19 ديسمبر، 2024 12:23 ص

رموزَنا … أمانة وأفتخار

رموزَنا … أمانة وأفتخار

معروف ان القادة و الرؤوساء و المشاهير و العظماء منذ فجر التاريخ هم من يصنعون الاحداث و يؤثرون و يتأثرون في كل المجالات و تبقى بصماتهم منقوشة على صفحات الماضي المطوية ، و لكن كلما تصفحت فيها ظهر الجديد من الابداع و الجهود و التعب وسط من يعجبون بها و يحنون لتلك الايام و بين من يلقي اللوم واللعنات على تلك الصفحات ، و لكنها في الحالتين تبقى هذه الصفحات جزءاً من تاريخ الانسانية المشرق منها او المظلم , و هؤلاء اصبحوا قناديل و اسماء تحمل الهيبة و السيطرة على النفوس و ربما تصل الى التقديس في صور شتى بين صنع هياكلهم و تعليق صورهم و تسمية الاماكن العامة و المؤسسات الرسمية بأسمائهم و تشريع القوانين الخاصة بعدم المساس بهم و فرض العقوبات على المخالفين لهم .
ان ما دفعني في كتابة هذه السطور هو مانشرته صحيفة (الشرق الاوسط) في عددها (14281 في 3/1/2018) (يوميات الشرق) موضوعاً عن فتح مكتبة مخصصة للسياسي البريطاني (ونستون تشرشل) في مانهاتن , حيث استوقفني كثيراً و ربما هناك المزيد من هذا القبيل ان المكتبة تضم صوره و كتبه و بقايا السيجارة التي اشتهر بها ، و توقيعه و تبين ان (تشرشل) ترك إرثاً كبيراً من المؤلفات من وراءه ناهيك عن الكتب التي تناولته من أوجه متعددة و مختلفة حيث تباع باسعار باهضة تصل مئات الدولارات . هذه المكتبة حلقة من حلقات الربط بين هؤلاء القادة و عامة الشعب لأنه بات رمزاً يفتخر به الشعب البريطاني برمته بمختلف افكارهم و توجهاتهم و ارائهم بل يرون فيه و في غيره الوحدة و التماسك و يكنون له الاحترام و التقدير و ان تغيير الوجوه و الحكومات لاتمس آثار القادة في الدول المتقدمة بشىء بل يزيدهم مهابةً و افتخاراً .
و حتى في تركيا بات (مصطفى كمال اتاتورك) الذي غيّر الحياة فيها و بناها وفق منهج العلمانية على انقاض الدولة العثمانية بات رمزاً ذا احترام و مهابة و يعتبرون المساس به مساس بالدولة التركية و اكثر من ذلك اصبحت افكاره و اراءه منهجاً تسير عليها الاجيال , حيث صوره عالقة في كل مكان رغم تغيير الحكومات و الاحزاب ذات الاتجاهات المختلفة و احياناً يكون مادة دسمة يستفاد منه ورمزاً للدعاية والفوز في الانتخابات وحل المشاكل و الازمات .
هذه امثلة بسيطة حيث لا تستثني دولة إلا وقد قدمت الكثير لزعمائها و قادتها و شعرائها و فنانيها ممن خدموها وخدموا جميعاً الانسانية و يزرعون حبهم و احترامهم في نفوس شعبها .
اما لدينا و في منطقة الشرق الاوسط بصورة عامة فأن رموزنا من القادة و الشعراء و الفنانين و غيرهم ممن تركوا بصماتهم في صفحات تاريخنا ينتهي دورهم برحيلهم عنا إلا مارحم ربي و بعده تبدأ أتهامهم بالتقصير و الخيانة و العمالة تلتصق بهم و يحاولون تغيرهم من رموز قومية و وطنية يستحقون التقدير والاحترام الى قادة للحركات و الاحزاب و رسم الحدود لاحترامهم بل زرع الكراهية و الحقد تجاههم بشتى الوسائل و الاليات و الادهى و الامر منها ينتظرون الفرصة للانتقام منهم بالاهانة و تدمير هياكلهم و صورهم و آثارهم خاصة عند الثورات و الانقلابات و تغيير السلطة و قد ثبتت صور هذه المواقف في الاذهان لأن التفكير ضيق و الاخلاص للاحزاب و الافكار تفوق حب الوطن و امجاده .
ان هؤلاء الاشخاص يرسمون الامجاد و قد حملوا المسؤولية على اكتافهم و أدوا دورهم وفق متطلبات مرحلة حياتهم يستحقون كل الاحترام من شعوبهم و بقدر احترام الشعب لتاريخه و قادته و فنانيه و شعرائه يكون ذا هيبة و وقار في نظر الاخرين لأنهم جزء من تاريخهم لايمكن قطعه و بتره .
و اننا جمعاً مطالبين بأحترام و الحفاظ على تراثهم و توثيقه للاجيال القادمة و الخروج من هذه العقدة في الاختلاف الطائفي او القومي او الحزبي او الديني أو المذهبي لنخدم سوياً وطننا على خطى ونهج رموزنا و قادتنا حيث يكفينا فخراً بأننا خدمنا الانسانية و الحضارة اكثر من غيرنا ..