العنصرية المبرمجة لإجبار الكورد على الرحيل من وطنهم، وفي أحيان كثيرة قامت السلطات العربية المحتلة بتهجير الكورد من مناطقهم بفوهات البنادق وإحلال بعض العرب الأوباش مكانهم، وذلك من أجل تغيير ديموغرافية وطنهم كوردستان. بل الأتعس من هذا كله، أن سلطات العربية المجرمة القابعة في بغداد لم تكتفي بإجبار بقاء جنوب كوردستان ضمن حدود العراق السياسية، بل استحوذت بقوة السلاح أيضاً على نصف مساحة جنوب كوردستان – ما سمي في الدستور بالمناطق المتنازعة عليها – وخلافاً لكل القوانين الوضعية والشرائع السماوية فرضت على القيادات الكوردية أن تقبل بإجراء استفتاء على هذا الجزء من وطنها!! لكن بعد انقضاء إحدى عشر عاماً على التاريخ الذي حدده الدستور لتنفيذ هذه المادة المذكورة تحت رقم (140) إلا أنهم كالعادة حنثوا بالقسم الذي أدوه حين تسنموا مناصبهم العليا ولم ينفذوها وهي مادة دستورية صريحة وتاريخ تطبيقها مدونة بذيل المادة بنهاية عام 2007 بلا شك يعرف كل ذي عينين أن هذه المادة هم -العرب- فرضوها ظلماً وبهتاناً على القيادة الكوردستانية لكي تقبل بإجراء استفتاء على جزء من أرض وطنها كوردستان ورغم هذا الظلم القرقوشي يحاولون الآن التملص منها بكل الوسائل والسبل غير الشرعية!!.
مِن أَجْرَم رموز الاحتلال العربي في العراق الحديث، المجرم عبد السلام محمد عارف، المجرمين أحمد حسن البكر و صدام حسين، والآن الكديش القزم المنتهية ولايته حيدر العبادي. ومِن أدوات الاحتلال العربي في العراق الجيش العراقي المجرم، أي نعم المجرم، لأن منتسبيه مجرمي حرب، ارتكبوا أفظع الجرائم الوحشية بحق الشعب الكوردي الأعزل. وهكذا ميليشيا (Militia) الحرس القومي المجرم، وميليشيا الجيش الشعبي المجرم، والآن ميليشيا ما يسمى بالحشد الشعبي المجرم، الذي فاق في فترة قصيرة بإجرامه أولئك الأوباش المشار إليهم أعلاه.
في ختام هذه المقالة نقول بصريح العبارة لكل من استوطن هذه الأرض -العراق- بحد السيف، يعتبر محتلاً لها ويبقى وجوده غير شرعي فيها أبد الدهر. وكذلك أولئك التركمان، الذين جيئة بهم من آسيا الوسطى كجنود مرتزقة لكي يكونوا قوة ضاربة ترهب الناس خدمةَ للحاكم العباسي الجائر، لكن مهما طال الزمن بهؤلاء.. سيبقون غرباء عن هذه البلاد، ويجب عليهم العودة من حيث جيئة بهم.
23 10 2018
“لا تأسفن على غدر الزمان لطالما … رقصت على جثث الأسود كلابُ لا تحسبن برقصها تعلو على أسيادها … تبقى الأسود أسوداً والكلاب كلاب”